القدس قضية كل مسلم

بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، وهو ما يعد اعترافا رسميا بأن القدس عاصمة إسرائيلية، ويعرض القدس للخطر، لم نجد بدا من أن نذكر الناس بأن قضية القدس ليست خاصة بمسلمي فلسطين فقط، بل هي قضية كل مسلم، وقضية كل حر، وهو ما عبر عنه شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي بكتاب كامل نتناوله اليوم، جعل عنوانه: (القدس قضية كل مسلم).

وقد كتب القرضاوي الكتاب منذ عشرين عاما، وقال في مقدمته عن سببه أنه: رأى القدس في مهب الريح، وفي مواجهة الخطر. فما بالنا لو كتب الشيخ الآن؟ ماذا سيقول؟ وماذا سيقول عن خيانة كثير من حكام العرب إلا من رحم ربي؟

القدس في اعتقاد المسلمين:

فالقدس في اعتقاد المسلمين لها اعتبارات ومكانة كبرى، فهي القبلة الأولى التي اتجه إليها المسلمون لسنوات قبل الهجرة، ثم بعد الهجرة لما يقارب العامين، كما أنها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ثالث المدن المقدسة عند المسلم، وهي أرض النبوات المباركة، فمنها خرج المسيح عليه السلام، وفيها حكم سليمان وداود عليهما السلام، وغيرهم من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وفيها قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) الإسراء: 1. وهي كذلك أرض الرباط كما نصت على ذلك السنة النبوية المطهرة، يقول صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.

القدس تهود جهارا:

وتكلم القرضاوي عن محاولات إسرائيلية التي لا تنتهي من تهويد القدس جهارا، على مسمع ومرأة من العالم كله، ولا يقابل ذلك إلا بما سماه: والاستسلام الفلسطيني، والعجز العربي، والوهن الإسلامي، والتفرد الأمريكي، والغياب العالمي. فالواقع الفلسطيني ممثلا في سلطته ومن معهم، لا تجد له رد فعل حقيقي، بل استسلام نتج عن مشاركتهم سنوات فيما سمي زعما بمؤتمرات السلام، ومعاهدات السلام، ولم تجن منه فلسطين شيئا، والعجز العربي المتمثل في جامعة الدول العربية ودولها، وهم لا يحركون ساكنا، بل وصلت الخيانة بعدد من حكامها إلى التعاون مع إسرائيل فيما تقوم به، والوهن الإسلامي على مستوى دول العالم الإسلامي، بما يمثله من ضعف وخور، وقلة حيلة، وخيانة كذلك حكامه، إلا من رحم ربك، والتفرد الأمريكي الممسك بزمام الأمر السياسي، والذي لا يراعي إلا خاطر إسرائيل ومصلحتها، ولا يخطب إلا ودها، في ظل تفرده بالقرار السياسي الدولي، وفي ظل الغياب العالمي لنصرة قضايا المسلمين والقدس بوجه خاص.

حقيقة المعركة بيننا وبين إسرائيل:

ثم عرض الدكتور القرضاوي قضية مهمة تختلط على الكثيرين في طبيعة الصراع بيننا وبين إسرائيل، هل نحن نعاديهم لأنهم يهود، أم لأنهم مستعمرون صهاينة؟ أي هل العداء لعلة الخلاف في الدين، فنحن مسلمون، وهم يهود، أم لعلة أنهم معتدون اغتصبوا بلاد المسلمين، واحتلوا مقدسا من مقدساتهم، وأرضا من أراضيهم؟ يقرر القرضاوي بناء على نصوص الإسلام، أنه لا توجد حرب بيننا وبين أحد لعلة كفره، بل العلة هنا الاعتداء، فقد عاش اليهود مع المسلمين وفي ظل حضارتهم وتسامحهم قرونا عديدة، منذ وجودهم في المدينة المنورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، وحتى في الخلافة الأموية والعباسية، والأندلسية، والعثمانية، كانت أوضاع اليهود في ظل الحكم الإسلامي أفضل حالا من وجودهم في ظل أي حكم آخر، ولأن القرآن عندما أمر بالقتال فقال: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة: 190، وقال عمن عاش بيننا ولم يقاتلنا وكان مسالما: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة: 8، وقد عاش اليهود بين المسلمين، ونال كثير منهم حظوة حتى وصلوا لمناصب لم يصل إليها مسلمون، وهو ما جعل شاعرا مصريا ساخرا يكتب أبياتا من الشعر يتندر فيها على بؤس حال المسلم وعلو شأن اليهودي فيقول الحسن بن خاقان:

يهود هذا الزمان قد بلغوا       غاية آمالهم وقد ملكوا

المال فيهم والمجد عندهمو      ومنهم المستشار والملكُ

يا شعب مصر إني نصحت لكم    تهودوا قد تهود الفَلَكُ

ولكنهم قلبوا للمسلمين ظهر المجن، واعتدوا عليهم، وتآمروا ودخلوا فلسطين بالعصابات والإجرام، وانتهكوا حرمات المسلمين، في مجازر لا حصر لها، قامت بها عصابات الهاجاناة وتشيرنو، وغيرهما، ولذا كان العداء لعلة الاعتداء، وليس لعلة الخلاف الديني.

بطلان دعاوى اليهود في القدس وفي فلسطين عامة:

وأبطل الدكتور القرضاوي معظم ما يستند إليه الصهاينة من نصوص دينية أو تاريخية تزعم أحقيتهم بامتلاك أرض فلسطين، فالنصوص الدينية التي يسوقونها من كتابهم المقدس (العهد القديم)، لا تدل على امتلاكهم للأرض، بل وعود لهم بها، ولكنهم لم يفوا بما طلبه الله عز وجل منهم، فكان عقابه لهم بحرمانهم من هذا الوعد، وأما الدعوى التاريخية، فإنهم ما سكنوا فلسطين وامتلكوها يوما، بل سكنها أولا العرب (اليبوسيون).

هل عرفنا عدونا؟

ينبغي معرفة العدو الصهيوني، معرفة حقيقية، لنحسن إدارة المعركة معه، وهناك مصادر تعرفنا به، وأولها القرآن الكريم، الذي فصل لنا كثيرا في طبيعتهم، وطبيعة غدرهم وعدوانهم. ثم كتابهم المقدس، والذي فصل كثيرا في طبائعهم، وأخلاقهم، وسياستهم، ومن خلال قراءتنا لكتابات المعاصرين عن الصهاينة، وما سطرته أقلامهم من حقائق وتحليلات لسياستهم وسلوكهم على مر التاريخ. وكذلك كتابات الصهاينة أنفسهم عنهم، ففيها تفصيلات سواء من خلال محاضر الكنيست، أو كتب زعماء إسرائيل بداية من تيودور هرتزل فما بعده. وكذلك الواقع المعيش يخبرنا عن طبائعهم وسياستهم، فنحن نراه رأي العين ليل نهار، من اعتداء ووحشية، وانتهاك للمقدسات، وسطو على بيوت الفلسطينيين ومصادرتها بدون وجه حق، وتملك المستوطنين لها بغيا وظلما وعدوانا، كل هذه مصادر موجودة ينبغي علينا أن نطيل القراءة فيها لنحسن التعامل مع هذا العدو، لنحسن كسب معاركنا معه.

توصيات عملية:

ثم ختم القرضاوي كتابه بتوصيات مهمة، أولها: التركيز على ثورة المساجد، والتي انطلقت من أرض فلسطين، وعلينا أن نشعل جذوتها دائما، ونبقي عليها، ونمدها بكل مصادر القوة، واليوم بعد إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس، أصبحت حاجتنا لذلك أقوى وأشد.

وثانيا: علينا ألا ننزع إسلامية القضية عنها، ففلسطين ليست ملكا للفلسطينيين وحدهم، ولا للعرب فقط، بل هي قضية تهم كل مسلم، وإذا كانت إسرائيل نفسها اسم ديني (وهو اسم سيدنا يعقوب)، ويدخلون معاركهم بالتوراة والتلمود، وينصون على يهودية الدولة، فكيف نخجل من إسلامية نضالنا؟!

ثالثا: تفعيل المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني، فإن الإنسان بطبيعته يقاطع أي جهة تسيء إليه، فما بالنا بجهة تقتحم القدس كل فترة، وتحفر تحته حفريات وأنفاق بغية هدمه، ولا تتورع من قتل الشعب الفلسطيني، فأقل واجب على المسلم – كما أكد ذلك القرضاوي – من وجوب مقاطعة الكيان الصهيوني اقتصاديا.

رابعا: وحدة المسلمين، وأن يعلي المسلمون المصلحة العامة للقدس على خلافاتهم الشخصية، فلن ننتصر ونحن ننتازع ونتشظى ونتحول إلى فرق وزعامات وصراعات لا نهاية لها، فعدونا يتوحد، ويوحد الدول الكبرى من حوله لتشد من عضده، بينما نحن ضعاف ولا نقوي صفنا بوحدته، فالواجب العمل على هذه الوحدة لمواجهة هذا العدوان.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه