المصريون العالقون في الخارج قنبلة موقوتة

 

المصريون العالقون في دول العالم قضية تستحق الدراسة، وسرعة الاستجابة لحلها قبل تضخمها وتحولها إلى أزمة يصعب التعامل معها؛ فهذه الأعداد الكبيرة تعيش ظروفا صعبة في ظل انتشار الوباء وانشغال كل دولة بمواطنيها، وإغلاق المطارات، ورفض الحكومة المصرية تحمل تكلفة العزل الصحي لهم لمدة أسبوعين.

برزت أزمة العالقين بشكل مأساوي في الكويت حيث يعيش بضعة آلاف من المصريين في مدارس ومخيمات أنشأتها الحكومة الكويتية لاستيعاب المصريين الذين لم يجدوا وسيلة للعودة وغيرهم ممن انتهت إقاماتهم، كما يوجد مصريون عالقون في دول الخليج وفي الشرق والغرب يتسولون العودة.

لقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو لمصريين في كل بلاد العالم حالت الاجراءات الاحترازية دون عودتهم، وانقطعت بهم السبل، ولا يملكون المال الكافي لإعاشتهم، وأصدروا استغاثات لإنقاذهم وإعادتهم لبلدهم وأهلهم، لكن يبدو أن الحكومة المصرية غير قادرة على التعامل مع الملف.

لقد ظهر ارتباك الحكومة والتعامل العشوائي عندما فكروا في استغلال المعاناة للتربح، ولم يتعاملوا باحترام وإنسانية مع مواطنين مصريين لهم حقوق على الدولة، فحدثت فضيحة لأول مجموعة من العالقين عندما أعادوهم بأسعار طيران مضاعفة وقرروا عزلهم في فندق 5 نجوم مقابل ألفي جنيه للفرد في اليوم، ونتج عن احتجاجهم رفض فكرة إعادة العالقين.

الطبيعي كما هو في كل دول العالم أن تتحمل الحكومة تكلفة العزل الصحي للعائدين في أماكن لائقة تتوفر فيها شروط السلامة، سواء كانت مدارس أو مدن جامعية أو مراكز شباب أو معسكرات، أو مستشفيات مخصصة، ومن الممكن تخصيص فنادق بدرجات مختلفة لمن يرغب ولديه القدرة المالية باختياره، لكن هذا لم يحدث وتم ترحيل المشكلة.

العاملون بالخارج

كل يوم يمر تتضخم أعداد الراغبين في العودة، ولم يعد الأمر يقتصر على السائحين أو الزائرين، وإنما بدأت شرائح من العاملين بالخارج تريد العودة، بسبب استغناء بعض الدول عنهم نتيجة الكساد والانهيارات الاقتصادية، أو بسبب الانكفاء على الذات وإغلاق الحدود.

إن ملف المصريين بالخارج يستحق معاملة تليق بأهميته، ولا يترك لوزيرة تعمل بالتوجيه أو موظف محدود القدرات ليس له صلة بالموضوع، وذلك للدور الحيوي الذي يلعبه ما يزيد عن 10 ملايين مصري في دعم الاقتصاد المصري، ولا يجب أن يقتصر التناول على موضوع استقبال العائدين وإنما لبحث مشكلاتهم في بلدانهم وحمايتهم من تغول الحكومات الأخرى والدفاع عن حقوقهم ليستمر دورهم.

احترام الدولة لابنائها وقت المحنة من حقوق المواطنة، والعمل لراحتهم يحسب للحكم ويزيد من احترام شعوب العالم له وللمصريين، وتحمل السلطات لتكاليف العزل الصحي وتخفيف أعباء العودة ليس منة من أحد وإنما رد للجميل، فالمصريون بالخارج هو المصدر الرئيسي للدولار وللعملة الأجنبية من خلال التحويلات بعد تراجع السياحة وخسارة قناة السويس وثبات الصادرات.

لقد بلغت تحويلات المصريين بالخارج عام 2019 وفقا لبيانات البنك المركزي 26.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 5% عن عام 2018 الذي بلغت فيه التحويلات 25.5 مليار دولار، وقد صرح طارق عامر محافظ البنك المركزي بأن الرقم الحقيقي لإجمالي تحويلات المصريين يزيد عن الرقم الرسمي المعلن وأنه يبلغ 34 مليار دولار، لأن المصريين يحملون معهم الكاش أثناء عودتهم.

هذا يعني أن تحويلات المصريين أكثر من إجمالي الصادرات المصرية؛ فوفقا لوزارة المالية فإن إجمالي قيمة الصادرات خلال العام المالي 2018 – 2019 بلغت 28.4 مليار دولار، ، بارتفاع قدره 2.6 مليار دولار، مقارنة بالعام المالي 2017 – 2018، الذي شهد جملة صادرات بلغت 25.8 مليار دولار.

تصحيح الصورة السلبية

عندما نطرح الأهمية الاقتصادية للملف فهذا من باب إقناع الماديين النفعيين الذين لا ينتبهون لخطورة الرسائل السلبية التي صدرت في الفترة الأخيرة والتي لم تراع مشاعر المصريين وإهانتهم، مثل تسخير أسطول مصر للطيران لإعادة الرعايا الأمريكيين من كل أنحاء العالم للولايات المتحدة ودول أخرى وتجاهل المصريين العالقين.

إدارة الدول لا تكون بحسابات ضيقة متعلقة بالمكسب والخسارة، فالإنسان هو محور أي تنمية، وخدمته هي الأصل في أي تخطيط؛ والشعور بالانتماء لا يقدر بمال، كما أن إهدار آدمية المواطن يفاقم من خسائرنا في الخارج ويشجع الآخرين على ظلم أبنائنا، وينعكس على مواطنينا بسوء معاملة وإذلال، وتشويه صورة دولتنا وسط الدول التي تبذل الغالي والنفيس وتتنافس في خدمة مواطنيها.

إن استعادة ابنائنا من الخارج باحترام ستحقق الكثير من المكاسب، في مقدمتها تعميق الشعور بالانتماء وحب الوطن، وتؤكد لهم أن بلدهم لم يتنكر لهم وقت محنتهم، وتشيع حالة من الارتياح لدى أقاربهم وأهلهم وتعيد الاعتبار لكرامة ومكانة المصري التي اهتزت بسبب ما أشيع أن دولتهم لا تريدهم وهي التي تركتهم ولم تسأل عنهم.

وعلى الصعيد الاقتصادي فهناك الكثير من المنافع التي ستخفف من وقع المعاناة؛ وتعيد الحياة لقطاعات متوقفة مثل: مصر للطيران وشركات النقل الجوي والبحري، وتنشيط الفنادق الخاوية التي سيتم تخصيصها للعزل، وسيسحب الكثير من العائدين مدخراتهم من الدول التي يعملون بها، ويضخونها في البلد مما سينعش الأسواق وينعكس إيجابا على الحالة العامة، وهناك الكثير والكثير.

الحاجة إلى عقل

مواجهة كورونا تحتاج إلى عقل يدرك خطورة تداعيات المرحلة، وتغيير أسلوب التفكير العقيم، فليس من المعقول رغم كل ما يجري الإصرار على تجاهل الإنسان والتركيز على الخرسانة والطوب والرمل، واستكمال مشروعات بناء القصور والفيلات والأبراج في العاصمة الادارية وتبديد المزيد من المليارات في الصحراء، وكأن لا وباء ينتشر كالنار ولا فيروس كورونا يفتك بالأجساد ويزهق الأرواح ويستنزف الأخضر واليابس.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه