القُبيسيّات .. ومواقف الجماعات والتيّارات المختلفة (11)

 

في بيئة تزخر بالتّوجهات والتيارات والمدارس الدّعويّة لا بدّ من معرفة مواقف القبيسيّات من الآخرين ومواقفهم منهنّ لتكتمل الصّورة.

الموقف من جماعة كفتارو وجماعة زيد والإخوان المسلمين

لم يكن الموقف من الجماعات الأخرى في صميم اهتمامات الحلقات القبيسيّة، ويمكن القول بأنّ ثقافة عموم الطّالبات القبيسيّات بالجماعات والمدارس الأخرى هي ثقافة محدودة، وذلك لعدم حضور هذا في مناهجهنّ، ولغياب الحديث عن الآخرين في الحلقات.

غير أنّ استقراء السلوك العام للقبيسيّات يوصلنا إلى أنّ العلاقة مع عموم المدارس لم تكن على مسافة واحدة.

فهناك نفور كبير وتنفير ناعم للطالبات من جماعة كفتارو، والعلاقة بها والموقف منها سلبيّ رغم عدم التصريح بمهاجمتها، والنّصح لأيّة طالبة تستشير أنستها في شأن الدّراسة الشرعيّة يكون بعدم الالتحاق بالمعاهد والكليّات الشرعيّة التّابعة لجماعة كفتارو.

ومردّ هذا الموقف السّلبي من جماعة كفتارو يعود إلى سببين رئيسين:

الأوّل: موقف جماعة كفتارو مع الآنسة منيرة، وخروجها من الجماعة بعد خلاف شديد مع وفاء ابنة الشّيخ أحمد كفتارو.

الثّاني: هو أنّ جماعة كفتارو هي الجماعة الوحيدة من الجماعات الفاعلة في السّاحة السّوريّة التي لها جسم نسائيّ قائم بذاته وله امتداداته بخلاف عموم الجماعات والمدارس الدمشقيّة الأخرى.

أيّ أن هناك شعورًا بالتّنافس بين الجماعتين أدّى إلى هذه الحساسية البالغة، وعمومًا كان موقف جماعة كفتارو من القبيسيّات سلبيًّا هو الآخر.

أمّا الموقف من جماعة زيد التي أسّسها الشّيخ عبد الكريم الرّفاعي فكان إيجابيًّا متبادلًا بين الطّرفين، فالعديد من زوجات وبنات مشايخ جماعة زيد التحقن بحلقات القبيسيّات، كما كانت الآنسات القبيسيّات يرسلن الحافظات لنيل الإجازة القرآنيّة من الشّيخ أبو الحسن الكردي الذي هو من أعمدة جماعة زيد.

أمّا الإخوان المسلمين فإنّ صمتًا مطبقًا في الحلقات حيالهم، فمن هو الذي يجرؤ على ذكر اسم الإخوان المسلمين في ظلّ حكم الأسد الأب أو الابن؟!

وأمّا خارج سوريا فكان موقف الإخوان المسلمين من القبيسيّات بالغ الإيجابيّة فالكثير من نسائهم وبناتهم التحقن بحلقات القبيسيّات في كلّ من لبنان والأردن والسّعوديّة والكويت رغم وجود تنظيم نسائيّ في جماعة الإخوان المسلمين، إلّا أنّ هذا لم يكن له تأثير سلبي في الموقف من القبيسيّات.

كيف تعاملت السلفيّة مع القُبيسيّات؟

لا تمارس القبيسيّات هجومًا ممنهجًا تجاه السلفيّة، وإنّما يحضر ذكرها عادة عند حدوث مناسبة كزواج إحداهنّ إلى السّعوديّة فتكون بعض النّصائح للطالبة بأن لا تغيّر ولا تبدّل بناء على ما ستراه من تغيّرات هناك، أو عند قدوم إحداهنّ من هناك وهي محمّلة بأسئلة عديدة وتشويش بناء على تغيّر البيئة الدّعوية.

أمّا السّلفية في عمومهم وعلى اختلاف تيّاراتهم فنظرتهم إلى القبيسيّات بالغة السلبيّة وتنطلق من توصيفات عديدة تزخر بها العديد من المقالات والفتاوى التي تنتشر في المواقع الالكترونيّة التّابعة للتيّارات السّلفيّة المختلفة.

وأهم منطلقات الحكم السلبيّ على القبيسيّات قائمة على التّوصيفات الآتية:

أوّلًا: القبيسيّات جماعة صوفيّة تتبع الطّريقة النّقشبنديّة.

ثانيًا: القبيسيّات يقلن بالحلول ووحدة الوجود ويقدّسن الرّموز القائلين بذلك كالحلّاج

ثالثًا: القبيسيّات يقلن بوجوب زيارة دمشق لوجود الآنسة منيرة فيها وأنّ هذا أوجب وأعظم من زيارة الكعبة

رابعًا: القُبيسيّات فرقةٌ باطنيّة تتستّر بالعمل الخيري والإغاثي.

وهذه المنطلقات الأربعة في الحكم على القبيسيّات غير صحيحة مطلقًا، وقد أوضحنا في مقالات سابقة من هذه السلسلة أنّهنّ لسن نقشبنديّات، كما أنّهنّ لا يقلن بالحلول ولا وحدة الوجود، ووصفهنّ بأنّهنّ فرقة باطنية هو وصف باطل يقوم على تخيّل غير صحيح، وكذلك لا تقول القبيسيّات على الإطلاق بأنّ زيارة الآنسة أوجب من زيارة الكعبة.

ولأنّ الحكم على الشّيء فرع عن تصّوره؛ فقد كان حكم السلفيّة على القبيسيّات غير صحيح في عمومه، فعندما يكون التّصوّر غير صحيح يكون الحكم باطلًا.

والمشكلة أنّه تمّ استصدار الفتوى رقم (16011) من اللجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء في السّعوديّة بحقّ القبيسيّات بالاستناد إلى المعطيات الباطلة السابقة، وقامت المواقع السّلفيّة بالتّرويج للفتوى لتغدو مستندًا شرعيًّا في الحكم على الجماعة حكمًا استندَ إلى معلومات وتوصيفات باطلة من الأساس.

وقد جاء في نص هذه الفتوى:

“فالواجب الحذر من الصّوفية رجالًا ونساءً ومن تولّيهم التّدريس والتّربية ودخولهم في الجمعيات النسائيّة وغيرها لئلا يفسدوا عقائد المسلمين.

والواجب على الرّجل منع موليته من الدّخول في تلك الجمعيات أو المدارس التي يتولّاها الصّوفية أو يدرسون فيها حفاظًا على عقائدهن وحفاظًا على الأسر من التفكّك وإفساد الزّوجات على أزواجهن ومن اعتنق مذهب الصّوفية فقد فارق مذهب أهل السّنة والجماعة”

 “والمرأة التي تأثّرت بالتّصوّف إلى حدّ الاعتقاد المذكور لا ينبغي التزوّج بها ابتداءً ولا إمساكها ممن تزوّجها إلّا بعد مناصحتها وتوبتها إلى الله، والذي ننصح به النّسوة المذكورات هو التّوبة إلى الله والرّجوع إلى الحقّ وترك هذا المذهب الباطل والحذر من دعاة السّوء والتّمسك بمذهب أهل السّنة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة التي قام بإعدادها العلماء المستقيمون على العقيدة الصحيحة والاستماع للدروس والمحاضرات، والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح،  كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف، والله الموفق”

وماذا عن موقف الأحباش من القُبيسيّات؟

الشّيخ أسامة السيّد أحد مشايخ فرقة الأحباش التي تنمو وتترعرع في لبنان كتب كتابًا بعنوان “دراسة شاملة عن التنظيم النسائي السّري الخطير لمنيرة قبيسي وأميرة جبريل وسحر الحلبي وفاديا الطّبّاع وسعاد ميبر” يقع في 123صفحة؛ وهو الكتاب الوحيد الذي كُتبَ بهذا التّفصيل والحجم في الرّدّ على القبيسيّات ومهاجمتهنّ.

والكتاب في مجمله ردود على الكتاب المعتمد لمادة العقيدة في حلقات القبيسيات وهو كتاب الآنسة سعاد ميبر “عقيدة التّوحيد في الكتاب والسّنّة”

وعلى النّقيض من السلفيّة الذين حكموا على القبيسيّات بأنّهنّ مغرقات في التصوّف؛ فقد عمل الشّيخ أسامة السيّد جاهدًا لإثبات أنّ القبيسيات جزء من “السّلفيّة الوهابيّة القائلين بالتّجسيم في صفات الله تعالى”

ويخلص الأحباش إلى النّتيجة ذاتها التي خلص إليها أعداؤهم السّلفيّة من القبيسيّات فيقول السيّد في كتابه: “يجب على من علم بأحوال ومعتقدات هذه الفرقة الشّاذّة المنحرفة من النّساء عقائديًّا وفقهيًّا وسلوكيًّا أن يحذّر منهنّ خوفًا على دين المسلمين ودين أبنائهم”

ويقول: “القبيسيّات وفروعهنّ في الدّول حالة مشبوهة يعشن في غموض وتنظيم سرّي”

وهذا الموقف من جماعة الأحباش وإن كان لبس ثوبَ الرّدّ العلمي غير أنّني أعتقد أنّه موقف سياسيّ مغلّف بالرّدّ الشّرعي؛ فإذا نظرنا إلى السّنة التي أصدر فيها الأحباش كتابهم هذا سنجدها سنة 2003م، أي في الوقت الذي بدأ فيه النّظام حملته الإعلاميّة من خلال الأعمال الدّراميّة على القُبيسيّات.

ومن المعلوم بأنّ الأحباش والمؤسّسات التّابعة لهم تحت لافتة “جمعية المشاريع الخيريّة الإسلاميّة” لا سيما في تلكم الفترة كانوا يتحرّكون في لبنان بأوامر أجهزة المخابرات التّابعة للنّظام السّوري، فصدور الكتاب من هذه الجهة متزامنًا مع حملة النّظام السّوريّ لشيطنة القُبيسيّات يدلّ على الارتباط بينهما.

وبعدَ استعراض مواقف الجماعات والتيّارات المختلفة من القبيسيّات؛ فلا بدّ من كلمة أخيرة نقولُها عن القبيسيّات في المقال القادم والأخير من هذه السلسلة بإذن الله تعالى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه