العراق: اللعبة لم تنته بعد

ولعل صورة من صور ذلك واضحة من خلال قرار رئيس الوزراء العراقي قبل أيام، المتضمن دمج تشكيل الحشد الشعبي المؤسَس من قبل المرجعية الدينية في النجف وبالمباركة والدعم الإيراني للجيش

 

ذلك هو عنوان جوابي لمقولة خلدت مع تاريخ فارق من حياة أمة: “اللعبة انتهت” حين قالها الدكتور محمد الدوري مندوب العراق في الأمم المتحدة يوم دخول القوات الأمريكية إلى بغداد عام 2003م.

نعتقد أن اللعبة الكبرى بدأت منذ ذلك التاريخ حيث أصبح العراق قاعدة الانطلاق الأمريكية لتغيير اتجاهات السياسة العالمية المصحوب بالتغييرات الاستراتيجية على جميع المستويات منها: الاقتصادية والاجتماعية والكثير من المفاهيم على مستوى العلاقات الدولية والنظام العالمي عموما.

لم يعد العراق وحده دائرة الحدث لكنه قطعا يمثل قطب الرحى في تشكيل الأحداث من حوله إقليميا ودوليا ولعل هذا الأمر محسوب ومتطلب في عقائد الدول الكبرى القادرة على التغيير.

هنا تُستدعى حتما كل الملفات المعروضة للتشريح. فلم يعد الخليج العربي في بحبوحة الأمن التي كان ينشدها من موقفه المؤيد لأمريكا في موضوع احتلال العراق، بعد أن وجدت دول الخليج العربي نفسها اليوم ليست أكثر من محطة تمويل الجهد الأمريكي المفتوحة شهيته لالتهام كل ما يصادفه في طريق مشروعة الإمبراطوري. ولم تعد أمريكا محتاجة لذرائع كثيرة لأجل انتزاع أموال الخليج ممثلة بالنموذج السعودي القابل لتأدية فروض الطاعة والتسديد بمجرد مكالمة هاتفية، كما جسد ذلك تصرف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب برسائله المعلنة تجاه المملكة العربية السعودية وفي مناسبات كثيرة.

لا يعني ايران وحدها:

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية مقدار الاستجابة السعودية لمطالبها خصوصا مع وضوح معادلة القوة لصالح أمريكا التي يرى رئيسها ترمب أن الجلوس على العرش السعودي منوط بالقرار والإرادة الأمريكية، وهو ما لم يخفه الرئيس الأمريكي. وما لم ينكره النظام الحاكم في السعودية.

من منظور هشاشة، بل فقدان الإرادة السياسية، لبعض الحكام في الدول العربية التي يفترض أنها ممثلة لمن حولها، يمكن النظر إلى تفسير ما هو واقع على الأرض وقراءة وتحليل ما هو مستقبلي متوقع.

ليس استعراضا قطعا ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من الدفع العسكري لقطعاتها الحربية من بوارج ومنظومات صاروخية وجهد استخباراتي إلى المنطقة العربية والشرق الأوسط. والأمر حتما لا يعني إيران وحدها بل ممكن أن تكون إيران آخر القضية على افتراض قراءة تاريخ الجدلية المطاطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية الممتدة إلى عهود الأنظمة التي سبقت نظام حكم الخمينية وامتداداتها.

لا مؤشرات على الأرض تقول بانتهاء اللعبة. وسياسة الدوامات والعواصف الموسمية تلف المنطقة العربية. ويبدو أيضا أن القادرين على التواجد على مربع اللعبة هم الأطراف الدولية التي تدربت على المرونة والبراغماتية السياسية.

صحيح أن المعلن هو في جزء منه متمثل بالصراع السعودي الإيراني. ولكن يبقى السؤال يدور حتما حول الساحة الأكثر تهديدا لذلك الصراع خصوصا مع وجود المعادل الأمريكي الذي يمسك بزمام أطراف ذلك الصراع.

نعتقد أن الساحة العراقية الوحيدة المتقبلة كأرضية لذلك الصراع لوجود جميع المشتركاتـ جغرافياً وسياسياً ومجتمعياً. وهي حلقة وممر الربط بالملفات الأخرى الساخنة والفاترة منها الممثلة بسوريا وتركيا.

في علم السياسة يتداول مصطلح الذهنية الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي باعتبارهما يشكلان جزءا من القوة المتغيرة للدول. ومن خلالهما يمكن الاستمرار والمطاولة للبقاء تحت أصعب الظروف التي تختل فيها موازين القوة. لذلك يسأل الكثير من المراقبين لماذا ظهر محور الاتفاق التركي الإيراني لتسوية بعض المواقف ولم يتشكل الاتفاق بين السعودية وتركيا مثلا؟ مع أن المشتركات التاريخية والتطلعات المستقبلية يفترض أنها دائما في حالة من التوازي والتكامل وليس التقاطع بما نشهده اليوم. ولماذا تغيب أو تتعطل الذهنية والتخطيط الاستراتيجي لأخطر مرحلة من مراحل الصراع التي تتطلب الخطوات الأكثر جرأة.

دمج الحشد الشعبي في الجيش:

الكثير يرى أن بقاء القرار العربي والخليجي يدور في فلك الاتفاقيات الأمنية واتفاقيات الحماية الأمريكية لوجود وبقاء الأنظمة، هو ما أوصل العرب إلى مرحلة الاستجابة والطاعة للرغبة الأمريكية. وذلك ما بدا واضحا من خلال التوسل العربي المشفوع بالعطاء المالي للولايات المتحدة الأمريكية للمساعدة في تأديب إيران. ومحاربة أي إصلاح سياسي داخل تركيا وتهديدها داخليا وخارجيا من خلال المال العربي بقيادة السعودية والإمارات.

لكل ذلك تبقى اللعبة مستمرة ويبقى الصراع مفتوحا وتبقى عوامل إنتاجه وتغذيته قائمة. ولعل صورة من صور ذلك واضحة من خلال قرار رئيس الوزراء العراقي قبل أيام، المتضمن دمج تشكيل الحشد الشعبي المؤسَس من قبل المرجعية الدينية في النجف وبالمباركة والدعم الإيراني وضمه إلى الجيش العراقي. هذا الأمر الذي كان الكثير يتوقع أنه سيغضب أمريكا باعتبار التغطية على ميليشيا تدين لإيران تحت مظلة الجيش العراقي. فيما كانت أطراف أخرى تتوقع العكس على اعتبار أن ضم الحشد الشعبي إلى الجيش العراقي سيفقد إيران ذراعا مهمة لها داخل العراق مع مؤشرات لصدام أمريكي إيراني.

هنا مقصد القول الذي تتضح رؤيته يوما بعد آخر وهو أن طبيعة الصراع لا تجعل من إيران الطرف الحقيقي له. وليس هناك ما يثير الولايات المتحدة استراتيجيا تجاه إيران بقدر نظرة أمريكا لحماية مصالحها وأمنها. وبالنتيجة أمن إسرائيل الذي يمر عبر البوابة العربية، وضرورة إخضاع الجغرافيا العربية للاحتلال، وفي أحسن الأحوال ربط المنظومة العربية بمعاهدات الإذعان والإذلال غير المتكافئة.

الحرب مستمرة:

ولذلك لا نهاية قريبة لإنهاء عوامل الصراع وأدواته. وسيبقى ملف الحرب على الإرهاب قائما حتى نهاية اللعبة ولذلك نجد اليوم انطلاق عمليّة جديدة في المناطق الصحراوية الحدودية بين العراق وسوريا. تقوم بها القوات العراقية بمشاركة الحشد الشعبي (غير المنحل)! وبدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة أمريكا مما يقال عن خلايا نائمة محتملة لمسلحين جهاديين يسعون إلى استخدام المنطقة لاستعادة هيكليتهم في المناطق المحصورة بين محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار على الحدود الدولية العراقية -السورية. علما أن العراق وأمريكا أعلنا نهاية عام 2017 تحقيق النصر النهائي على الإرهاب. وفي 2018 منعطفا على العام 2019 كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت قضاءها على الإرهاب في سوريا. الأمر الذي يدفع للقول بأن (اللعبة لم تنته بعد) والحرب مستمرة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه