المصريون في طوابير البطاطس

ظاهرة جديدة على مصر التي تعرف طوابير الخبز والبوتاجاز، ولكنها لم تشهد أزمة في البطاطس من قبل، وهو فشل يضاف إلى إنجازات النظام

 

يعاني المصريون من ارتفاع تاريخي في أسعار البطاطس، ووصل سعر الكيلو غرام إلى 15 جنيها، بارتفاع يفوق ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في التوقيت نفسه من العام الماضي، حيث تراوحت الأسعار بين جنيهين ونصف و4 جنيهات للكيلو غرام، واختفت البطاطس من المحلات، ونظمت قوات الجيش والشرطة طوابير طويلة اصطف فيها المصريون في ميدان التحرير ورمسيس بالقاهرة، والميادين الرئيسية في المحافظات للحصول على كيلو غرامات من البطاطس في ظاهرة جديدة على مصر التي تعرف طوابير الخبز والبوتاجاز، ولكنها لم تشهد أزمة في البطاطس من قبل، وهو فشل يضاف إلى انجازات النظام الذي يحكم البلاد منذ الثالث من يوليو 2013.

ارتفاع الأسعار غير المسبوق أصاب المصريين بالصدمة، لا سيما أن البطاطس هي الغذاء الرئيس للمصريين مع الخبز والأرز، ويستهلك المصريون 4 ملايين طن في السنة، بمعدل 40 كيلوغراما  للفرد في العام، ما يفوق استهلاك الأرز الذي يصل إلى 38 كيلو غراما في العام، ولا تقل أهميتها عن أهمية الأرز على موائد المصريين، وهي واحدة من أرخص مكونات وجبات المصريين اليومية والتي تتكون في الغالب من الأرز والبطاطس.

أسباب الأزمة

الأزمة لم تقع بالصدفة، لا سيما أن مصر دولة لها مكانتها في سوق البطاطس الدولية، وتتصدر إنتاج البطاطس في أفريقيا، وتحتل المرتبة رقم 14 على مستوى العالم بمقدار خمسة ملايين طن، وفق احصائيات منظمة الفاو الصادرة في سبتمبر/أيلول الماضي، والفلاح المصري يزرع البطاطس ثلاث مرات أو عروات، طوال السنة تقريبًا مستغلًا المناخ المعتدل والفريد الذي تتمتع به مصر.

السبب الرئيس للأزمة هو أن مصر تلقت طلبًا من روسيا، الحليف الاستراتيجي للجنرال السيسي، لمضاعفة وارداتها من البطاطس المصرية بالتزامن مع العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، وبالفعل فتحت الحكومة باب تصدير البطاطس على مصراعية لحساب مصدري البطاطس المقربين من الحكومة، والذين يتبرعون لصندوق تحيا مصر، على حساب السوق المحلية والمواطن المصري، إذ بلغت صادرات هذا العام أكثر من 750 ألف طن، وفق تقرير الإدارة المركزية للحجر الزراعي، الجهة المسؤولة عن فحص الصادرات الزراعية بوزارة الزراعة في سبتمبر الماضي.

وزاد الطين بلة تراجع إنتاجية البطاطس المصرية بمعدل 30% عن العام الماضي، مدفوعًا برفع الحكومة أسعار الأسمدة والسولار، وارتفاع أجور العمالة الزراعية وإيجار الأراضي، وتضاعف أسعار التقاوي، والتي يحتكر استيرادها بالكامل خمسة من التجار المقربين من الحكومة.

كذلك كشف أمين عام جمعية منتجي البطاطس، أحمد الشربيني، عن قيام القوات المسلحة بتصدير كميات كبيرة من البطاطس وذلك بقوله: “الأراضي التي طرحتها القوات المسلحة حققت إنتاجا جيدا جدا وتم تصدير كميات كبيرة منه”، خلال لقائه مع الإعلامي الناطق باسم النظام، أحمد موسى.

مصادرة البطاطس

الحكومة لم تعترف بالخطأ، بل اتهمت التجار بافتعال الأزمة وصادرت منتجاتهم من ثلاجات التخزين، ووجهت لهم تهما لم ينص عليها قانون، وأعلنت وزارة الداخلية عن نجاح الإدارة العامة لشرطة التموین في: “ضبط 9 قضایا تجمیع وتخزین سلعة البطاطس وحجبھا عن التداول بالأسواق بمضبوطات بلغت 1632 طن فى حملات تموینیة مكبرة إستھدفت محافظات الغربیة، الدقھلیة، البحیرة”، وذكرت أن هذه الإجراءات غير المسبوقة تتم “تحت رعایة السید رئیس الجمھوریة”، وفق الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية في 27 أكتوبر.

وأعلنت وزارة الداخلية في 29 من أكتوبر/تشرين الأول عن “ضبط 8 قضايا تجميع وتخزين سلعة البطاطس وحجبها عن التداول بالأسواق بمضبوطات بلغت 1155 طن بطاطس”، وقالت الوزارة أن ذلك يأتي “في إطار مكافحة الجرائم التموينية بشتى صورها خاصة جرائم إستغلال السلع الغذائية وحجبها عن التداول بالأسواق لاسيما سلعة البطاطس”، بالرغم من أن البطاطس ليست من السلع التموينية!

وصادرت الشرطة البطاطس المعدة للبيع، بالإضافة إلى البطاطس المخزنة لأغراض صناعة الشيبسي، والتي لا تناسب طرق الطهي المنزلي، وصادرت كذلك البطاطس المخزنة لأغراض التقاوي والمجهزة للزراعة في العروة الشتوية التي تستمر زراعتها حتى أواخر شهر أكتوبر الجاري، وكذلك زراعتها في العروة المحيرة التي يتم زراعتها في شهر نوفمبر.

مصادرة البطاطس المخزنة لأغراض الزراعة، من دون تفرقة بينها وبين البطاطس المخزنة لأغراض التجارة والصناعة، سوف يتسبب في نقص كميات التقاوي اللازمة للزراعة، وبالتالي تراجع المساحات المزروعة في العروة القادمة، ما يخفض كميات البطاطس التي تنتج في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول القادم، وتستمر الأزمة وقد يضطر النظام إلى استيراد البطاطس من الخارج كما فعل مؤخرًا مع الطماطم التي استوردها من الأردن في ظل ارتفاع أسعار.

حلول عاجزة

مصادرة البطاطس لن تحل الأزمة، سيما أن عدد الثلاجات المعدة لتخزين الخضروات والفاكهة واللحوم في القطاع العام والأعمال العام والقطاع الخاص، والمُستخدمة في التخزين لحساب الغير، في حدود 250 ثلاجة، ويمثل مخزون البطاطس نسبة 76% من إجمالي مجموعة الفواكه والخضروات، وسجل رصيد آخر العام في حدود 35 ألف طن، وفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء الصادر في مارس الماضي.

وبفرض أن كمية مماثلة ما زالت موجودة في الثلاجات، وهو افتراض مبالغ فيه لأن السحب خلال شهرين الأخيرين كان كبيرًا مع ارتفاع الأسعار، فإن هذه الكمية لن تغطي فجوة السوق التي نتجت عن تصدير 750 ألف طن، وبالتالي لن تكون كافية لحل الأزمة قبل ظهور إنتاج الموسم الشتوي في ديسمبر/كانون الأول القادم.

توريط

استغلال السيسي الجيش والشرطة في أزمة البطاطس، هو توريط للمؤسستين في أزمات من صنع الحكومة، والجيش الذي خيب آمال السيسي في التعامل مع أزمة الغلاء وفشل خمس مرات في خفض أسعار السلع لن يفلح في حل أزمة البطاطس أيضًا، وإصرار السيسي على اعتماد الحل الأمني في مواجهة الأزمات إنما ينتقص من الكفاءة الأمنية للشرطة والقدرة القتالية للجيش في بسط الأمن ومواجهة الخارجين على القانون على النحو الذي يفسر الفشل الذي مُنيت به قوات الشرطة في الفرافرة والجيش في سيناء.

أثبتت أزمة البطاطس أن طوابير الانتخابات الديمقراطية التي أقرتها ثورة يناير، وحماها الجيش، أفرزت حكومة منتخبة استطاعت في عام واحد أن تحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية للمصريين، وأن تقضي على طوابير الخبز والسلع التموينية والبوتاغاز التي استمرات لعقود طويلة. وأثبتت الأزمة أيضًا أن النظام الذي يأتي للحكم على ظهر الدبابة وينقلب على التجربة الديمقراطية الوليدة لا يحقق العدالة ولا يصون الكرامة، وحشر المصريين في طوابير البطاطس التي لم يعرفها المصريون من قبل.

والحل

الزراعة المصرية تفتقر إلى التخطيط، وتفتقد الخريطة المحصولية التي تحقق الأمن الغذائي، وتغطي احتياجات الدولة من المحاصيل الاستراتيجية، بما فيها البطاطس، وتضمن ثبات الإنتاج وعدم تذبذبه، وتحقق استقرار الأسعار، وتحمي المزارعين من انهيار الأسعار، وتحمي المواطن من أزمات نقص الغذاء وصدمات الغلاء.

وما لم تعد وزارة الزراعة إلى القيام بدورها المحوري في دعم الإنتاج الزراعي، وتوفير البذور والتقاوي والأسمدة والمبيدات، وتطبيق الدورة الزراعية التي تنظم زراعة المحاصيل، وتستأنف التسويق التعاوني للحاصلات الزراعية، وتتدخل لتأمين غذاء الشعب بالتعاون مع وزارة التموين، فسوف تتكرر أزمات الغذاء، البطاطس والطماطم، والأرز، والسكر، والدواجن، واللحوم، والأسماك، ولن تفلح الحلول الأمنية في حل هذه الأزمات، وسوف يزيد سخط المواطن على جنرالات العسكر.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه