الصحوات

نحن بحاجة “للصحوات” لكن ليس على أيدٍ أمريكية، ولا بدعم خارجي.. إنّنا بحاجة لصحوة ذاتية داخلية تأتي على هيئة حرب ضدّ الظلم والمفاهيم التي عششت في نفوسنا

 

أن تصحو فجأة على الكارثة التي تعيش وسطها وتحاول التغيير أمرٌ يحدث دائماً في تاريخ الشعوب التي تتعرّض للإبادة من قِبَلِ الدول القوية عامة وأمريكا خاصة. ولابدّ للشعوب المستضعفة من صحوة تخرجها من جحيم الإبادة العرقية التي ابتدعت أعنف أساليبها النازية الألمانية في الهولوكوست، وكذلك السوفييتية الستالينية، ولم تكن أمريكا أقلّ عنفاً منهما في معاملتها للشعوب المستضعفة وأولها الهنود الحمر والأفارقة. لكنّ الغريب أن تقوم أمريكا نفسها باختراع مصطلح “الصحوة” وإطلاقه على مجموعة من المقاتلين درّبتهم في العراق.. فإن كانت “الصحوة” لغوياً تعني “الوثبة واليقظة” فقد وثب هؤلاء بإرادة أمريكية وتخطيط أمريكي لإعادة الأمور إلى نصابها، بدل أن يكون دافعهم ذاتياً فرضته ظروف الحرب التي تمرُّ بالبلاد.

الصحوات العنصرية:

عندما تدفق المهاجرون الأوربيون عبر السفن البريطانية إلى العالم الجديد بحثاً عن الذهب وفرص الثراء فوجئوا بأصحاب الأرض فاستيقظ في داخلهم الحس العنصري مدفوعاً برغبة الحصول على الثروة فشكّلوا صحواتهم القتالية العنصرية مستهدفة سكّان البلاد الأصليين من الهنود الحمر ما أدّى إلى إبادتهم في موطنهم الذي سمي بالولايات المتحدة وكندا فيما بعد، كما تشكّلت عصابات النخاسة التي تاجرت بالأفارقة واستعبدتهم. تلك العنصرية البغيضة تحلّت وتزيّنت بمفاهيم تقرّبها من المجتمع الأمريكي وتجعلها مستساغة ومفهومة ومن ثمّ مرغوبة وحولتها إلى حقوق مكتسبة للأمريكي الأبيض الفاتح والمتفوق، وليست العنصرية النازية ببعيدة عن المفهوم الصحوي الأمريكي فهي أيضاً ولهدف مختلف “نقاء العرق” سعت إلى إبادة شعوب بطرق سادية، وإذا طبّقنا ذلك على المجتمعات الغربية نجد هذا المفهوم متداول ومستخدم في جميع الدول تقريباً في علاقاتها مع الآخر “الأضعف، المُسْتَعمَر، الجار الجاهل، المناطق الغنية التي يسكنها شعب فقير”. بهذه المبررات وجدت أمريكا لنفسها موطئ قدم في كلّ دول العالم، منحت لنفسها الحق في الاحتلال المباشر لفيتنام واليابان وآخر الاحتلالات كان في العراق وجزء من سوريا حالياً.

الصحوات القومية:

على سبيل المثال لا الحصر عاش الأكراد في الدولة السورية كمكون من المجتمع السوري، لكنّ النظام السوري لم يعطهم حقوق المواطنة كاملة، وكانوا دائماً ينزعون لإقامة دولة كردية مستقلة وتبدى ذلك بشكل واضح عند الأكراد الذي يعيشون في الأراضي التركية.

حرص الأكراد في ظروف الحرب السورية على استغلال الوضع الراهن بتشكيل “صحوات” أحزاب قومية تحت عدّة مسميات والتسلّح بحجة محاربة النّظام السّوري والهدف الاستقلال عن الدّولة وتشكيل دولة خاصة وأيضاً كانت تلك الصحوات برعاية وحماية أمريكا بشكل مباشر.

لا يمكن أن تكون الحرب والرغبة في تشكيل دولة مبرراً بأيّ حال لما فعلته تلك الصحوات في الأراضي السورية من تهجير وقتل للعرب في القرى الواقعة حول المدن السورية التي غالبية سكّانها من القومية الكردية. لكنّ “الصحوات” وجدوا مبرراً لتلك الحملات وقاموا بها تحت شعارات استقطبت الأكراد ولم تجد من يدينها سوى قلة من المثقفين الحيادين والمتنورين. هؤلاء الذين خرجوا منذ بداية الثورة ضدّ النظام السوري فقط، وقد تمّ تصفية معظمهم وأولهم مشعل تمو.

الصحوات الدينية:

تشكلت في بداية الثورة السورية كتائب مثل “كتيبة الفاروق” معظم أفرادها انشقّ عن جيش النّظام وقامت بمحاربته، ثمّ ظهرت بعد ذلك الفصائل الإسلامية “النصرة والأحرار وتنظيم الدولة “داعش” تلك الفصائل لم تكن مهمتها قتال النظام السوري بل قتال الكتائب الحرّة المنشقة عن الجيش النظامي وأطلقوا عليها لقب “الصحوات” ليلصقوا بها تهمة العمالة لأمريكا. كان من الواضح منذ البداية أنّ معظم تلك الفصائل صنيعة النظام السوري لأنّها لم تدخل معركة حقيقية واحدة معه وتنتصر فيها! كما أنّها التفتت لقتال أعدائه من “الصحوات” أو ما سمي بالجيش الحر بكافة كتائبه. وليست سوريا بعيدة عن السيناريو العراقي فقد قامت داعش التي صنفها الغرب والأمريكان “منظمة إرهابية” والتي ضمّت في صفوفها عناصر من دول العالم قاطبة بحملات عسكرية لقتل واعتقال عناصر الجيش الحر والإعلاميين الأحرار. وكانت داعش تحارب هؤلاء بعد اتهامهم بالتّعاون مع النظام وقتالها وقد قامت بفبركة فيديوهات انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لقائد الكتائب يعترف فيه أنّه عميل لفرنسا!

وصْف كتائب الجيش الحر بالصحوات كان تيمناً بـ”قوات الصحوات العراقية التي تشكّلت عام 2005 كي تساعد السلطة في قتال عناصر القاعدة.

وقد خرج الظواهري ليقول إنّ أمريكا تريد أن تفعل بالشام كما فعلت بالعراق وإنّه سيدمر تلك الصحوات بإذن الله.

يقول “أرون زيلين” الخبير والباحث الأمريكي (إنّ الجهاديين قد تعلموا من أخطائهم في العراق خاصة الاستخدام المفرط للعنف واستهداف المسلمين السنة ومحاولة تطبيق الشريعة بأضيق تفسيراتها.).

لقد كسبت جبهة النصرة في بداياتها تعاطف الناس في مناطق سيطرتها وكانوا يرون أنّها نزيهة ولم تأتِ بهدف السرقة والنهب، لكن ذلك لم يستمر طويلا خاصة بعد التدخل في حياة المدنيين وحوادث اعتقال ناشطين وتطبيق حد القتل على بعض النساء بتهم غير ثابتة كحادثة اعتقال وإعدام سيدة في سراقب بتهمة امتهانها للشعوذة.

وربّما يكون التداخل في ساحات القتال ضدّ النّظام بالإضافة إلى مستوى التسليح المتكافئ سبباً مباشراً في عدم انتصار الكتائب “الصحوية” على الجهاديين واستمرار الوضع على حاله بل تأزمه كلّما طال زمن الصّراع.

نحن بحاجة “للصحوات” لكن ليس على أيدٍ أمريكية، ولا بدعم خارجي.. إنّنا بحاجة لصحوة ذاتية داخلية تأتي على هيئة حرب ضدّ الظلم والمفاهيم التي عششت في نفوسنا ما يقرب من خمسين عاماً.

 هذا الخراب العظيم يحتاج إلى صحوة عظيمة ونقية تنطلق من مفاهيم وطنية بحتة.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه