المال السعودي ورسائله الخطأ لكندا

لم يعقل متخذ القرار السعودي أن قراره يكاد يكون منعدم الأثر، بالحسابات الاقتصادية، فماذا يعني 1.5 مليار دولار واردات سعودية من كندا، من نحو 428 مليارا؟

تتوالى القرارات السعودية بشأن تجميد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع كندا على إثر مطالبة كندا بالإفراج عن موقوفين سعوديين داخل المملكة، حيث اتخذت السعودية قرارًا بتجميد تجارتها مع كندا أولًا، ثم وقف الرحلات الجوية للخطوط السعودية للعاصمة الكندية، ومؤخرًا وقف الرحلات العلاجية من السعودية إلى كندا، بل وتحويل المرضى الحاليين من السعوديين في كندا إلى دول أخرى.

خسارة كندا

وفي ظل هذه القرارات غير المحسوبة، امتد السلوك السعودي، ليصل إلى المبعوثين في مهام تعليمية بكندا، وهو أمر إن تم، فسيضر بشكل كبير بالسعودية كدولة، وبالمبعوثين كأشخاص.

وكذلك لوحت وسائل الإعلام السعودية، بعدم حصول كندا عبر شركاتها على المشاركة في مشروعات رؤية 2030، التي يتبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهي الكعكة التي يسوق بها ولى العهد نفسه إقليميًا ودوليًا، من خلال إرساء عقود المقاولات وإقامة المشروعات.

الأرقام المنشورة على موقع الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، تبين أن كندا سوف تخسر صادرات للسعودية تصل لنحو 1.5 مليار دولار سنويًا، فضلًا عما يترتب من رحلات سياحية من السعودية إلى كندا، وإذا ما نظرنا لصادرات كندا للسوق السعودية نجد أنها ضئيلة مقارنة بإجمالي الصادرات السلعية الكندية للعالم، والتي بلغت في العام 2017 نحو 425 مليار دولار، وذلك وفق ما ورد بقاعدة بيانات البنك الدولي.

ولكن على الجانب الآخر فتجميد العلاقات التجارية للسعودية مع كندا سوف تتضرر منه السعودية أيضًا، حيث كان الميزان التجاري في صالح السعودية بنحو 240 مليون دولار وفق أرقام 2016.

ولا نحسب أن كلا الطرفين سيعجز عن تدبير السلع المتبادلة من أسواق أخرى، وقد تتحمل كندا تعويضات للشركات التي كانت تصدر منتجاتها للسوق السعودية، بسبب اعتماد الاقتصاد الكندي على القطاع الخاص، بينما الوضع في السعودية مختلف، حيت تتركز الصادرات السعودية لكندا في النفط والصادرات المعدنية، وهي في جملتها مملوكة للدولة السعودية. وبطبيعة الحال لا توجد بالسعودية حياة ديمقراطية تسمح بالرقابة والمحاسبة على ما يتخذ من قرارات، وبخاصة إذا ما كانت ذات طابع وأثر مالي.

فلسفة غائبة

المال في خدمة الإنسان، وهو وسيلة وليس غاية، ولكن هذه الفلسفة غير موجودة لدى صانع السياسة السعودية خلال المرحلة الماضية، فقد تم توظيف المال السعودي بصورة خاطئة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فالمال السعودي استخدم في دعم انقلاب عسكري بمصر، اهدرت فيه الدماء، وقيدت فيه الحرية، وتراجعت في القيم الإنسانية.

كما مارس المال السعودي دورًا مدمرًا في حربه على اليمن، وقيادته لما سمى بالتحالف الخليجي، فضلًا عن أدوار أخرى شديدة السلبية في سورية وليبيا ولبنان، بل وامتدت تلك الممارسات بصورة غير معلنة في تركيا.

وكانت الممارسة الفجة في ممارسات الفساد خارج البلاد، ممثلة بشكل كبير في رشوة رئيس الوزراء الماليزي السابق “رزاق نجيب”، بنحو 650 مليون دولار، ويحاكم الآن “رزاق نجيب” بتهم تتعلق بممارسات فساد في هذا الملف وغيره. وإن كانت الوليمة المالية التي حظي بها ترمب في مايو/أيار 2017، هي الأكبر في تاريخ السياسة السعودية.

إن حديث عمارة الأرض ودور الإنسان في هذه العمارة، مرتبط بوجود فلسفة تتعلق بالمال، من حسن تسخيره، لينعم الإنسان بالتنمية وقبلها بحريته، لا بسجنه وإهانته كما يحدث في السعودية الآن، تجاه علماء الشريعة وغيرهم ممن يطالبون بالحرية والعدل والمساواة. فمتى يستوعب حكام السعودية ما يتعلق بفلسفة المال في الإسلام، ليكون سلوكًا متبعًا ورسالة إيجابية عن الإسلام للعالم؟

رسائل خطأ

كرس السلوك السعودي للصورة السلبية لدى المواطن الكندي بشكل خاص والغربي والعالمي بشكل عام، لصورة الحاكم العربي المستبد، الذي لا يعنيه الإنسان، وأن قضية الحرية لا تأتي على أولويات أجندة الحكم في السعودية.

كذلك لم يعقل متخذ القرار السعودي أن قراره يكاد يكون منعدم الأثر، بالحسابات الاقتصادية، فماذا يعني 1.5 مليار دولار واردات سعودية من كندا، من نحو 428 مليارا هي إجمالي صادرات كندا لدول العالم؟ إنها نسبة لا تذكر، حيث تبلغ الواردات السعودية 0.35% من إجمالي الصادرات الكندية.

ولكن الرسالة التي صدرتها كندا للعالم، أنها تقدم احترامها للإنسان على مصالحها الاقتصادية الضيقة، وإن كان ذلك لا يمثل ظاهرة تجاه قضايا إنسانية أخرى في مناطق أخرى، ولكن كما تقول القاعدة “مالا يدرك كله لا يترك جله” وأنه حري بالسعودية، أن تعالج هذه القضية وغيرها من القضايا حقوق الإنسان لديها، بشكل يليق ببلد يمثل معقل الإسلام، وبما يعكس رسالة إيجابية عن عهد جديد بالسعودية، يعلي قيمة الإنسان.

نسي متخذ القرار السعودي أن رسالته وجهت لواحدة من الدول الغنية، وأن كندا تنعم بديمقراطية حقيقية، ومن الصعوبة بمكان التأثير عليها، بتلك القرارات الخطأ، والتي لم تحسن حتى الحسابات الاقتصادية، فقبل اتخاذ أي قرار ينبغي أن تدرس عواقبه وآثاره ومالاته، ولكن عقلية الإدارة الارتجالية في السعودية، لا تدرك هذه الأمور، فجاء قرارها ليعكس عنها صورة سلبية على الصعيد العالمي.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه