القدرات الخارقة في المعتقد الشعبي

المخيلة هي المنبع الرئيس الذي شكّل معتقدات الإنسان وفلسفته للوجود والاختراعات التي أدّت إلى تطوّر المعيشة وأنماط الحياة عبر التاريخ. 

وكما كانت المخيلة السبب في التّقدم والرّقي في المجتمعات كانت أيضاً المنقذ للبشر من أخطر التهديدات التي تربك حياتهم ألا وهي “الخوف”.  

خوف الإنسان الأوّل من ظواهر الطبيعة المرعبة أدّى إلى ظهور أشخاص ادّعوا أنهم يمتلكون قدرات على تحريك الرّياح والانتقال من مكان إلى آخر فيما عُرف في بداية الطفولة البشرية “بالشامان”، وهؤلاء شكّلوا البذور الأولى لظهور أديان ما قبل التّاريخ.

مع خروج الفكر الديني من مرحلته الطفولية اشتدت حاجة الإنسان إلى قوى غير بشرية يمكنها السيطرة على تلك الظواهر وتنظيم حركتها وتأثيرها فظهرت فكرة الآلهة، ووضع الإنسان لكلّ ظاهرة إلهاً خاصاً بها فكان إله الرّيح والنّار والحرب والحب الخ.. حتّى أنّ الإنسان الأوّل جعل من ملوكه وحكّامه آلهة أو أنصاف آلهة.

مع ظهور الأديان السّماوية لم تمت الفكرة بل استطاع المعتقد الشعبي أن يتمثل هذه الأديان ويجعلها قاعدة انطلاق لمخيلته وبدأ ينسب بعض المعجزات أو ما يسمى بالكرامات لبعض من يسميهم العامة (أولياء صالحين) وتحولت هذه المعجزات إلى قصص يتغذى عليها العامة ويحفظها الذهن الجمعي.

وقد عُرف في البلدان العربية عدّة شخصيات من هؤلاء الدمشقي “ساروجا” الذي طبخت أمّه “كبة بلبنية” وكان في مكة وتخاطرت معه فجاء بلمح البصر، أخذ الكبة، وأكلها في الحرم المكي ساخنة مع أصحابه، وسمي الحي على اسمه “سار وإجا” أي سرى وجاء. القصة نفسها تتكرر بأكثر من مكان بأسماء مختلفة ويصادق عليها دائماً أناس من الجيل السابق ممن توفاهم الله.

وقد يمتلك الولي الصالح في المخيال الشعبي القدرة على التنقل عبر الزمان والمكان حتى بعد وفاته فكثير من المتصوفة في مصر ما يزال يعتقد أنّ روح سيد البدوي هي من حرّكت أرواح الأسياد في قبورهم وجعلتهم يدفعون الإنجليز لاحتلال مصر كي يصنعوا البنية التحتية لمصر من شق طرق وسكك حديدية!

وقد بالغ هذا المخيال الشعبي في شططه لدرجة أنّه منح بعض أوليائه القدرة على معرفة الغيب وفق ما ينسب للشيخ “علي الخواص” من مصر الذي كان تلاميذه يتباركون به ويتوسطون للناس عنده ليشفع لهم، إذ كانت الوساطة تتوزع في حلقات ودوائر لتصل السماء!

العقل يرفض هذه الظواهر، لكنّ المعتقد الشعبي يستند على وقائع دينية ملهمة _ منها إسراء الرسول من مكة إلى بيت المقدس، وحكاية بلقيس والملك سليمان _ لإثبات إمكانية حدوث هذه الكرامات مع الأولياء الصالحين.

وليست هذه الظاهرة خاصة بالفكر الديني الإسلامي فقد قلنا إنّها فكرة سابقة للأديان، وقد استلهمها الفكر الغربي أيضاً وتناولتها السينما الأمريكية.

كيف صاغت السينما فكرة أهل الخطوة:

السينما الأمريكية صنعت من فكرة النبوءة والرؤيا والعبور عبر الزمن الكثير من الأفلام، فالفكر الغربي لا يخلو أيضاً من الإيمان بمثل هذه المعتقدات وأيضاً يستند إلى الموروث الديني منها.

أنتجت هوليوود عام 2008 فيلماً بعنوان “جومبير” فكرته تشبه فكرة أهل الخطوة. ويحكي قصة شاب يمكنه “القفز” أو الانتقال بسرعة البرق في الأماكن فخلال لحظة يكون في ديترويت ثمّ في الشيشان ثمّ فوق رأس أبي الهول في مصر.

الفيلم مليء بالمشاهد الصعبة والأكشن على طريقة هوليوود المعروفة ولا يقدم الفكرة بطريقة صوفية ولا ينسبها إلى الإيمان أو الأديان أو الروحانيات بل هو فيلم عنيف يصور البطل السارق يهرب من مطارديه “القناصين” الذين يحاولون قتل فئة “القفزة” الذين يتنقلون عبر الأزمنة والأمكنة، القناص الكبير الأسود يقتل هؤلاء بمنشار كبير _ الطريقة الرهيبة في القتل التي تكاد تختص بها السينما الأمريكية _ ويقول لهم عبارة يكررها عند قتلهم: “لستم آلهة لتفعلوا ذلك”. أي أنّ الآلهة وحدها تستطيع عبور الزمان والمكان بهذه الطريقة! عبارة قد تحمل مدلولاً دينياً لكنّها لا تشكّل حاملاً للفيلم الذي اعتمد مشاهد العنف والمطاردة هدفاً أساسيا له حتّى أنّه لا يحمل رسالة فكرية على الإطلاق، إلا إذا اعتبرنا الرقم القياسي لمبيعات شبّاك التّذاكر رسالة تتماشى مع بنية المجتمع الأمريكي الذي يمنح أفراده صفات السوبرمان القادر على كلّ شيء. بينما نرى في المروي الشّعبي الشّرقي مسحة صوفية تكتنزها قصص بسيطة عن “دراويش” اختاروا أن يكرّسوا حياتهم للعبادة والتّقرب من الله، والنّاس بحاجة لمثل هؤلاء فهم يعتقدون أنّهم قادرون على التوسط بينهم وبين الله.

 من هنا نشأت عادة التبرك بمقامات الصالحين وتقديم النذور لهم كي تحلّ عليهم بركات الأولياء وتدخل الطمأنينة إلى قلوبهم عن طريق إيمانهم أنّ دعواتهم ستكون مجابة بواسطة “الدرويش الولي الواسطة”. وهذا اللجوء الدّائم لهؤلاء “الأولياء” تارة للشفاء والتداوي وتارة لطلب الرزق وتارة لإحداث نوع من التوازن النفسي هو المطلوب والمرتجى لدى الحكّام المستبدين العاجزين عن تأمين الدّواء وسبل العيش لمواطنيهم، وهو الذي يمنح الإنسان العادي قناعته بأنّ هذه المصائب التي يعاني منها إنّما هي غضب من الله أو قدر لا مفرّ منه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه