العلاج في غابات النمسا!

الاستشفاء قي الطبيعة لايحتاج إلى أموال كثيرة، ولا يحتاج إلى سفر طويل، لكنه يحتاج إلى حسن التفكير في كيفية قضاء إجازة صحية في حضن الطبيعة.

في الغابة المحيطة ببحيرة “تساوخن زيي” القريبة من سالزبورغ في النمسا يوجد أكشاك خشبية يلجأ إليها الناس لشحن أجسامهم بالطاقة الإيجابية، إنها تجربة فريدة وجيدة أن يلجأ الإنسان إلى الطبيعة للعلاج والاستشفاء والبحث عن الطاقة للتخلص من التوتر وسلبيات الحياة اليومية.

على أريكة مريحة داخل كشك أو كوخ الشحن في قلب الغابة جلست في حالة استرخاء تام، من أجل التزود بالطاقة وفقا لتوصية القائمين على الفكرة، وبعد أن أغلقت الباب، أصبح المكان مظلما إلا من شعاع ضوء خافت ينساب من فتحة في أعلى الجدار الخلفي، هكذا وبعد مرور نصف الساعة في ذلك الصمت والهدوء انتهت الجلسة التي أعقبتها حالة من الراحة النفسية العميقة.

 لا أحد على وجه التحديد يعرف كيف تنتقل الطاقة من الأخشاب إلى جسم الإنسان، لكن الحقيقة الثابتة كما تقول: “أنيتا” مرشدة “طريق القمر” في الغابة.. إن تأثير الطاقة داخل الكوخ تجعل ضربات قلب الإنسان تنخفض، وهناك حقيقة طبية تذكر أنه إذا انخفضت عدد دقات ضربات القلب التي يصل متوسطها في اليوم إلى 3500 دقة في حالة الإنسان الطبيعي، فإن هذا يعني إضافة المزيد من العمر له، ليس هذا فقط، بل إن طاقة الأخشاب ثبت أنها تساعد الإنسان على نوم هادئ وعميق.

العيش في منازل خشبية

أبحاث جامعة “غراس” النمساوية أثبتت أن الأطفال الذين يعيشون في منازل خشبية، يتمتعون بجهاز مناعي قوي، ويمتلكون نظاما عصبيا حيويا وفعالا مقارنة بالأطفال الذين يعيشون بين حوائط أسمنتية، وأيضا وجد العلماء أن السلوك الاجتماعي والتركيز في التحصيل العلمي يكون أفضل لديهم.

إذن تقع أكواخ الطاقة الخشبية في الغابة النمساوية على أطراف درب يسمي “طريق القمر”، الاسم له علاقة بحركة القمر حول الأرض، والأبراج عند الناس.. ويتبع الناس عند سيرهم على درب القمر التقويم القمري الذي له علاقة ببرج الإنسان، وحالة القمر وشكله في هذا الوقت من الشهر.

طريق القمر يلتف حول البحيرة ويصل إلى حوالي 4 كيلو مترات، ويوجد عليه 21 محطة للتأمل، وممارسة تمارين رياضية وروحية، توجد لوحات تشرحها بالتفصيل، أيضا أكشاك الطاقة، ومحطة للأعشاب الصحية المعروفة في منطقة الألب.

الذين جربوا المشي في هذا الطريق يقولون إنهم شعروا بتحسن كبير، المكان مرتفع عن سطح الأرض بحوالي 1700 متر، الهواء نقي جدا، إن أغلب الذين يأتون إلى هنا يفضلون البقاء عدة أيام، مثلا يخيمون في المكان أو يقيمون في الفنادق الملتفة على ضفاف بحيرة “تساوخن زيي”. إنهم يتمتعون ليس فقط بالبحث عن الصحة والهدوء، ولكن أيضا ببانوراما المكان الخلاب، والحياة الطبيعية البعيدة عن تلوث وضجيج المدن.

العودة إلى الطبيعة

الذي يكمل السير في “طريق القمر” حتى نهايته يتخلص على الفور من الإجهاد والتوتر، ويحدث له حالة من الاتزان والتوافق بين الروح والجسد. إنه يبعد الإنسان عن الحياة الحديثة السريعة التي يعيشها، وعن التكنولوجيا المتطورة التي باعدت بينه وبين الطبيعة بمراحل، فالإنسان في الوقت الحالي أصبح أسير شاشات الموبايل والكومبيوتر، ويقضي أغلب الوقت جالسا في حجرات مكيفة، مما جعله يفقد الحس بإيقاع الطبيعة التي تحتاجها صحة الإنسان النفسية والجسمانية.

ساعتان ونصف الساعة يستغرقها المرء في السير في طريق القمر، وهو تدريب يومي كاف للاتصال بالطبيعة والتفاعل بمؤثراتها. الدكتور “كارل شتاينتمس”، مدير معهد الطب الأوربي التقليدي في فيينيا، يقول: “طريق القمر هو حلقة تربط بين المعرفة العلمية الحديثة في تأثير القمر في صحة ومزاج الإنسان، وبين المعتقدات القديمة جدا حول نفس الأسباب”.

إذن ـ التزاوج بين الطبيعة وحركة القمر وجسم الإنسان وممارسة التمارين في الغابة، يمنح العضلات القوة، والجسم حالة من الاسترخاء الممتع.

بشكل عام التمارين بسيطة وبعضها لا يختلف عن التمارين الموجودة في أي ناد رياضي، لكن المهم هو أيضا ممارسة تمارين الأصابع، وأهميتها ترجع إلى أن كل إصبع يشير إلى عضو من أعضاء جسم الإنسان، وإلى برجين من أبراج القمر.

تقول أنيتا، دليلنا إلى “طريق القمر”، إن تمارين الأصابع تستطيع إيقاظ وعي الجسم،  وتخلق حالة من الانسجام النفسي، مثلا الخنصر الصغير الذي له اتصال مع برج الجوزاء والأسد،  وهو يخفض الضغط ويحسن التركيز،  ويمكن أن يفعل الإنسان التمرين بنفسه،  فيمكن له أن يمسك الخنصر بيده  الأخري،  ويضعه في راحة الكف،  ويضغط عليه عدة مرات فقط ،  أما الأوسط  فيشير إلى الرئتين،  وطريقة التنفس والمزاج الجيد، وتدليكه باليد الأخري  يشعر الإنسان بالراحة،  أما وضع الإبهام في راحة الكف، وعند النقطة التي تشعر فيها بألم خفيف نضغط لمدة دقيقتين،  وتعاود الكرة عدة مرات عندها ستشعر بالفرق!

العلاج من الادمان

علاجات الطبيعة معروفة عند كثيرين في منطقة الألب،  ففي ألمانيا استطاع أحد الأطباء ويدعى “نوربرت يتمان” استحداث طريقة جديدة لعلاج المرضي المدمنين في الطبيعة، وتتلخص طريقة العلاج ببساطة في القيام بنزهات إلى المناطق الجبلية في الألب حيث الطبيعة شديدة الجمال، فهو يصطحب مجموعات من المرضى في جولات عبر قمم وسفوح الجبال لمدة ثمانية أيام، يقطعون فيها مسافات من السير تصل إلى 110 كيلو مترات،  ويصلون إلى ارتفاعات من القمم تصل إلى ستة آلاف مترـ رغم أن هذه المهمة قد تبدو مستحيلة في حالة المدمنين الذين ينعكس الإدمان على  أجسامهم،  فهي واهنة شديدة الضعف، لكن الطبيب “يتمان” يقول:  إنه الشئ الوحيد الذي سيعزز ثقتهم بأنفسهم في حالة إتمام المهمة التي أوكلت إليهم بعيداً عن عالم المخدرات،  وسيصبح ذلك لهم نجاحا وشيئا إيجابيا في حياتهم يساعدهم على عودة الألق، ومن ثم قيامهم  بتجربة شخصية إيجابية جديدة، ومن هنا  سيبدأ  اهتمامهم  بإنجاز تجارب ناجحة وإيجابية في حياتهم ستكون دافعاً لهم للشفاء. إن صعوبة المهمة هي التي ستقوى من حالتهم النفسية، وستعطيهم زخماً معنوياً جديداً بالنظر إلى معايشة أجواء الطبيعة الخلابة،  إضافة إلى المجموعة المصاحبة لهم والتي يتم اختيارها بعناية شديدة للمساعدة في تحسين حالتهم النفسية .

والوقاية من السرطان

لايمكن أن تذهب إلى الاستشفاء في غابات الألب من دون تناول الطعام الصحي الذي يدخل في مكوناته الأعشاب الألبية، كل المطاعم تقدم هنا طعاما عشبيا، والأعشاب التي تنمو في الألب  تصل الي آلاف الأنواع، أكثرها أهمية عشبة “عباءة السيدة”، و”العطاس”، و”الأذريون”، و”اليارو” وهي نباتات طبية تساعد في صحة الجهاز التنفسي، وعلاج البرد، والخصوبة عند النساء، وإدرار البول، وعلاج التهاب المفاصل، ومساحيق التجميل، وعلاج الأسنان والوقاية من السرطان.

الاستشفاء قي الطبيعة لايحتاج إلى أموال كثيرة، ولا يحتاج الي سفر طويل، لكنه يحتاج إلي حسن التفكير في كيفية قضاء إجازة صحية في حضن الطبيعة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه