“الكابوس” المصري لثورتي الجزائر والسودان

 

رغم الانتكاسة التي تمر بها ثورة 25 يناير في مصر إلا أنها مثلت مصدر إلهام في يسرها وعسرها لغيرها من الثورات والانتفاضات العربية التالية كما هو الحال اليوم في الجزائر والسودان، فهتافاتها التي رجت ميدان التحرير نسمع اليوم صداها في المدن السودانية والجزائرية، وفعاليات اعتصام ميدان التحرير هي ذاتها التي جرى استنساخها في اعتصام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، بما في ذلك فرق الحراسة على مداخل الاعتصام وتفتيش الداخلين، وترتيبات الإعاشة والمنصة والإذاعة، مع اختلاف في إدارة المنصة (التي كانت متنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في مصر بينما هي ليست كذلك في الخرطوم)

نعرف المقصد

لا يزعجنا كثيرا هتاف الأشقاء في السودان”إما النصر وإما مصر” ومثله لافتة الشباب الجزائري “السيناريو المصري مرفوض” فنحن نعرف مقصدهما ونقدره، نعرف أنهم يريدون انتصار ثورتيهما حتى لا يواجهون مصير ثورة مصر التي انقلب عليها العسكر في 30 يونيو و3 يوليو 2013، ثم ساموا كل من شارك فيها سوء العذاب، قتلوا آلاف المصريين، وسجنوا عشرات الآلاف الآخرين وشردوا أضعافهم خارج الوطن (تضمنت لافتة مظاهرات الجزائر صورة الشباب التسعة الذين أعدمهم نظام السيسي مؤخرا تحذيرا من الوصول إلى هذا المصير في الجزائر)

للثورة المصرية أخطاء ومن الطبيعي أن يسعى الآخرون لتجنبها، ونحن ندعمهم في ذلك ولا نبخل عليهم في تبيان تلك الأخطاء، لكن للثورة المصرية إنجازات عظيمة أيضا تظل نبراسا لغيرها من الثورات، فهذه الثورة هي التي أوصلت شخصا مدنيا من خارج رحم الدولة العميقة إلى سدة الحكم في مصر، وحتى لو لم يستمر الرئيس المدني سوى عام فقط نتيجة الانقلاب عليه، إلا أن هذا الإنجاز أثبت قدرة المصريين على تقديم بديل مدني حطم كل ما رسخه العسكر من أوهام بعدم وجود بديل لهم، وهذه الثورة هي التي كسرت جبروت جهاز القمع، وهي التي فتحت ملفات الفساد الكبرى حتى وإن لم تتمكن من إنهائها، وهي التي بددت سلبية المصريين ودفعتهم للخروج بالملايين في طوابير بالكيلومترات أمام لجان الانتخابات بعد أن أدركوا قيمة أصواتهم، وشفافية انتخاباتهم، وهذه الثورة هي التي وضعت الرئيس العسكري المخلوع حسني مبارك وأبناءه خلف القضبان حتى وإن لم تتمكن من توقيع العقوبة المناسبة عليهم بسبب قضاة الدولة العميقة، وطمس الأدلة من بقايا أجهزة القمع، وهذه الثورة هي التي أخرجت المئات من قدامى السجناء الذين كانوا سينتقلون من السجون إلى القبور مباشرة، وهذه الثورة هي التي رفعت اسم مصر عاليا بين الأمم، وأصبح ميدانها الأغر مزارا للرؤساء والزعماء والسياح، وهذه الثورة كانت في طريقها لتفكيك الدولة العميقة، وتأسيس دولة مدنية مكتملة الأوصاف لولا تضافر المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية عليها.

ثورات ربيعنا العربي موصولة النسب، ومن الطبيعي أن تستفيد من نجاحات وعثرات بعضها، وشعوبنا العربية تتشارك الأحلام والهموم ، فكلها تريد الحرية والكرامة والعدالة، وكلها ترفض القمع والظلم والفقر والجهل والغلاء والبلاء، وقد انطلقت ثورة مصر في 25 يناير 2011 متاثرة بثورة تونس، ومنها اتجهت رياح الحرية غربا وشرقا إلى ليبيا وسوريا واليمن، وحتى بعض الممالك العربية، واليوم يبدو الرباط قويا بين الثورة المصرية والثورة السودانية بشكل خاص بحكم علاقات الجوار، والصلات الأسرية، ونهر النيل الخ، وفي مواجهة مساعي نظام السيسي لاحتواء جنرالات السودان الجدد، حيث وجه إليهم رسالة دعم وتأييد، ووجه سفيره لمقابلتهم، فإن المتظاهرين في السودان رفعوا شعارات أنهم لا يريدون سيسي جديد ( نحنا الشعب وراسنا عنيد ما بيحكما سيسي جديد)، وتهكموا من دعم السيسي للانقلاب بهتافهم ( الليلة بنبلك ..السيسي ما بيحلك).

جنرالات مصر

على عكس نظرة المدنيين يعتبر جنرالات مصر دوما السودان حديقتهم الخلفية، ولابد أن يكون لهم دور في ترتيب الأوضاع السياسية في السودان حتى لو كان على غير رغبة الشعب السوداني، ولا ننسى أن نظام عبد الناصر سارع بدعم انقلاب جعفر نميري عام 1969، كما أن نظام مبارك دعم انقلاب البشير عام 1989، وأمر بإعادة توجيه حمولات غذائية ونفطية إلى بورسودان بينما كانت في طريقها إلى الموانئ المصرية، وتحرك نظام مبارك لإقناع دول العالم بالاعتراف بنظام البشير قبل أن يكتشف لاحقا (المقلب) الذي شربه، واليوم هرع السيسي لدعم الانقلاب العسكري في السودان قبل أن تتمكن الثورة الشعبية من تحقيق هدفها الرئيسي في إقامة حكم مدني، يمثل ضغطا إضافيا عليه من الجنوب، ويضاف إلى الضغوط التي يتعرض لها من الشرق والغرب.

الصورة واضحة تماما أمام الأشقاء في السودان ومثلهم في الجزائر، فخطوات الثورة المصرية وخطوات الثورة المضادة لإجهاضها هي كتاب مفتوح أمامهم، وإذا كان الثوار في كلتا الدولتين ينظرون إلى المشهد الأخير لانتكاسة الثورة المصرية، وهو المشهد الذي يمثل كابوسا لهم، فإن بإمكانهم تجنب هذا الكابوس بتجنب الأخطاء التي أوصلت الثورة المصرية إلى مصيرها الحالي، طبعا هناك مؤامرات إقليمية ودولية تعرضت لها الثورة المصرية وحتما سيحدث مثيلها مع الثورتين السودانية والجزائرية ومع أي ثورة عربية تريد الإنعتاق من النظم القمعية، لكن هناك أخطاء ذاتية لأبناء الثورة أنفسهم هي التي فتحت الباب لتلك المؤامرات، وهذا هو الدرس الأهم الذي استوعبه جيدا الأشقاء الجزائريون، ويحتاج الأخوة السودانيون للانتباه إليه، وهو الانقسام والاستقطاب السياسي المبكر، والاختلاف حول موضوعات لم يحن أوانها، ومحاولة فريق إقصاء غيره، وهذه هي الثغرة الرئيسية التي ينفذ منها العسكر ويثبتوا من خلالها أركان حكمهم مستغلين خلافات القوى السياسية وعجزها عن تقديم البدائل للشعب.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه