العراق: مسارات سياسية عبر بوابات المحتل

نصيب العراقي من حصة نفطه التي كان يتخيل أن تصله إلى بيته بعد الفتح الأمريكي للعراق! وتجده اليوم يتضرع إلى الله أن ينعم علية بالصحة والستر.

 

 

منطقيا يجب ألا يتعدى أحسن وصف لحكومات ما بعد الاحتلال بحكومات تسيير الأعمال، ذلك أن الدولة الواقعة تحت الاحتلال قابلة لأن تتشكل مصالحها وقوانينها ضمن عقيدة المحتل في جزئها الأكبر. والاحتلال عموما ليس مناورة عسكرية بين دولتين تنتهي آثارها بالدرس المستفاد من تلك المناورة.

الاحتلال إخضاع دولة خاسرة منهزمة في الحرب لسلطان دولة منتصرة، ومشاهد ما بعد احتلال الدول تتنوع فصولها ومشاهدها بحسب طبيعة وقوة وشكل ذلك الاحتلال، ضمن واقع حال النظام العالمي السائد وطبيعة توازنات القوة الحاكمة.

يعد الاحتلال الأمريكي للعراق من أبشع الاحتلالات عبر التاريخ، لاعتبار هيمنة وتفوق القوة الغاشمة المتمكنة عسكريا وسياسيا واقتصاديا واستراتيجيا ضد دولة بسيطة.

المظلة الجوية الأمريكية وقواعدها العسكرية وعشرات الآلاف من الجنود مازالت تمسك بتلابيب الأرض والقرار والمصير، وأثر ذلك واضح ومعلن من خلال مجموع التصرفات والأعمال التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية على أرض العراق وفي طريقة إدارة علاقتها ببغداد أو رسمها لعلاقات العراق مع محيطه الاقليمي والدولي.

الأثر الأمريكي في التحكم والسيطرة تزداد وتيرته مع جملة المشاريع العالمية غير المتوقع حسمها قريبا. وفي القلب منها استخدام ملف العراق بالدرجة الاولى مع الملفات الاخرى ذات الأهمية الاستراتيجية.

الاحتلال في عامه السابع عشر

قراءة الزمن وتراتبيات إيقاع الأحداث السياسية والاقتصادية والميدانية تختلف كثيرا جدا بين الرؤية الأمريكية صانعة الحدث في العراق وبين رؤية الكتل السياسية المخولة أمريكيا بإدارة فقرات من شؤون العراق تحت مسمى الحكومة العراقية، يأتي ذلك من خلال السياسة الأمريكية الثابتة بدعم القوى والاشخاص القادرين على حراسة وإدارة مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. كان ذلك الأمر واضحا جدا من خلال مجموعة الاستجابات والمتغيرات في المشهد العراقي منذ وقوعه تحت الاحتلال الأمريكي عام 2003 وحتى هذا التاريخ الذي تفصلنا عنه بضعة أيام لدخول الاحتلال عامه السابع عشر.

أشياء كثيرة حملتها رياح التغيير في العراق وتغيرات جاءت حتى على وصف الأشياء التي كانت يوما ما تعتبر من الثوابت. إذ يجد العراقيون اليوم والمتابع للحدث العراقي وانعكاساته داخليا واقليميا وعالميا، هذا الأثر وذلك التغيير واضحا من خلال:

– طبيعة المواجهة وتفسير الحدث الذي تحول من مفهوم مقاومة الاحتلال ولو سلميا بعد شيطنة المقاومة، إلى الحرب ضد الإرهاب بالقيادة الأمريكية ويمثل الجندي العراقي أحد عناصر تلك الحملة ضمن الدور المناط به داخليا ودوليا.

– حكاية نصيب العراقي من حصة نفطه التي كان يتخيل أن تصله إلى بيته بعد الفتح الأمريكي للعراق! وتجده اليوم يتضرع إلى الله أن ينعم علية بالصحة والستر بعيدا عن جحيم النفط ومشتقاته. يقول (مايكل نايتس) لمعهد واشنطن وهو المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج: عندما تنظر الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية إلى العراق، فإنها لا ترى فقط إمدادات طاقة مستقبلية وسوقاً ثرية لصادراتها، بل ترى أيضا مكاسب جغرافية -استراتيجية محتملة. وفي مؤتمر “نفط العراق” الذي عقدته (CWC Group) في برلين في العام الماضي، تم إبلاغ المسؤولين وممثلي الشركات العالمية الكبرى والمحللين بأن العراق قد أصبح دولةً قوية تحتل المركز الثاني في إنتاج النفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

يقول (مظفر النواب) في احدى أمنياته الثلاث:

 لم يعد يذكرني منذ اختلفنا أحد في الحفل

غير الاحتراق

كان حفلا أمميا

إنما قد دعي النفط ولم يدع العراق

– بالمقابل، وبعيدا عن قياس حالة المنتفعين وتجار الحروب والفاسدين تبقى زاوية نظر الغالبية من العراقيين المسكوت عن أوضاعهم، متجهة إلى بلد تتقاذفه سياسات الكبار إلى ملاعب مجهولة وحروب بالوكالة ومواجهات ضد أعداء وهميين، أوصلته إلى شعب وقد شتته المنافي ودمرت نسيجه مخيمات اللجوء وتسلط على حكم بلاده المتحولون من مليشيات قاتلة وقطاع طرق إلى طبقات سياسية حاكمة. تلك هي عوامل الاستجابة الطبيعية لمتحولات مشهد العراق بعد 16 عاما من الاحتلال.

– تبدو حالة من الدوران حول المجهول والدخول في دوائر المتاهات، جزءا مهما من حالة العراق اليوم بعد نجاح وسائل التضليل من شيطنة فكرة المعارضة وإقصاء وملاحقة أصحاب الرأي والكلمة لفسح الطرق وتمهيد المسارات السياسية عبر بوابات المحتل. وربما هذه هي المرحلة الأخطر بعد أن بدت بوادر انكشاف لمؤتمرات دولية يروج لانعقادها تحت (ظلال وضلال) دولة الاحتلال من قبل البعض الذي أضاع بوصلة الطريق. تلك هي اللحظة التي كان ينتظرها الكثيرون ليصبح لعب الجميع على المكشوف.

بوابة المحتل

أسئلة يطرحها الكثير من العراقيين موجهة للمؤتمرين في واشنطن وقبلها في ميشيغان: 

هل يجوز للمقاوم أن يدخل من بوابة المحتل؟

وهل أمريكا لم تعد دولة احتلال؟

وما هي ضمانات الموقف الأمريكي؟ 

وما هو القول في مؤتمري لندن وصلاح الدين عام 2002 اللذين وضعت من خلالهما الترتيبات النهائية لاحتلال العراق عام 2003 ، إذا كان الراعي هو نفسه؟

وما الذي تغير لمتخذ القرار الأمريكي باجتثاث البعث وملاحقة قياداته، ليكون راعيا لانعقاد مؤتمر واشنطن أو في الأقل راضيا؟

وجدانيا، ماذا سيكتب المؤتمرون بعد أيام حيث تحل ذكرى مأساة الغزو الأمريكي على العراق قبل 16 عشر عاما؟

أسئلة كثيرة جدا تنتظر الإجابة.

أما حكاية الاحتلال الايراني للعراق باعتراف أمريكا، فهي جزء من مخطط الاحتلال الأمريكي الذي أطلق يد إيران وأذرعها للعبث بمقدرات العراق وتدميره. والأمر هذا لا يصلح حجة لمعالجة الخطأ بالخطأ لأن التاريخ لا يرحم. وأميركا لا تعادي إيران في العراق.

أكثر التحليلات السياسية والاستراتيجية ترى أن الموقف تجاه إيران لا ينفصل عن الموقف تجاه أمريكا، بحكم التحالف التاريخي الوثيق بينهما بعيدا عن مسرحيات خلافات جزئية هنا وهناك. وقبل أن أنهي مقالي هذا نزلت طائرة الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارة لبغداد تستغرق ثلاثة أيام بالرضا والارتياح الأمريكي حتما.

بالمقابل قد يجد المؤتمرون ممن حملوا لافتة البعث في واشنطن، وقد دارت عليهم دائرة التسقيط كما دارت على غيرهم. حينها لا ينفع الندم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه