الكارت الذي يحتاجه الفلاح المصري

كان قائد الانقلاب العسكري، قد وعد إبان استيلائه على السلطة في 2014 عن استصلاح 1.5 مليون فدان، وهو ما استبعده المعنيون بشأن الزراعة بمصر، نظرًا لاعتبارات منها شح المياه.

 

معظم الفلاحين المصريين يعيشون ضمن شريحة الفقراء، بمستوياتها المختلفة، فهم سكان الريف والمناطق النائية، ويمثل الفلاحون نحو 52% من السكان، وكذلك يمثلون نحو 25% من قوة العمل في مصر.

 ومنذ انقلاب يوليو 2013، وحياة الفلاح كباقي المواطنين عبارة عن مجموعة كروت، فبطاقة التموين أصبحت في شكل كارت، في حين تراجع عدد السلع المدعومة التي كان يحصل عليها الفلاح.

 واستهلاك الكهرباء في مناطق كثيرة أصبح عبر كروت الدفع المقدم، ومخطط أن يتم إدراج خدمة استهلاك مياه الشرب لنفس آلية استهلاك الكهرباء، وكذلك معاش الضمان الاجتماعي الهزيل كل من يحصل عليه هم من الفلاحين الفقراء، وهم مدرجون على هذا المعاش بكارت.

ومؤخرًا أعلنت حكومة السيسي عن تنفيذ برنامج لقاعدة بيانات عن قطاع الزراعة لوقف التلاعب بالحيازات الزراعية وإيصال دعم مستلزمات الإنتاج لمن يستحقها، وهو بلا شك هدف جيد لكنه لابد أن يكون في إطار منظومة متكاملة، لا تقتصر على جانب واحد فقط، ولكن لابد أن تضم الحقوق والواجبات.

فإذا كانت قاعدة البيانات لازمة لضبط الحيازات وعدم التلاعب بها، فمن الضروري أن تفعل الحكومة ذلك النظام لمنع الفساد في منظومة الدعم، والانتقال من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي، حتى لا يكون الفلاح ضحية توزيع بذورة فاسدة، أو مبيدات منتهية الصلاحية.

فمن حق الفلاح أن يكون لديه رعاية اجتماعية وصحية يشعر فيها بالأمن المجتمعي، لمواجهة معضلة البطالة التي تؤرق الشريحة الكبيرة من الفلاحين، إذ يصنف معظمهم في إطار العمالة الموسمية، مما يدفعهم للهجرة للمدن والمناطق الجديدة، بحثًا عن فرصة عمل لتوفير قوتهم الضروري بقية العام.

ومن حق الفلاح في أن يكون نظام الكارت المزمع تطبيقه يشمل كبار المستثمرين في الأراضي المستصلاحة، والتي تخصص منتجاتها للتصدير للخارج، ويحصل أصحابها على مزايا متعددة من التمويل البنكي، ورعاية توفير مياه الري وخلافه.

ومن حق الفلاح أن يكون لديه كارت يؤمنه ضد الغلاء وارتفاع معدلات التضخم، ويمكنه من مستوى معيشة كريم يليق بما نصت عليه مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن حق الفلاح أن يكون لديه كارت يسمح لأبنائه بأن يلتحقوا بوظائف القضاء والجيش والشرطة، دون أن يوضع على ملفات أبناء الفلاحين عبارة “غير لائق اجتماعيًا”.

القطاع المهمل

يحتل قطاع الزراعة مكانة متقدمة في أجندة أي دولة ترعى قواعد الأمن القومي، لما يمثله من ضرورة توفير الأمن الغذائي للمجتمع، ولكن الوضع في مصر على غير ذلك، إذ تأتي الزراعة في مرتبة متأخرة من حيث نصيبها من الاستثمارات الكلية، ففي العام المالي 2017/2018 بلغت الاستثمارات الكلية 721 مليار جنيه مصري، منها 24.6 مليار جنيه لقطاع الزراعة، وبما يمثل 3.4% فقط لا غير.

وانعكست تلك الاستثمارات المحدودة على طبيعة الإنتاج للسلع الزراعية الاستراتيجية، فمحصول القمح حسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع في عام 2017 بنسبة 9.9% مقارنة بعام 2016، وكذلك محصول الأرز تراجع بنسبة 6.6% خلال نفس الفترة، بعد أن كانت مصر تحقق فائضًا يوجه للتصدير. والجدير بالذكر أن تراجع نصيب مصر من إنتاج السلع الزراعية الاستراتيجية يعود لمجموعة عوامل أخرى بخلاف محدودية الاستثمارات.

ومن الأمور المهمة التي تظهرها أرقام المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع نسب الاكتفاء الذاتي للسلع الزراعية المهمة، مثل القمح الذي تحقق فيه مصر نسبة اكتفاء ذاتي 34.5% وفق أرقام عام 2017، والذرة الشامية 47%، والأرز 94%، والفول 30%، والعدس 1.8%، اللحوم الحمراء 55.9%.

وكان قائد الانقلاب العسكري، قد وعد إبان استيلائه على السلطة في عام 2014 عن استصلاح 1.5 مليون فدان، وهو ما استبعده المعنيون بشأن الزراعة في مصر، نظرًا لاعتبارات شح المياه، وتهديد إقامة سد النهضة بإثيوبيا وتأثيره السلبي على الحياة بمصر بشكل عام وعلى الزراعة بشكل خاص.

 وبمتابعة تطور الأراضي المنزرعة بمصر خلال الفترة 2014 – 2017، تبين من خلال أرقاك المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، أن مقدار الزيادة انحسر في 216 أف فدان فقط لا غير، مما يعني أن مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، لم يكن أكثر من وهم تم ترويجه من قبل الانقلاب العسكري.

كما يشير نفس المصدر إلى أن كميات الإنتاج لكل من القطاع الزراعي والغذائي في تراجع خلال عام 2016 مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في عام 2012/2013، حيث بلغ إجمالي الإنتاج الزراعي نسبة 98.1% في عام 2016 مما كانت عليه الأوضاع في عام 2012/2013. وكذلك الإنتاج الغذائي لتراجع لنسبة 97.6% لنفس الفترة.

من المستفيد؟

ثمة مشروعات ولفتات رفعت على مدار العقود الماضية بمصر، ولم يستفد منها المجتمع شئ، فمع دخول اتفاقية الشراكة المصرية الأوربية حيز التنفيذ في مطلع الألفية الثالثة، أعلن عن برنامج تحديث الصناعة بمصر بتمويل مشترك مصري أوربي، وتحول المشروع إلى مجرد مصدر دخل للمكاتب الاستشارية، وبقية الصناعة في مصر على وضعها المتخلف.

أيضًا مشروع كارت البنزين، والذي أنفقت عليه ملايين الجنيهات، كانت نهايته أن أوقفت حكومة السيسي في عام 2018 وفق العمل بها، دون اعتبار للاستفادة منه في مجالات أخرى، وبلا شك أن الشركة التي قامت على تنفيذه لم تتنازل عن أي قرش من أتعابها، ولكنها الإدارة المتخبطة، وغير الكفء.

ويخشى من مشروع كارت الفلاح أن يكون مثل ما سبقه من مشروعات، مجرد جمع معلومات عن الفلاحين والقطاع الزراعي بمصر، ليقدم لأحد برامج المعونة التي تموله، أو أن يكون تمهيدًا لما أثير من قبل بشأن خصخصة مياه الري للفلاحين.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه