الصور المزيفة والزفة الكاذبة لن تطيل عمر النظام!

 

يبدو أن الحشد المصنوع للديكتاتور والحاكم بأمره في مصر، حين وصوله –رغم أنه كان غير معروف- لم ينهِ الغضب الشعب المتصاعد، فما كان من أجهزة السيسي إلا أن تصنع مشهدا أكثر جدية، فحشدوا مجددا في طريق المنصة وفى ميدان هشام بركات (رابعة العدوية سابقا).

جاءت هذه الحشود من كل أنحاء مصر عن طريق المؤسسات والشركات وأعضاء مجلس النواب، وهى حشود مدفوعة الأجر، نقلا وطعاما.

وبدا الحشد هزيلا فلجأت الأجهزة إلى حشد دفعات من المجندين وطلبة الكليات العسكرية لتحاول استكمال الصورة المزيفة ولم تفلح، فجاء الحشد ضعيفا بالمقارنة بالحشود الاحتجاجية ضد السيسي في يوم الجمعة السابق لجمعة الحشد المصنوع.

إعلام السيسي يستكمل الصورة المزيفة

كان إعلام النظام في حاجة إلى لقطة مثل التي تم صناعتها على عجل، من أجل إظهار تأييد الشعب للسيسي وليضخم هذه اللقطة ويتغنى بها ويقنع النظام أنه خادم مطيع ومهلل جيد وبوق عظيم.

ولكنه لا يدري أنه بهذه المبالغة في وصف الصورة يؤكد الهزة العنيفة التي أصابت النظام منذ ظهور مقاطع فيديو محمد علي؛ تلك الهزة التي لن يفيد النظام عشرات التظاهرات مثلها لإزالتها، ولا تتعجب حين يصنع النظام مثل هذه الحيل فأنت في العالم الثالث وفى عالم الديكتاتورية.

هذه الأنظمة فقط في العالم هي التي تفسح المجال لدهس القانون من أجل تظاهرات تأييد النظام، بينما وجدت التظاهرات من أجل احتجاجات المعارضين. جاءت أفراح مذيعي السيسي على شاشات مصر المؤممة لصالح النظام لتقدم الدليل على حجم الغضب في صدور المصريين وعمق الأزمة التي يواجهها السيسي وأجهزته.

مظاهرات جمعة الخلاص والطرق المغلقة

وبينما اُفسحت الطرق للمظاهرات المؤيدة للسيسي إلى المنصة (المكان الذي اغتيل فيه السادات) أغلقت كل المنافذ والطرق المؤدية إلى ميادين الثورة المصرية على امتداد مصر كلها. فقد حوصر ميدان التحرير بـ٧٦ نقطة أمنية ووضعت الحواجز في مداخل ميادين التحرير والسويس والإسكندرية والمنصورة. وهي المدن التي شهدت مظاهرات يوم الجمعة السابق. وحام الثوار حول الميادين وفى الشوارع الفرعية فرادى في انتظار لحظة قد تأتي من أجل الانتفاضة. لكن القبضة الأمنية الشديدة وعدد الأكمنة حال دون تظاهر المصريين في الميادين. واعتقلت الشرطة كل من شكت في توجهه السياسي.

الصعيد يغير المعادلة وينضم للمتظاهرين

رغم أن الاحتجاجات التي شهدتها جمعة الخلاص من ديكتاتور ترمب المفضل وقائده العظيم، لم تكن على قدر حجم الغضب ولا التوقعات فإن المفاجأة الكبرى هي هذا الظهور المفاجئ للاحتجاج في الصعيد، ما يؤكد أن المشوار لم ينته.

إن قيمة المشهد الذى خرج في أسوان بأبنائها الطيبين (الذين لم يغضبوا من قبل)، وهم يتحركون بالبوص والنخيل ويهتفون (ارحل يا بلحة)، و(ارحل يا سيسي)، وهذا الخروج في الأقصر وسوهاج وقنا مهما كان حجمه، قيمة المشهد هي تأكيد أن العد التنازلي لنظام أغلق منافذ التعبير والحرية والعدالة والكرامة قد بدأ.

سبتمبر جديد فهل يعقبه أكتوبر آخر؟

شهد الأسبوع الذي سبق تظاهرات جمعه الخلاص اعتقال حوالي ألفي مواطن من كافه الاتجاهات السياسية في مصر حتى امتلأت النيابات والمحاكم بهم. وكانت التهم الموجهة إلى الجميع هي التظاهر بلا تصريح والانضمام إلى جماعة محظورة والمشاركة في نشر أفكارها. وكأن جميع المصريين أصبحوا يشاركون الإخوان أفكارهم وأصبحوا أعضاء في الجماعة. هكذا جاء سبتمبر/أيلول ليعيد إلى ذاكرة المصريين ذكريات سبتمبر/أيلول ١٩٨١ الذى اعتقل فيه الرئيس الأسبق أنور السادات ممثلي كل أطياف الشعب، وبلغ عدد المعتقلين ١٤٤٠ معتقلا سياسيا. هذه الاعتقالات التي أعقبها أكتوبر/تشرين الأول فكان حادث المنصة الذي أودى بحياة السادات وسط احتفاله بالنصر وبين جنوده والجيش الذي كان هو قائده الاعلى.

 فهل تشهد مصر “أكتوبر” آخر بعد أن شهدت “سبتمبر” شبيها بسبتمبر ١٩٨١؟ المؤكد أن خريف الغضب على السيسي ونظامه قد بلغ أعلى درجاته؛ لذا فإن آمال المصريين في الحرية والعدالة والكرامة تتزايد على خلفية ازدياد فساد واستبداد النظام

ولا تزال آفاق الخلاص تتسع

كان حجم التطلعات كبيرا لدى قطاع كبير من المصريين ليله الجمعة الماضية رغم كل الانتهاكات التي تعرض لها الشعب وعدد المعتقلين خاصة بعد مظاهرات الجمعة السابقة، واستمرار التظاهر في مدن عدة خلال نفس الأسبوع، إضافة إلى خداع أجهزة الأمن للشعب وبعد عدة تصريحات مبهمة لوزير الدفاع فسرها كل جانب لصالحه ولكنها كانت لصالح النظام. وبعد أن انكشفت الأمور صبيحة جمعة الخلاص حينما أحكم النظام إغلاق كل المنافذ أمام التعبير عن الاحتجاجات، انتشر يأس سريع بين الحالمين بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة وكأن الثورة يوم واحد ويمضي، وكأن نظاما بهذا الحجم من الفساد والاستبداد وتشابك المصالح يسهل إسقاطه ببساطة.

إن من زين للمصريين هذا هو التفسير غير المؤكد بأن بعض أجهزة النظام مع الثورة، وأنه انقلاب قصر ناعم. وللأسف فإن القوى السياسية حامت حول هذا التفسير. بينما غاب التنظيم الحقيقي للثورة في غياب قوى شبابية كشباب ٦ أبريل أو الألتراس أو شباب التيار الشعبي أو مصر القوية والدستور.
إن غياب التنظيم ووحدة هؤلاء جميعا تحت قيادة موحدة تقود التظاهرات وتحدد أماكنها وتجد بدائل للحركة هو أهم أسباب إخفاقنا في جمعة الخلاص.

ورغم ذلك فإن المظاهر المزيفة التي صنعها النظام، واختفاء القيادة الثورية لا يعنى مطلقا أن الأيام القادمة ستشهد خفوتا في مظاهرات الغضب المتزايدة، وعلى القوى الشبابية تكوين تنظيم يقود التظاهرات ويضع خططا وحلولا لأي عائق يواجه استمرار الاحتجاجات والمظاهرات حتى رحيل ديكتاتور ترمب المفضل وتابع نتنياهو.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه