العراق .. “لا إحم ولا دستور”

 

 

” لا أفكر بالانسحاب من العراق مطلقا ” .. العبارة الأهم التي قالها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمام جنوده .. وأمام هذه العبارة كان يجب أن يقف العراقيون أكثر من وقوفهم أمام حكاية انتهاك سيادة البلد بزيارته لجنوده في قاعدة عين الأسد الأمريكية على أرض الأنبار العراقية المتاخمة للحدود السورية دون علم ما تسمى برئاسات العراق الثلاثة .

وأنت تتابع الطغمة الحاكمة في العراق زوراً وهي تؤدي طقوسها السياسية سرعان ما ياتي إلى ذهنك قول قائلهم: ألقاب مملكة في غير موضعها * كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد.

المخدوعون

كثيرة هي كلمات العتاب التي زخرت بها أفواه المخدوعين بانتصاراتهم في حرب الوكالة التي أدخلتهم بها الولايات المتحدة الأمريكية لتجعل من العراق اسما خارج الجغرافية والتاريخ، ويأتي العتب في أدبياتهم على قدر العطاء والتضحية للسيد الذي وصفوه يوما بالمحرر والمنقذ.

عن بعد يخاطب أحد الساسة العراقيين الرئيس الأمريكي معاتبا دخوله أرض العراق دون مراسم وتشريفات. وآخر كان يحلم برئيس يحمل اسم العراق في استقبال زائر ترنو اليه أنظار العالم المأسور .

الإشكالية الحقيقية ليست في الزيارة والمغادرة دون علم بغداد بقدر الإشكالية بفهم الأدوار . ففي عام ٢٠٠٨ أملت الولايات المتحدة الأمريكية على حكومة المالكي بل على الشعب العراقي ما تسمى اتفاقية خروج أمريكا من العراق وتم التسويق لها سياسيا وإعلاميا على أنها معاهدة جلاء تفاخر بها البسطاء . الإشكالية في حينها وما زالت تكمن في درجة الوعي الذي تعرض لوحشية أدوات الضغط والتضليل الذي خلق الوهم في أذهان الكثير لتبدو لهم الأمور على غير الواقع .

في مقال سابق طوته السنين استوقفتني إحدى فقرات الاتفاقية الأمريكية العراقية، كانت تتضمن شروط عودة القوات الأمريكية فيما إذا تعرض العراق للإرهاب الذي سيؤدي بدوره إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية بالمنطقة وقلنا في حينه، أمريكا عائدة والإرهاب قادم.

قوة المرونة

عندما تستطيل الأحداث على كثير من الزمن تكثر معها الذكريات والمراجعات. نعم قد يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مدخلا جديدا بالتعبير الرمزي عن جملة أهداف بحركة أو نقلة واحدة . هذه هي مرونة القوة أو قوة المرونة التي لا يجب إنكارها . هي فرصة للظهور أمام الرأي العام بأن رئيس أقوى دولة في العالم يزور جنوده بأعياد الميلاد في قواعدهم العسكرية عند مستعمراتهم . لكن ذلك لا يمنع من السؤال لماذا أختار قاعدة عين الأسد الأمريكية غرب العراق المتاخمة  لشرق سوريا في ظل قراره الانسحاب من سوريا . وهنا نشير إلى مقالنا قبل سنوات لموقع الجزيرة مباشر ممكن الرجوع إليه تحت عنوان ( العراق وسوريا الصفقة واحدة ) . أي لا انسحاب من العراق ولا انسحاب من سوريا.

يثير الانتباه أيضا أن البرلمان العراقي اليوم يضم بين بيادقه من يتخيل نفسه ذلك ( الهِر ) المشار إليه في بيت الشعر أعلاه . وينوي ذلك البيدق أن يخرج القوات الأمريكية من قواعدها في العراق وهو العاجز وأمثاله وحكومته من توفير الماء والكهرباء والطرق وما شاء الله من أشياء ابتلي بها العراقيون به وبأمثاله.

الأسف على انتهاك السيادة

المصفقون للاحتلال الأمريكي منذ بدايته عام ٢٠٠٣ والذين تقلدوا مناصب الدولة بالقرار الأمريكي لا يحق لهم الكلام. والمشرعون للإملاءات الأمريكية هم المطلوبون أولا للمحاكمة على جرائم الخيانة . ورب سائل يسأل أين كان الكثير ممن يدعون الأسف على انتهاك السيادة بزيارة الرئيس الأمريكي للقاعدة الأمريكية بالعراق وهم أنفسهم من وقـَع مع الطرف الأمريكي اتفاقية الإهانة والإذعان على بقاء هذه القواعد أو على إنشائها أصلا .

قراءة بسيطة لفكرة سيادة الأنظمة العميلة تؤكد حرص العملاء على قواعد الجيوش العظمى في بلدانهم أكثر من حرص الدول العظمى نفسها استنادا إلى فكرة الحماية التي تأتي بطريقين لا ثالث لهما . الطريق الأول بامتلاك جيوش وقوات نظامية وطنية قادرة على حماية السلطة والبلد . وهذا ما فقده العراق بالاحتلال . فكان البديل ميليشيات وعشائر وطوائف ومع هذه التشكيلات المنتنة فلا أمن ولا أمان . فيصار إلى الطريق الثاني وهو الحماية بطريق التحالفات والمعاهدات المذِلة غير المتكافئة . ويا لها من مشكلة أعمق وأخطر . فكيف بالعراق الذي تعلق أمنه وسيادته بطرفي معادلة كلاهما مرٌ وحنظل .

حسنا جاءت زيارة دونالد ترمب للعراق ومغادرته دون علم أحد إلا جنوده ليعلم أهل الدار بأنهم مازالوا تحت الاحتلال ومفهوم السيادة لا يليق بالعملاء الفاسدين .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه