الفرص الحقوقية التي أهدرتها قيادات الإخوان

غضب الشيخ وقتها، وقال: كيف يرفض، وهل من ماتوا أو جرحوا أعطوه توكيلا أن الوثائق والملفات ومقاطع الفيديو تركة لا يرثها إلا الإخوان؟

 

لا شك في أن ما حدث خلال هذا الأسابيع القليلة الماضية من أحداث لإعدام خمسة عشر شابا من مناهضي الانقلاب العسكري في مصر، آخرهم الشباب التسعة الذين أعدموا بتهمة قتل النائب العام المصري هشام بركات، وقبلها بأيام ما حدث للشاب المصري محمد عبد الحفيظ، من ترحيله لمصر من تركيا، وما حدث من قبل من توقيف للأستاذ أحمد منصور، والدكتور محمد محسوب، وغيرهما في بلاد مختلفة، كل هذه المواقف جعلتني أفكر في مسيرة الأداء الحقوقي لجماعة الإخوان بعد الانقلاب، حيث إن قيادتها كانت هي المتصدرة لمسؤولية هذا الملف فترة كبيرة، وليس الهدف من ذكر شهادتي المحاكمة لمن أخطأ، وإن كان هذا حق مشروع بل ومطلوب، بل هو من باب معرفة الأخطاء والكوارث التي تمت في هذا الملف.

وقد نشر القيادي الإخواني الكبير دكتور أمير بسام منذ أيام شهادته على تباطؤ وتخاذل قيادات في الإخوان في الملف الحقوقي، وبخاصة في ملف الإعدامات، ومشكلات المصريين المناهضين للانقلاب خارج مصر، وما يتعرضون له، أو يهددهم بالترحيل لمصر، ليلقوا مصيرا سيئا كسابقيهم، فأصبح لزاما على كل صاحب شهادة أن يدلي بدلوه في الملف، ليعلم الجميع: أين الخلل؟ وممن التقصير؟ وما الحل؟

الفرصة الأولى

أولى هذه الفرص التي أرويها وقد كانت أثناء اعتصام رابعة في شهر يوليو/تموز 2013م في شهر رمضان، طلب لقائي رمز كبير من رموز الأمة من غير المصريين، وعرفني على قانوني دولي كبير، متمرس في تدريب الحقوقيين على العمل الحقوقي الدولي، وهو متعاطف جدا مع قضية رابعة، وضد الانقلاب العسكري في مصر. وقال لي: لا بد من أن تستفيدوا من هذا الحقوقي، وعليكم ألا تهملوا الأداء الحقوقي الإقليمي والدولي.

قلت للحقوقي الكبير: كيف يمكنك مساعدتنا في ملفنا؟ فقال: إنني أستطيع أن أخدم قضيتكم، بأن يأتيني بعض الحقوقيين لديكم فأمرنهم على العمل الحقوقي، وأساعدهم في التواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية، وكيف تحصل مؤسساتهم على الاعتراف الدولي. فهذا ما ينقصكم بشدة، وعليكم صنع كوادر مهمة في هذا الميدان.

نقلت العرض لمسؤول الإخوان المسلمين المصريين في إحدى الدول العربية، وكعادتي مع هذا المسؤول يشعرني بأنه سينفذ العرض في الحال، وقد جربته في أمور قبل وبعد ذلك أسمع وعودا وكلاما ولا أرى أي فعل ولو قليلا، بل يكذب في بعض الأحيان بأمور لم تحدث، يحدثك عنها وأنها موجودة بالفعل في الجماعة، ويخبرك بذلك من باب إغلاق الكلام معك، حتى لا تثير نقاط ضعف في إدارته وأمثاله، وإذ به يعدني بالعمل على ذلك بشدة، وأنه سوف يتعاون في ذلك. ولكن كبقية العروض الجادة والمهمة كان مصيرها في صندوق قمامة الإدارة التنظيمية!

في أوربا

وفي هذه الفترة كذلك، في اعتصام رابعة، اتصل بي حقوقي دولي عربي كبير، يخبرني بأن جلسة في مجلس حقوق الإنسان في أوربا، بعد مدة قصيرة، ويريد فيديو لمدة خمس دقائق بالإنجليزية، ذهبت لأحد القيادات التنظيمية وهو الآن سجين، أمسك عن ذكر صفته أو اسمه لظروفه، فك الله أسره وأسر الجميع، وقال لي: يا عصام، هذه مسألة بسيطة جدا، اذهب لفلان، والفيديوهات مفيش أكتر منها عندنا، ذهبت لمن ذكر، وطلبت، قال: من عيني، وأخبرني أن أحد العاملين مع هذه المؤسسة الحقوقية يزور الاعتصام كحقوقي، سنعطيه الفيديو، مترجما، وقابلت المسؤول الإخواني مرة أخرى لأؤكد عليه، فأكد علي أنها مسألة بسيطة لا تقلق منها، هذا كان قبل فض رابعة بحوالي أسبوعين.

وبعد فض رابعة ببضعة أشهر، وكان التعاطف مع قضيتنا كبيرا، ورتبت زيارات لأوربا، طافت بعض دولها، ولاقت حضورا جماهيريا مهما، وصنعت حشدا كبيرا، جن به جنون إعلام الانقلاب وقادته، ولكن من ذهبوا لهذا المؤتمر وهذه الرحلات لأوربا، كانت لبعض الكبار منهم شكوى واحدة، أنهم طلبوا من أكبر قيادة في ذلك الوقت – وهو الدكتور محمود حسين – وثائق عن أحداث رابعة والنهضة، وغيرها، للطواف على أوربا، ولكن كانت صدمتهم أن محمود حسين رفض إعطاءهم أية وثائق، بدعوى أنها ملك لجماعة الإخوان.

ذهب شخصان ممن شهدوا الموضوع، وطلبا مني موعدا للقاء الشيخ يوسف القرضاوي ليشكوا له ما فعله محمود حسين، غضب الشيخ وقتها، وقال: كيف يرفض، وهل من ماتوا أو جرحوا أعطوه توكيلا بأن الوثائق والملفات ومقاطع الفيديو تركة لا يرثها إلا الإخوان؟

مسؤول الملف الحقوقي:

كانت الصدمة التي عرفتها فيما بعد، أن من قاموا على إدارة الملف الحقوقي إخوة أفاضل أحترمهم على المستوى الشخصي، لكنهم على المستوى الحقوقي لا علاقة لهم به، فالمسؤول عن الملف في أوربا دكتور، ولا علاقة له بالقانون سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وكان اختياره اختيارا تنظيميا بحتا، ما جعل الأداء الحقوقي هزيلا دون المستوى للأسف.

توكيلات لرفع قضايا دولية:

هذا الأداء من قيادات الإخوان في الخارج في الفترة من الانقلاب وحتى سبتمبر 2014 قبل مغادرة قطر، ترك مجالا لتحركات أفراد، يحسن البعض، ويسيء الآخر، ويمارس البعض مهارة التلاعب، ففي هذه الفترة فوجئنا بأكاديمي مفصول من الجامعة في مصر، يجمع توكيلات من آباء الشهداء خاصة شهداء الإخوان، ويوهمهم بأنه سيرفع دعوى في أوربا يمنع بها السيسي ووزراءه من دخول أوربا، وأنه يقوم بجهد حقوقي، وتعاون معه البعض مصدقا تحركه، سواء بالتوكيلات، أو بالتبرع.

فوجئت باتصال من مسؤول الإخوان المصريين في احدى الدول، يطلب لقائي في منزل الدكتور محمود حسين، وذهبت ووجدت مسؤول الملف الحقوقي سالف الذكر، يخبرني بأن عليَّ أن أتوقف عن التعاون مع هذا الأكاديمي الذي يجمع توكيلات، لأن لديهم وثائق وشبهات حوله من الناحية الماليه، قلت: ممكن أشوف الوثائق دي؟ قال لي الدكتور محمود حسين: الوثائق ليست عندنا الآن، لكن عند الدكتور محمد الجوادي. وقد كان سؤالي من باب عدم جواز اتهام أحد من دون بينة.

أحسست بريبة في الأمر من تصرفات هذا الشخص، خاصة بعد أن كلم الإخوان أفرادهم الذين قاموا بعمل توكيلات له، لسحب التوكيلات، وتنبيه الباقين بعدم عمل توكيلات أخرى، بحثت في الأمر، وثبت لي صحة ما قاله الإخوان فعلا، وقد طلب المجلس الثوري بعد ذلك شهادتي على الشخص نفسه وعلى صديق له، فقلت شهادتي بحضور الجمعية العمومية للمجلس الثوري وقتها. ثم فوجئت بالمجلس الثوري والدكتور محمود حسين يقدمان هذا الشخص نفسه  على منصات المؤتمرات، نكاية في معارضيهم من جماعة الإخوان للأسف.

بعد ذلك قامت محاولات أخرى مهمة تستبق أحكام الإعدامات التي يقوم بها قضاء الانقلاب العسكري في مصر، كانت أولها ورشة دعا إليها المجلس العربي للثورات والديمقراطية، برئاسة رئيس تونس الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي، أذكر تفاصيلها وحضورها، وما تم بعدها، في مقال قادم إن شاء الله.

————-

يرحب موقع الجزيرة مباشر، بكل الردود على هذا المقال – وغيره بطبيعة الحال- فحق الرد جزء أصيل من حق التعبير، وهو مكفول في جميع الأحوال

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه