اللاجئون السوريون والفرمان الأوروبي بالحرمان من الجنة!

 

رغم قسوة المشاهد التي بثتها الفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة لتدفق اللاجئين السوريين على الحدود التركية – اليونانية، والتي رصدت بدقة الأسلوب غير لإنساني  الذي تعاملت به السلطات اليونانية معهم، دون مراعاة لظروفهم أو لوجود أطفال ونساء بينهم، إلا أنها كانت كاشفة بل وفاضحة لحقيقة العنصرية الأوروبية، ولزيف ما يتشدقون به في المجتمعات الغربية من أخلاقيات مثالية، وتعاملات إنسانية، وتقديرهم لمعاناة الشعوب التي تقبع في الشطر الثاني من الكرة الأرضية تحت حكم أنظمة ديكتاتورية عميلة.

الوجه الآخر:

لقد كشفت تلك المشاهد الحية الوجه الآخر لتلك المجتمعات، التي طالما تغنينا برأفتهم بالحيوانات، وأنشدنا القصائد في مدح ما يتمتعون به من أخلاقيات نفتقدها داخل مجتمعاتنا، فأوروبا المتحضرة لم تجد غضاضة في التعامل بكل شدة وعنف مع اللاجئين الفارين إليها من جحيم الحرب وويلاتها، المستغيثين بإنسانيتها ونبل أخلاقها، الباحثين لديها عن الأمن والأمان، ولم تتردد ولو لحظة عن محاولات إغراق القوارب المطاطية التي تحملهم، وإطلاق الرصاص الحي حولهم بغية تفريقهم وإبعادهم عن جنتها، خشية من إزعاجات ” قد  يتسببون فيها ” تقلق راحة مواطنيها وتثير حفيظتهم.

ورغم مخالفة كل ما قامت به الحكومة اليونانية لاتفاقية جنيف وقانون اللاجئين بالاتحاد الأوروبي، إلا أن القادة الأوروبيين جميعا لاذوا بالصمت التام، بل أن رئيس المفوضية الأوربية، في تجاهل تام لتلك الأفعال، وعد اليونان بتزويدها بمزيد من الأسلحة وقوات إضافية من الشرطة الأوروبية لمواجهة الموقف، راصدا لذلك 700 مليون يورو مساعدات عاجلة!!! متجاهلا كل ماله علاقة بمعاناة هؤلاء اللاجئين، وبالقيم الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية، وكأن ما تفعله أثينا هو عين الصواب، الذي يجب دعمه.

اتهامات لتركيا:

 الغريب في الأمر أن الاتحاد الأوروبي الذي تغاضى عن وحشية وعنف اليونان، أتهم تركيا بالتسبب في تفاقم الوضع، بعد قرار الرئيس رجب طيب أردوغان بفتح المجال أمام من يرغب من اللاجئين في الذهاب إلى أوروبا، بعد أن طفح الكيل، ولم يعد لدى بلاده القدرة على استيعاب المزيد من اللاجئين لا اقتصاديا ولا اجتماعيا. إلا أن الاتحاد الأوروبي لايزال يطالب أنقرة بتحمل مسؤولياتها كاملة عن رعاية هؤلاء اللاجئين وفق الاتفاق الذي تم إبرامه معها في عام 2016، والذي يقضي بقيامها بمنع تدفق اللاجئين إلى أراضيها، وإحكام إغلاق حدودها أمام من يحاول منهم العبور إلى الجنة الأوروبية، فهل ألتزمت أوروبا بكافة بنود الاتفاق الذي تحاول بكل إلزام تركيا به؟ هل أوفت بتعهداتها التي تضمنها ذلك الاتفاق حتى تطالب تركيا بالوفاء بما وافقت على القيام به؟!

وعود لم تنفذ:

ولتوضيح الصورة فإن الاتفاق الذي تم توقيعه حينما كان أحمد داوود أوغلو رئيسا للوزراء ينص على أن دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين ستقبل ” وفق معاييرها الخاصة ” عددا مماثلا للاجئين المسجلين رسميا في تركيا، لكن على مدار السنوات الأربع الماضية لم يتم استقبال سوى خمسة وعشرين ألف لاجئ فقط تم اختيارهم بعناية فائقة.  وبينما وعد الاتحاد الأوروبي بتحديث شروط اتفاقية الاتحاد الجمركي مع تركيا، وعوضا عن تحديثها تم إيقافها وحظر التعامل بها.

كما نص الاتفاق على بدء عدة مراحل جديدة لعملية انضمام تركيا للمنظومة الأوروبية، وهو مالم يحدث، إلى جانب التعهد بمنح تركيا مساعدات مالية بقيمة ست مليارات يورو لمواجهة الأعباء المتزايدة عليها بسببارتفاع أعداد اللاجئين على أراضيها، على أن يتم دفع المبلغ على مراحل حتى عام 2018، لكن تركيا لم تتسلم فعليا من هذا المبلغ سوى ثلاث مليارات يورو فقط، بينما قامت بتقديم مساعدات للاجئين بقيمة أربعين مليار دولار.

وترغيبا لتركيا في احتضان اللاجئين نص الاتفاق على منح المواطنين الأتراك إعفاء من تأشيرة الدخول إلى الأراضي الأوروبية وهو ما لم يحدث حتى الآن.

لم تلتزم أوروبا إذا بأي وعد من وعودها في الاتفاقية المذكورة، ورغم ذلك تسعى بكل ما لديها من حجج لإلزام تركيا بالدفاع عنها، وصيانة حدودها، ومنع اللاجئين من الوصول إلى أراضيها، وتحميلها بمفردها عبء استضافة خمس ملايين لاجئ على أراضيها، إلى جانب مليون يقيمون على حدودها مع سوريا، رغم ما تعانيه من أزمة اقتصادية، وكثافة سكانية مرتفعة، دعك  عن ثلاثة ملايين يقيمون في إدلب ويستعدون للنزوح في أي وقت.

بعيدا عن المصالح الذاتية:

لقد استقبلت تركيا اللاجئين السوريين على أراضيها بدوافع إنسانية وأخلاقية متجردة تماما عن أية أهداف أو مصالح، لكن الأعداد المتزايدة منهم، نتيجة التصعيد المستمر من جانب النظام السوري وحليفته روسيا، جعلت من الصعب عليها استقبال المزيد منهم، وهو ما أعلنته انقرة مرارا وتكرارا، لكن المجتمع الدولي بات للأسف الشديد لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، فالمهم فقط ألا تطأ أقدام اللاجئين الجنة الأوروبية حتى لا يتسببوا في إزعاج سكان القارة العجوز، أما ما دون ذلك فيمكن التفاوض عليه والتباحث بشأنه.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه