العمالة النسائية المصرية تفقد مليون وظيفة العام الماضي

                   

 

جرت العادة على إعلان جهاز الإحصاء الحكومي المصري بيانات العمالة والبطالة كل ثلاثة أشهر، وفى الرابع عشر من فبراير/شباط الماضي تم إعلان بيانات العمالة والبطالة عن فترة الربع الأخير من العام الماضي، وجاء بها أن قوة العمل النسائية قد بلغت 5 ملايين و341 ألف أنثى، لكن البيانات لم تتضمن المقارنة بقوة العمل النسائية بنهاية العام 2017 كما جرت العادة إحصائيا.

وكان السبب لهذا التعتيم أن قوة العمل النسائية كانت قد بلغت سبعة ملايين وألف أنثى، أي أنها انخفضت خلال العام الماضي بنحو  مليون و660 ألف أنثى، وهو أمر ليس بجديد للمتابعين لتطور قوة العمل النسائية خلال فصول العام الماضي.

حيث انخفضت قوة العمل بنحو 391 ألف أنثى بالربع الأول من العام، ثم تراجعت بنحو 239 ألف أنثى بالربع الثاني، وزادت حدة النقص بالربع الثالث إلى 603 ألف أنثى، ثم بلغ الانخفاض لقوة العمل النسائية بالربع الرابع من العام 427 ألف أنثى.

وخلال العام الماضي لم يتحدث أحد المسؤولين عن تلك الظاهرة الجديدة ولا عن تفسيرها، خاصة وأن تدفق الخريجات من المدارس الفنية والمعاهد والجامعات مستمر، إلى جانب المتسربات من التعليم اللاتي تدخلن سوق العمل، ما يجعل من الطبيعي أن يزداد عدد قوة العمل النسائية.

وجاء في بيانات جهاز الإحصاء أيضا أن عدد المشتغلات في نهاية العام الماضي بلغ 4 ملايين و295 ألف مشتغلة، من دون ذكر أية مقارنة مع رقم المشتغلات بنهاية العام الأسبق كالمعتاد بالبيانات السابقة، ليتبين أن السبب هو بلوغ عدد المشتغلات بنهاية العام الأسبق 5 ملايين و386 ألف مشتغلة، أي أن العدد انحفض خلال العام الماضي بنحو  مليون و91 ألف مشتغلة.

وهو أمر ليس بجديد فقد كان هناك انخفاض في عدد المشتغلات بالربع الأول من العام الماضي بنحو 230 ألف مشتغلة، واستمر النقص بالربع الثاني بنحو 133 ألف مشتغلة، ثم قفز الانخفاض لنحو 572 ألف مشتغلة بالربع الثالث، واستمر النقص بالربع الرابع من العام بنحو 156 ألف مشتغلة.

   اقتصار الحديث على الإنجازات فقط

ورغم مرور ثلاثة أسابيع على صدور بيانات جهاز الإحصاء فلم يصدر أي تفسير لهذا النقص سواء من قبل جهاز الإحصاء، أو وزارة التخطيط أو وزارة القوى العاملة أو حتى المجلس القومي للمرأة المعني بتمكين النساء اقتصاديا.

ويبدو أن أي أمر به نقص لا يتم تناوله رسميا أو إعلاميا اتساقا مع مناخ الخوف وتكميم الأفواه وإيثار السلامة، وهذا ما فعله جهاز الرقابة على الصادرات حين أعلن بيانات صادرات المجالس التصديرية عن أداءها بالعام الماضي، حين اكتفى بذكر المجالس التي زادت قيمة صادراتها، أما المجالس التي انخفضت صادراتها فلم تتم الإشارة إليها بالمرة.

وها هى بنوك القطاع العام الحكومية لم تنشر قوائمها المالية عن العام المالي المنتهى في يونيو الماضي حتى الآن لأن هناك تراجعا في أدائها والأمثلة كثيرة.

وبالطبع يرى هؤلاء الرسميون أن الحديث عن انخفاض عدد المشتغلات بأكثر من مليون أنثى خلال عام واحد، لا يتسق مع ما تم من احتفال بعام المرأة أو مع الحديث الدائم عن الإنجازات، كما لا يتسق مع الاستعداد للتعديلات الدستورية في وقت تسعى فيه السلطة لحشد النساء للتصويت والرقص كالمعتاد.

أو مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس وعقد عدة وزارات مؤتمرات للحديث عن التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية في عهد النظام الحالي، ولا يتسق مع ما استجد من مظاهرات بالسودان والجزائر وجدت بعض الصدى لها بمصر في شكل حملة ” اطمئن إنت موش لوحدك “.

وكمحاولة أولية لتفسير نقص عدد المشتغلات فهناك خفض دوري للعاملين بالحكومة منذ عدة سنوات، استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي لخفض تكلفة الأجور بالموازنة العامة، لكن هذا الخفض لا يكفي وحده للتفسير، خاصة وأن عدد المشتغلات بالحكومة حتى يونيو 2017 بلغ مليونا و274 ألف موظفة، وكان أعلى رقم لذلك الخفض السنوي بنحو 189 ألف موظفة بالعام المالي 2015/2016.

    جيهان وسوزان من أسباب المشكلة

كذلك معروف منذ سنوات أن القطاع الخاص خاصة الاستثماري والمنظم لا يفضل تشغيل النساء، نظرا للأعباء التي تتحملها الشركات بقوانين العمل من إجازات ومزايا في حالات الحمل والولادة وغير ذلك مما فرضته السيدة جيهان صفوت رؤوف خلال فترة حكم زوجها أنور السادات، والسيدة سوزان صالح ثابت خلال فترة حكم زوجها حسنى مبارك.

 كما أن انتقال المشتغلات للعمل بالمدن الجديدة يوميا أمر مرهق قد لا تتحمله كثير من النساء، لكن القطاع الخاص غير المنظم يشغل النساء لأن تكلفتهن أقل من الذكور كما يمكن إطالة ساعات عملهن، وهناك أعمال كثيرة تحتاج عمالة رخيصة كالملابس الجاهزة والتعبئة والتغليف وغيرها.

كما أنه لم تحدث طفرة في حالات الزواج بحيث يمكن القول إن بعض المشتغلات امتنعن عن العمل بعد الزواج، بل إن المعتاد حاليا هو حرص المشتغلات على الاستمرار في العمل بعد الزواج للإسهام في مواجهة نفقات المعيشة المتتالية الارتفاع.

وتظل التساؤلات إذن أين أثر الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 التي أعدها المجلس القومي للمرأة؟ وأين أثر مبادرات المجلس القومي للمرأة للتشغيل، والحديث الحكومي الدائم عن توفير الملايين من فرص العمل للشباب، الذي نتج عنه انخفاض مستمر في معدلات البطالة حسب تصريحات المسؤولين؟

  مبادرات تشغيل وقروض ميسرة                            

وأين أثر مبادرة مستورة التي أطلقها بنك ناصر الاجتماعي بالتعاون مع صندوق تحيا مصر بنهاية 2017، لتوفير قروض للنساء لإنشاء مشروعات متناهية الصغر، وتقديم الدعم الفني للمقترضات؟

وأين أثر مبادرة “فكرتك شركتك ” التي جاءت من قبل عدد من الشركات المصرية الخاصة، بالتعاون مع جهاز المشروعات المتوسطة ومتناهية الصغر والهيئة العامة للاستثمار؟ وأين أثر مبادرة ” وظيفتك جنب بيتك ” التي قامت بها عدة جهات حكومية وبذات مرحلتها الأولى بمحافظة القليوبية حيث قدمت المحافظة الأرض وقام الجيش ببناء المصانع وقدم البنك المركزي قروضا ميسرة؟

وأين أثر مبادرة البنك المركزي لتمويل المشروعات الصغيرة بقروض بفائدة 5 %، وقروض صندوق التنمية المحلية بالمحافظات؟ وهل المشروعات القومية التي يقوم بها الجيش تقوم على سواعد الجنود بالإضافة الى الذكور فقط من المدنيين دون النساء؟

أسئلة كثيرة حائرة تبحث عن تفسير لفقدان أكثر من مليون مشتغلة عملها خلال عام واحد، لكن لا أحد من الجهات الرسمية لديه وقت أو جرأة للتفسير في الوقت الحالي وحتى يتم الاستفتاء الشكلي على التعديلات الدستورية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه