المنطقة الآمنة شرق الفرات مناورة أم مصالحة؟

تجاهل واشنطن لتوصيف الاتفاق بأنه لإنشاء منطقة أمنية، يعني صراحة أن نقاط الخلاف تلك، والتي سبق لها وأن أعاقت التوصل إلى اتفاق مشابه لاتزال قائمة

 

 الاتفاق الذي أعلنت أنقرة التوصل إليه مؤخرا مع واشنطن بشأن إنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات، حمل العديد من الايجابيات في حال تنفيذه فعليا على الأرض، والذى سيصب في صالح المخططات التركية الرامية لإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية والسياسية في تلك المنطقة الحدودية، وتطهيرها من التنظيمات التي تصفها بالإرهابية، وإعادة الملايين من اللاجئين السوريين لديها لقراهم وأراضيهم داخل الحدود السورية تحت رعايتها وبإشرافها الكامل، الامر الذى من شأنه ان يمنحها الفرصة الكاملة لتأمين المنطقة الحدودية، وإنهاء وجود التنظيمات المسلحة التي تهدد أمنها القومي، وتحل مشكلة اللاجئين التي باتت تسبب لها الكثير من المشاكل على الصعيد الداخلي، إلى جانب أن ذلك سيمنحها موطئ قدم داخل العمق السوري تشعر أنها بحاجة إليه عند أية مفاوضات يمكن ان تحدث لاحقا.

تحذيرات من المماطلة والتسويف

إلا أن بعض الجمل الاعتراضية التي صاحبت تصريحات المسؤولين الأتراك المُثمنة لهذا الاتفاق، الذي جاء في ظل أجواء ملبدة بغيوم التوتر وفقدان الثقة بين البلدين، وتحذيراتهم من مغبة إتباع سياسة المماطلة وإهدار الوقت الذي دأبت عليها واشنطن في تعاطيها مع هذا الملف على وجه التحديد، أشارت بوضوح إلى عدم التوصل حقيقة إلى اتفاق نهائي، وإلى أن هناك مسائل خلافية هامة لاتزال عالقة، لم يتمكن الطرفان من تجاوزها أو إيجاد حل توافقي لها بشكل يسمح لهما بالبدء في تنفيذ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مؤخرا.

يؤكد وجهة النظر هذه البيان الصادر رسميا عن وزارة الدفاع الامريكية، والذي لم يتطرق مطلقا إلى منطقة أمنية تتولى إدارتها كل من تركيا والولايات المتحدة كما جاء في تصريحات المسؤولين الأتراك، بل اكتفى بالحديث عن إنشاء آلية أمنية تدخل حيز التنفيذ “تدريجيا ” بهدف إزالة هواجس أنقرة التي تراها واشنطن مشروعة!!! وأنهم يخططون لتأسيس مركز عمليات مشتركة من أجل الاستمرار في التخطيط والتنفيذ.

تجاهل واشنطن لتوصيف الاتفاق بأنه لإنشاء منطقة أمنية، يعني صراحة أن نقاط الخلاف تلك، والتي سبق لها وأن أعاقت التوصل إلى اتفاق مشابه، لاتزال قائمة، وهي النقاط التي تتركز في المطالب الأساسية التالية:

1 – ترى تركيا أن عمق المنطقة الآمنة المناسب لها يجب أن يمتد بين 30 – 40 كيلو مترا من الحدود التركية داخل الأراضي السورية، فيما ترى واشنطن أن 5 كيلو مترات كافية تماما لتأمين المنطقة الحدودية، وإزالة المخاوف التركية.

2 – تُصر تركيا على أن تُوقف الولايات المتحدة الامريكية كافة أشكال الدعم التقني واللوجيستي الذي تقدمه لعناصر كل من وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.

3 – تطالب أنقرة بضرورة إخراج عناصر تنظيم وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني المتمركزة في المنطقة، والذين يبلغ عددهم 13 ألف عنصر، وفق بيان المؤسسة العسكرية التركية وإبعادهم تماما عن شرق الفرات.

4 –  تطالب تركيا بسحب كافة أنواع الأسلحة والذخائر التي قامت الإدارة الأمريكية بتسليح عناصر تلك التنظيمات بها، وذلك قبل مغادرتهم المنطقة، على أن يتم إبعاد الأسلحة الثقيلة تحديدا مسافة من 5 – 14 كيلومتراً عن الحدود التركية باتجاه الداخل السوري.

6 – تدمير الأنفاق والتحصينات ومخازن الذخيرة والمواقع التي أقامتها التنظيمات في المناطق التي تسيطر عليها داخل الأراضي السورية على الشريط الحدودي مع تركيا

مطالب مرفوضة:

وهي المطالب التي ترفض الولايات المتحدة الأمريكية تلبيتها بزعم أن تنظيم داعش لايزال يشن عمليات إرهابية في كل من سوريا والعراق وأفريقيا، وأن القوى الكردية والعربية، في إشارة إلى تنظيم وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، لاتزال تعمل على مكافحته، وأنها – أي الإدارة الأمريكية –  ملتزمة التزاما كاملا بحماية من يقاتلون إلى جوارها في حربها ضد الإرهاب، ومنع تعرضهم لأي أذى أو هجوم من جانب طرف ثالث.

فقدان الثقة والتحرك بصورة منفردة

الشكوك في النوايا الأمريكية، وفقدان الثقة في وعود مسؤوليها، دفع أنقرة على ما يبدو إلى بدء التحرك فعليا بصورة منفردة، فرغم الإعلان عن الاتفاق المذكور،  قامت وزارة الدفاع التركية خلال الأيام الماضية بحشد دفعة جديدة من الآليات العسكرية إلى ولاية شانلي أورفا في فوج مكون من 12 مركبة من نوع حاملات جنود مدرعة بهدف تعزيز قدرات وحداتها العسكرية العاملة قرب الحدود السورية، وتسليم هذه التعزيزات لقيادة الفوج الأول بمنطقة ” جيلان بينار “، حيث من المنتظر نشرها في عدة مواقع متاخمة للحدود السورية ، وذلك في إشارة واضحة من جانب انقرة عن استعدادها لإنشاء المنطقة الامنة في سوريا بمفردها حال شعورها بوجود نوع من المماطلة من جانب المفاوضين الأمريكيين عبر إطالة أمد المباحثات بينهما مثلما حدث من قبل عند تطبيق أتفاق منبج.

موقف أنقرة المتشدد تجاه الوعود الأمريكية، وإعلانها الدفاع عن مصالحها السياسية وأمنها القومي دعمه هذه المرة الكشف عن اجتماع مطول عقد بين قائد القيادة المركزية الامريكية الجنرال كينيث ماكينزي والقيادي في تنظيم حزب العمال الكردستاني شاهين سيلو في عين عيسى منذ عدة أسابيع، وهو الاجتماع الذي أعقبه قيام عناصر حزب العمال الكردستاني بشن عدة هجمات متزامنة في منطقة درع الفرات وعفرين وجيلان بينار، إلى جانب إصرار الإدارة الامريكية على رفض المطالب التركية.

وهو الأمر الذي زاد من إصرار أنقرة على المضي قدما لتنفيذ مخططها لإقامة المنطقة الآمنة سواء بالتعاون مع واشنطن أو من دونه بعد أن وضعت تسلسل امحددا لخطواتها المقبلة في هذا الملف الحساس بالنسبة لها، وذلك عبر الحوار أولا، واستخدام عناصر القوة الناعمة، ثم ممارسة الضغط الدبلوماسي، وإذا ما تطلب الأمر فستضطر إلى استخدام القوة الفعلية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه