الفار في الملاعب المصرية.. فأين الضمير؟!

” لو افترضنا أن هناك مائة مطلب تحتاجه الكرة المصرية في الفترة الحالية من بينها تطبيق حكم الفيديو بالمباريات، لجاء هذا المطلب في المرتبة المائة “

 

الزفة الكبيرة التي صاحبت إعلان الاتحاد المصري لكرة القدم عن تطبيق تقنية حكم الفيديو (VAR) بمباريات الدوري، تعطي الانطباع وكأن الكرة المصرية أنهت كل أزماتها ومعاناتها ولم يبق لها سوى تطبيق هذه الخاصية لتكمل صورتها الوردية!

مضحك فعلا أن ينشغل المسؤولون في الاتحاد المصري بتطبيق خاصية كهذه يمكن اعتبارها كمالية، في حين هناك العشرات وربما المئات من الضروريات التي تحتاجها الكرة المصرية لتخرج من نفقها المظلم الذي تمر به الآن.

تريد أن تعرف حجم المأساة، انظر لليوم الذي حدد فيه مسؤولو الاتحاد موعد المؤتمر الصحفي المخصص للإعلان عن تطبيق تلك الخاصية، لتجده وقد تزامن مع مظاهرة حاشدة لموظفي نادي الزمالك للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة، فالزمالك وهو أحد أكبر وأشهر الأندية في مصر والشرق الأوسط عاجز عن توفير المرتبات، فما البال إذن بما دونه من الأندية الأخرى؟!

حكم الفيديو أم عودة الجمهور؟!

لو افترضنا أن هناك مائة مطلب تحتاجها الكرة المصرية في الفترة الحالية من بينها تطبيق حكم الفيديو بالمباريات، لجاء هذا المطلب في المرتبة المائة، فهناك العديد من المطالب الملحة التي تحتاجها الكرة المصرية لتتجاوز محنة عنيفة تعيشها ولا تخفى على أحد من المتابعين.

أيهما أهم الآن، وجود حكم الفيديو أم عودة الجماهير للمدرجات؟ فالجمهور واحد من العناصر المهمة التي لا يمكن فصلها عن بقية عناصر اللعبة، فهو كالملح بالنسبة للطعام، بدونه يفقد الطعام قيمته ونكهته ومتعته، والصغير قبل الكبير يعرف مدى الفائدة الفنية التي يمثلها حضور الجمهور للمباريات، فهو الذي يعطيها الحماسة ويكسبها الإثارة، وهو المحرك الأول والرئيسي لاستنفار طاقات اللاعبين واستخراج مواهبهم، والمكاسب من وجوده لا تقتصر على الأندية فحسب، إنما على المنتخبات الوطنية أولا، ورأينا كيف أن غياب الجماهير عن المباريات المحلية، أضر بالكرة المصرية على المستوى القاري والدولي. فبنظرة خلفية مزدوجة على مستوى ونتائج الفرق المصرية في المحافل الدولية منذ منعت الجماهير من حضور المباريات، نجدها وقد تراجعت بشكل غير مسبوق، فرأينا الظهور المتواضع والمخجل للمنتخب الأول في كأس العالم بروسيا 2018، بالخروج من الدور الأول بعد أن خسر في مبارياته الثلاث، ثم الفشل الذريع في بطولة كأس الأمم الأفريقية الأخيرة التي أقيمت بمصر، بعد الخروج المهين أيضا من دور الـ 16بالخسارة أمام جنوب أفريقيا بهدف نظيف.

وغياب الجمهور هو واحد من عشرات المشاكل التي تعانيها الكرة المصرية في الوقت الراهن وتستوجب البحث والعلاج قبل الإقدام على خطوة تطبيق ” الفار” في بطولة هي أصلا في حكم المنتهية، بعد أن حسمها النادي الأهلي مبكرا جدا ووضع لقبها في جيبه منذ دورها الأول.

 فالأولى من تطبيق ” الفار ” هو العمل على حل مشاكل المستحقات المالية المتأخرة للاعبين والمدربين بمعظم الأندية، وهي المشكلة التي تمثل تهديدا حقيقيا لوجود الكثير من الأندية.

والأولى من تطبيق ” الفار ” هو احترام جداول المباريات التي يتم وضعها في بداية الموسم، لتبدأ وتنتهي في المواعيد المعلنة دون تأجيلها أو مطها لتصل المواسم ببعضها بعضا.

والأولى من تطبيق ” الفار ” هو العمل على زيادة الموارد المالية للأندية خاصة الفقيرة بما يضمن عدم بيعها للمباريات وبما يمكنها من منافسة الأندية الكبيرة.

والأولى من تطبيق ” الفار ” أن تكون هناك لوائح قوية تردع المشاغب وترهب المخالف، بما يحفظ هيبة اللعبة، فلا تقع فضيحة كفضيحة انسحاب الزمالك أمام الأهلي.

ما هي الضمانة؟

من المفترض أن يكون الداعي لتطبيق خاصية ” الفار ” هو ترسيخ مبدأ العدالة في المباريات وحماية الأندية من الأخطاء التحكيمية التي تقع، سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة.

لا بأس، فالعدالة عنصر مهم وربما تكون هي العنصر الأهم على الإطلاق، خاصة في ظل اتهامات دائمة للحكام بمجاملة أندية على أخرى، وترجيح كفة فريق على أخر.

لكن السؤال: ما هي الضمانة على أن ” الفار ” سيوفر العدالة المطلوبة؟ الإجابة، لا توجد ضمانة، بل ظني أن تطبيق تلك الخاصية من شأنه أن يزيد من فرص التلاعب في المباريات والتحكم في نتائجها، خاصة وأن قرارات حكم الفيديو لا تتم في اللحظة والتو مثل قرارات حكم الساحة، وإنما تتطلب فترة زمنية لمراجعة الخطأ وتفنيده، وحتى وإن كانت تلك الفترة ثوانٍ معدودة، إلا أنها كفيلة بأن يتلقى حكم الفيديو رسالة تليفونية تجعله يتدخل لاحتساب هدف أو إلغاء أخر، أضف إلى ذلك أن حكم الفيديو يمكن أن يصير عليه ما يصير على حكم الساحة من مجاملة هذا الفريق والتحامل على ذاك.

إذن القضية ليست في وجود مراقب للقانون، وإنما القضية الأهم في ضمير من ينفذ هذا القانون. وهنا المعضلة!

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه