العلاقات التركية – الباكستانية.. والمخاوف الاسرائيلية

وخلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عانت منها تركيا، أطلق الباكستانيون حملة لدعم الليرة التركية في جميع أنحاء البلاد.

 

رغم أن العلاقات التركية – الباكستانية تعد من أفضل العلاقات الدبلوماسية في المنطقة؛ إذ لم تتعرض عبر تاريخها الطويل لأية هزات أو توترات أو مشاحنات؛ بل امتازت دوما بالتعاون والتكامل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية، إلا أن الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عقب توليه السلطة، والتي كانت لأنقرة مؤخراً، حملت الكثير من الرسائل للعديد من الجهات الإقليمية والدولية، خاصة تلك التي استشعرت خطرا يهدد أمنها القومي ومكانتها في المنطقة جراء تزايد التقارب التركي – الباكستاني.

الركيزة التاريخية للعلاقات التركية–الباكستانية

 الخلفية التاريخية التي ترتكز عليها العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وإسلام أباد منذ أن أصبحت الأخيرة أكبر بلد مسلم على خريطة العالم في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، عندما سارعت تركيا ضمن حزمة قليلة من الدول إلى الاعتراف بها، ودعمت محاولات انضمامها للأمم المتحدة، وقامت بطبع عملتها المحلية في مطابعها الرسمية ..
كما تصدت تركيا بالتعاون مع السعودية للمساعي الأمريكية – البريطانية الهادفة إلى إدراج باكستان ضمن قائمة الدول التي فشلت في الحد من تمويل الإرهاب، ناهيك عن قيام أنقرة بدعم موقف إسلام أباد في إقليم جامو وكشمير.

بدورها دعمت إسلام أباد أنقرة في موقفها من قضية جمهورية شمال قبرص، كما كانت باكستان من الدول القليلة التي أدانت بشكل فوري محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا في تموز/ يوليو 2016.
وخلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عانت منها تركيا، أطلق الباكستانيون حملة لدعم الليرة التركية في جميع أنحاء البلاد، حيث توافدوا على محال الصرافة لشراء الليرة بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على تركيا على خلفية قضية القس أندرو برنسون، الذى اتهمته تركيا بدعم الإرهاب ثم أفرجت عنه بعد انقضاء فترة حبسه.

كما يُعد الرئيس أردوغان الشخصية الأجنبية الوحيدة التي شاركت ثلاث مرات في جلسة مشتركة للبرلمان الباكستاني خلال الأعوام 2009 و2012 و2016.

الأسباب الحقيقية لزيادة التقارب الراهن

أما أهم أسباب التقارب التركي – الباكستاني الحالي، والذي تسبب في حالة من القلق والتوتر لدى العديد من الدول الإقليمية والدولية، فيتمحور حول تزايد الخلافات والاضطرابات في الدول المحيطة بكل منهما، سواء في أفغانستان أو في سوريا والعراق وفلسطين، مما تطلب منهما زيادة التقارب والتعاون ..

من أجل تحقيق هدفين أساسيين، أولهما تأسيس استراتيجية حماية داخلية مشتركة عبر تعاون إقليمي، والكف عن الاعتماد على القوى العابرة للحدود التي عانت الدولتان من أضراره خلال العقود الماضية.

وثانيهما، أن ذلك التعاون المثمر بينهما من شأنه أن يقيهما العزلة التي باتت تهدد الكثير من دول المنطقة، خصوصا وأن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأكبر لهما أصبحت تنحى نحو سياسة مختلفة عن تلك التي اعتادت عليها، بما فيها رؤيتها وتفسيراتها لمعنى الإرهاب، وتصنيفها للتنظيمات الإرهابية وفق مصالحها الخاصة، وليس وفق سلوكيات تلك التنظيمات الانفصالية، وذلك دون الأخذ في الاعتبار مصالح حلفائها في المنطقة، الأمر الذي بات يهدد الأمن القومي والوحدة الترابية لهما. 

الأولوية للمستثمرين الأتراك

تلك القاعدة التاريخية الصلبة، والإهداف الاستراتيجية المشتركة التي تحكم علاقات البلدين أسفرت عن تعاون مثمر في كافة المجالات السياسية والاقتصادية؛ والتجارية؛ والصحية؛ والطاقة، بل إن رئيس الوزراء الباكستاني وأثناء وجوده في أنقرة دعا رجال الأعمال الأتراك إلى الاستثمار في مجال التنقيب عن المعادن مثل النفط والغاز الطبيعي والنحاس والكوبالت، مشيرا إلى حاجته لشركات تركية للقيام بهذا العمل الذي تعاني باكستان نقصا شديدا فيه. 

التعاون العسكري والاستراتيجي

ورغم أن التعاون التجاري والاقتصادي بينهما شهد تزايدا كبيرا، إلا أن التعاون العسكري والاستراتيجي بات يتصدر علاقات البلدين رسميا، إذ تم خلال زيارة خان الإعلان عن بدء تسليم أول دفعة من مروحيات “آتاك” التركية الاستطلاعية الهجومية، التي تم توقيع العقود الخاصة بها بين البلدين خلال النصف الثاني من العام المنصرم، في اتفاقية  تنص على قيام شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية بتزويد الجيش الباكستاني بـ 30 مروحية استطلاع تكتيكي من طراز”  آتاك ” ..
مع عقود خاصة بقطع الغيار والدعم اللوجيستي والتدريب والذخيرة الخاصة بها؛ بقيمة مليار دولار، إلى جانب فوز شركة “أسفات تاش” التركية بمناقصة تزويد البحرية الباكستانية بأربع فرقاطات حربية من طراز ” ميلجم” بمليارات الدولارات، كما تم الاتفاق على إنتاج اثنين منهما في تركيا، واثنين في باكستان بهدف تبادل الخبرات؛ وهي الصفقة التي وصفت بأنها أكبر صفقة تصدير لصناعات الدفاع التركية حتى الآن، فيما قررت تركيا شراء 52 طائرة تدريب باكستانية من طراز ” سوبر موشاك”.

                                                          التعاون العسكري بين أنقرة واسلام أباد لم يتوقف عند شراء الاسلحة والذخائر، لكنه طال كذلك التعاون في مجالي التدريب وتبادل المعلومات، وهو ما يبدو واضحا في الزيارات المكثفة المتبادلة التي يقوم بها دوما القادة العسكريون في البلدين لبعضهما البعض وعلى فترات متقاربة.

التعاون لتصنيع سلاح نووي

إلى جانب التعاون الوثيق في مجال مكافحة الإرهاب بعيدا عن الرؤية الأمريكية الخاصة بذلك، وفي هذا الإطار قامت المحكمة العليا في باكستان مؤخرا؛ وقبيل زيارة خان لأنقرة، بإعلان منظمة فتح الله غولان منظمة إرهابية ..
وطالبت وزارة الداخلية بإدراج المنظمة على قائمة الإرهاب لديها، كما قضت المحكمة الباكستانية في قرارها بتسليم مدارس ” باك – تورك تشاغ” التابعة لمنظمة غولان في باكستان لوقف المعارف التركي، وهى الخطوة التي ثمنها وزير الخارجية التركي، الذى أعرب على تويتر عن شكره للدولة الباكستانية؛ واصفا تلك الخطوة ” بالصائبة ” والتي تؤكد عمق الروابط الأخوية بين البلدين. 

أما أكثر مجالات التعاون التركي – الباكستاني التي تثير القلق والمخاوف لدى كثير من دول المنطقة والقوى العظمى، فيتمثل فيما نقلته صحيفة ” نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية من أن الرئيس أردوغان يدرس حاليا إمكانية تحويل تركيا إلى صانع رئيس للسلاح النووي، خصوصا مع وجود بوادر سابقة لتركيا في هذا المجال، اعتٌبرت تمهيدا لعملية تطوير برنامجها النووي ..
ومن تلك البوادر قيام أنقرة في نهاية تسعينيات القرن الماضي بالتعاون مع حكومة الظل في باكستان، وتحديدا مع عبدالقادر خان ذي الصلة الوثيقة بتوريد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم لإيران وكوريا الشمالية ، وذلك بهدف نقل خبراته في إنتاج اجهزة الطرد المركزي لتركيا.

هاجس الكيان الصهيوني

وهو الأمر الذي أصبح يشكل هاجسا للقلق والخوف لدى الكيان الصهيوني على وجه التحديد، الذي نجح على مدى العقود الماضية في عرقلة امتلاك أية دولة عربية لهذا السلاح أسوة بما لديه منه من مخزون يمَكِنه من تهديد أمن وسلامة تلك الدول في أى وقت.

فإسرائيل تدرك تماما أنها لا تستطيع التعامل مع تركيا بنفس المنطق الذى سبق وان تعاملت به مع العرب في هذا المجال، لذا فهي تخشى من تطور وتزايد حجم  العلاقات التركية – الباكستانية في مجال الصناعات العسكرية ..
لأن ذلك يعني تلقائيا إمكانية التعاون بينهما لإنتاج أسلحة نووية، خصوصا أن باكستان لديها باع طويل في هذا المجال، إذ أعلنت تل أبيب خلال زيارة خان لأنقرة، أن علاقاتها مع الأخيرة كانت تعاونية متكاملة في الماضي، والآن تحولت إلى علاقات ندية تنافسية، في إشارة واضحة لمدى مخاوفها من عملية تبادل الخبرات العسكرية بين انقرة واسلام اباد،  وقلقها من احتمالية أن تكون انقرة قد حصلت بالفعل من باكستان على رسوم بيانية تمكنها من صنع قنابل نووية .                                  

حقائق وتحركات فعلية

مخاوف الإسرائيليين لا تعتمد فقط على الاحتمالات والتكهنات، وإنما ترتكز من حيث المبدأ على بعض الحقائق والتحركات التي تم رصدها إذ قامت أنقرة بطريقة غير مباشرة بتطوير 117 طائرة تركية الصنع من طراز ” إف – 16″ خلال عام 2015 لتصبح قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو الأمر الذى زاد من حجم المخاوف الاسرائيلية ..
ورغم أن معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية تعيق تركيا من تنفيذ مشروع نووي عسكري، إلا أن بإمكان أردوغان – الذى تعرفه إسرائيل جيدا- الانسحاب من هذه المعاهدة في أي وقت ولأى سبب؛ كالتوترات التي باتت مستمرة في علاقاته مع الولايات المتحدة الامريكية، أو التهديدات المستمرة التي يواجهها من جانب التنظيمات الإرهابية ..
أو إمكانية اعتماده مبدأ السرية في صنع السلاح النووي التركي بالتعاون مع الحكومة الباكستانية، الأمر الذى يعني إمكانية قدرة أنقرة على إنتاج سلاح نووي بحلول عام 2023 ، وهو التاريخ الذى يذكره دوما أردوغان في خطاباته الجماهيرية، معتبرا إياه عام الانطلاق لتركيا الجديدة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه