الصحافة المصرية..”الماشطة والوجه العكر”

حين أنكر نقيب الصحفيين الموالي للإنقلاب إغلاق صحيفة الحرية والعدالة اليومية بعد أيام قليلة من وقوع الإنقلاب، اصطحبته في زيارة ميدانية لمقر الصحيفة في منطقة المنيل

 

قالت العرب قديما “إيش تعمل الماشطة في الوجه العكر” ويقصدون بذلك أن الماشطة مهما حاولت تزيين الوجه العكر فلن تستطيع إخفاء “عكاره”، شيء من هذا يحدث مع الصحافة المصرية التي تعيش أسوأ وأسود أيامها حتى صنفتها تقارير المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة ضمن الأكثر عرضة للانتهاك والقمع، ووضعت مصر بسبب ذلك في المنطقة المظلمة أو السوداء التي تضم الدول الأكثر قمعا لحرية الصحافة.

لم تكن واقعة اعتقال صحفي من موقع مدى مصر الإخباري المستقل لمدة يومين ثم اقتحام مقر الموقع واحتجاز رئيس تحريره وصحفيين آخرين لبضع ساعات في أحد أقسام الشرطة قبل الإفراج عنهم جميعا تحت ضغوط دولية مكثفة هي الواقعة الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة في ظل نظام عبد الفتاح السيسي الذي أظهر عداءه الصريح للصحافة والإعلام منذ اللحظات الأولى لإعلان بيانه للانقلاب يوم 3 يوليو 2013 حيث كانت أولى خطواته العملية هي مداهمة مقار ومكاتب عدة قنوات موالية للرئيس المدني الراحل محمد مرسي واعتقال أطقمها، وقطع البث عنها ، وإغلاقها حتى هذه اللحظة، كما استمرت المداهمات والاعتقالات للصحفيين والمصورين بعد ذلك.

انكار النقيب

لم يقتصر الأمر على الاعتقالات والإغلاقات بل وصل إلى قتل عشرة صحفيين أثناء ممارستهم لعملهم المهني في عدة جرائم متفرقة خلال عامين فقط (2013-2015) أربعة منهم خلال  فض اعتصام رابعة يوم 14 أغسطس 2013، وهي الجرائم التي صمتت عنها منظمات حقوق الإنسان المصرية وتبعتها نظيراتها الدولية في ذلك الوقت بسبب (شهر العسل) الذي كانت تعيشه تلك المنظمات مع النظام الانقلابي الجديد، بل وصل الأمر بنقيب الصحفيين في ذلك الوقت وهو أيضا ذاته النقيب الحالي ضياء رشوان لتبرير قمع حرية الصحافة وإغلاق القنوات والصحف بأنه مجرد إجراء احترازي مؤقت لن يطول، وها هو قد طال حتى هذه اللحظة

حين أنكر نقيب الصحفيين الموالي للانقلاب إغلاق صحيفة الحرية والعدالة اليومية بعد أيام قليلة من وقوع الانقلاب، اصطحبته في زيارة ميدانية لمقر الصحيفة في منطقة المنيل، وجاء رشوان متبوعا بعدد من مندوبي الصحف قاصدا إحراجي ( كان يعتقد أن المقر مفتوح وأن ما يقال عن إغلاقه هو مجرد دعايات إخوانية) فإذ به يفاجأ بأن الموقع مغلق فعلا، وقد حرصت على تصويره أمام الشمع الذي أغلق به باب المقر، ومع ذلك راح ينتحل الأعذار للنظام الجديد، مدعيا أنها إجراءات مؤقتة!!.

ركزت السلطات الأمنية خلال العامين الأولين في قمعها على قنوات وصحف التيار الإسلامي المناهض للانقلاب، وخلال تلك المدة كانت القنوات والصحف الأخرى بما فيها المصنفة (ليبرالية أو يسارية) لا تزال في شهر العسل مع النظام الجديد، وكانت إداراتها وصحفيوها غير مبالين بما يحدث مع زملائهم الذين أغلقت قنواتهم وصحفهم، أو تم الزج بهم في السجون، بل كانت بعض الصحف والقنوات وبعض الصحفيين والإعلاميين يبررون ذلك القمع لزملائهم، غير مدركين أنهم سيتعرضون للمصير ذاته في وقت لاحق، ورغم أن رزاز القمع طال بعض غير المنتمين للإخوان أو حتى المتعاطفين معهم منذ السنة الأولى مثل مقتل الصحفي تامر عبد الرؤوف من صحيفة الأهرام، ومقتل الصحفية ميادة أشرف من صحيفة الدستور، إلا أن المتيمين بالنظام الجديد اعتبروا ذلك حوادث عارضة، وواصلوا دعمهم لحرب النظام ضد حرية الصحافة.

يأكل حلفاءه

ما أن شعر النظام أنه أجهز على صحافة التيار الإسلامي المناهض له حتى استدار على حلفائه من الليبراليين واليساريين، وعلى المواقع المستقلة مثل مصر العربية التي تعرضت للمداهمة أكثر من مرة، وتم اعتقال رئيس تحريرها، وبعض محرريها، كما تم إغلاق صحيفة البداية التي رأس تحريرها رئيس لجنة الحريات السابق بنقابة الصحفيين خالد البلشي، وتم إغلاق موقع يقين الإخباري المستقل، وتعرضت صحف المصري اليوم والوطن والمشهد للمصادرة أكثر من مرة، ثم كانت الموجة الأكبر في تأميم القنوات والصحف والمواقع المصنفة (ليبرالية) وضمها للمخابرات الحربية تحت لافتات شركات مدنية، والتخلص من غالبية الوجوه الإعلامية المشهورة والتي كانت من أكبر داعمي السيسي غير أنها تشعر ( حتى ولو لم تعلن) بأنها صاحبة فضل عليه، لينطبق عليهم جميعا المثل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض).

القبضة الحديدية على وسائل الإعلام أفقدتها جمهورها من القراء والمتابعين الذين انصرفوا إلى قنوات المعارضة والقنوات العالمية الأخرى، ورغم أن الممسكين بالملف الإعلامي حققوا للسيسي رغبته في فرض هيمنة السلطة بشكل تام على وسائل الإعلام كما كان الحال في الستينيات، إلا أن النتائج العكسية لذلك من انصراف الجمهور إلى قنوات المعارضة وفقدان الثقة تماما في كل المنابر الإعلامية المحلية دفع السلطة للسعي لتجميل الصورة ولو بطريقة سطحية مثل السماح بعودة بعض الإعلاميين الممنوعين ولو على قنوات غير مصرية، ومثل سحب ملف الإعلام من يد عباس كامل رئيس المخابرات العامة ومن قبلها “الحربية”، وإخلاء سبيل بعض الصحفيين المعتقلين، واستدعاء رجال الأعمال من ملاك القنوات التي هيمنت عليها المخابرات لإعادة شراء قنواتهم أو حصص كبيرة منها والعودة لإدارتها بهدف تحسين أدائها، واستعادة الجمهور المتفلت منها، ولكن مجددا “ماذا تفعل الماشطة في الوجه العكر؟!”

تصريحات بومبيو

الإدانات الدولية المتصاعدة ضد انتهاكات النظام المصري لحرية الصحافة، والتي تجسدت مؤخرا في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيو ومعه رئيس شعبة الاستخبارات في الكونغرس، وأيضا ما شهدته أروقة الأمم المتحدة قبل أيام أثناء مراجعة ملف حقوق الإنسان في مصر، والبيانات التي أصدرتها المنظمات العالمية الكبرى مثل هيومن رايتس وأمنستي وغيرها تؤكد أن جرائم النظام المصري بحق الصحافة أصبحت فوق احتمال حلفائه الدوليين الذين ساندوه في “ساعة العسرة”، ولكن النظام الغبي “كلما أراد أن يكحلها أعماها” فكل جهودة لتجميل الصورة تنهار سريعا مع اعتقال صحفي أو مداهمة موقع إخباري، أو وقف برنامج أو منع كاتب.. وهكذا فإن الله لا يصلح عمل المفسدين.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه