الصحافة الرياضية تحت حكم العسكر

 

في ظل حكم العسكر، تأتينا الأخبار من مصر، كئيبة، محبطة، داعية إلى اليأس، فاقدة للأمل في أي إصلاح يمكن أن يحدث على المدى المنظور، لكن أكثر ما يؤلم ويحز في النفس، هو الحال الذي آلت إليه أوضاع الصحفية المصرية عموما، والرياضية خصوصا.

 سبع سنوات عجاف لم تنقض بعد، منذ وقع انقلاب 2013 ووقعت فيه مصر تحت حكم العسكر، والصحافة الرياضية تعيش فترة هي الأسوأ والأحلك في تاريخها، كان من نتيجتها أن تحول العشرات وربما المئات من الصحفيين والنقاد الرياضيين إلى العمل في مهن أخرى غير مهنتهم الأصلية، حيث أغلقت في وجوههم أبواب العمل وانسدت أمامهم سبل الرزق، بتوقف جميع الصحف والمجلات الرياضية الخاصة وغلق معظم المواقع الإلكترونية.  

نعم طال الضرر الصحافة المصرية عامة وليست الرياضية خاصة، لكني أخص الصحافة الرياضية بالذكر لأنها الأكثر تضررا وتدهورا، وباعتبارها مهنتي التي أعمل بها قرابة الثلاثين عاما، ولا زلت مشغولا بأحوالها، مهموما بأوضاعها، تربطني بجميع العاملين فيها علاقات ود وأخوة، تسمح لنا بالفضفضة وتبادل شؤوننا الخاصة، وهو ما أتاح لي أن أطلع على العديد من الأوضاع المأساوية التي وصل إليها حال الصحافة والصحفيين.

المهنة تحتضر

الأخبار المتواترة والحكايات التي أسمعها من أصدقائي الثقات تدفعني للقول بيقين أن مهنة الصحافة الرياضية باتت على وشك الاحتضار والموت، بل لا أبالغ بالقول إنها ماتت إكلينيكيا، وتنتظر فقط لحظة إعلان الوفاة والتشييع إلى مثواها الأخير.

فالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر منذ الانقلاب تسببت في توقف كل الصحف والمجلات الرياضية الخاصة التي كانت تصدر من قبل، مثل “القمة” و”الهدف” و”الفرسان” و”نجم الجماهير” و”الأهلوية” و”الزملكوية” و”الأهلي اليوم” و”الاستاد”، وغيرها من الصحف والمجلات التي كانت تثري مجال الإعلام الرياضي وتمثل مصدر رزق مهم للصحفيين والنقاد. فبعد الانقلاب وتعويم الجنيه لم يعد مالكو هذه الجرائد والمجلات قادرين على مواجهة ارتفاع تكاليف الطباعة التي تضاعفت خمس مرات عما كانت عليه من قبل، وعلى الرغم من أن الرواتب والمكافأت التي كانت تمنحها هذه الصحف للعاملين فيها والمتعاونين معها ليست بالكبيرة التي تغني صاحبها عن العمل في أماكن أخرى، إلا أنها كانت تسهم بشكل أو بأخر في تصريف بعض متطلبات الحياة، خاصة إذا ما عرفنا أن الصحفي كان يعمل بأكثر من جريدة في نفس الوقت.

الآن لم يعد في السوق المصري بحجمه الضخم وشعبه الكبير سوى خمس مجلات رياضية كلها تتبع مؤسسات كبيرة وهي “الأهرام الرياضي” التابعة لمؤسسة الأهرام، و”أخبار الرياضة” التابعة لمؤسسة أخبار اليوم، و”الكورة والملاعب” التابعة لمؤسسة دار التحرير، بالإضافة إلى مجلتي “الأهلي” و”الزمالك”، ولولا تبعية هذه المجلات لتلك المؤسسات لكان حالها من حال الصحف والمجلات الخاصة، وإذا ثارت الأمور على نفس وضعها الحالي لأصبح مصيرها هو نفس مصير المطبوعات الخاصة، بالتوقف عن الصدور وتسريح العاملين فيها، خاصة في ظل تراجع توزيعها لأرقام هزيلة، يجعل من استمرار صدورها عبئا ماليا ثقيلا على هذه المؤسسات، ويكفي للإشارة هنا جريدة مثل “أخبار الرياضة” التي كانت مبيعاتها قبل سنوات من الانقلاب تلامس المائة ألف نسخة، أصبحت الآن تبيع ثلاثة أو أربعة ألاف نسخة بالكاد.

العسكر يحتكر سوق الإعلانات

في السابق وقبل الانقلاب كانت الصحف والمجلات الرياضية تعوض خسائرها من التوزيع عن طريق الإعلانات التي كانت تجلبها، فحملة إعلانية لشركة واحدة لمدة ستة أو ثلاثة أشهر كفيلة بتغطية خسائر جريدة لسنة كاملة، وقبل الانقلاب كانت هناك سوقا مفتوحة أمام جميع الصحف والمجلات، الكل يناله حظ منها، أما الآن فالوضع أصبح مختلفا، بعد أن فرض العسكر قبضته على الإعلانات واحتكر سوقها لمصلحة قنواته الفضائية ومواقعه الإلكترونية، صحيح في السابق كانت مؤسسة الأهرام هي المحتكرة لسوق الإعلانات، إنما احتكار الأهرام كان للشركات الكبرى فقط، أما الشركات المتوسطة والصغرى، فقد كان مسموحا لها بالإعلان في الصحف والمجلات الأخرى، بما في ذلك الخاصة، وهو ما كان يسهم في وقوف تلك الصحف على أقدامها، أما الآن فالوضع اختلف وأصبح المحتكر لسوق الإعلانات شركة واحدة مملوكة لجهاز المخابرات هي شركة بريزينتيشن، فهي التي تسيطر وتحتكر سوق الإعلانات دون منافسة من أحد.

ومع العسكر لم يعد مسموحا لأي شركة كبيرة كانت أو صغيرة أن تعلن عن منتجها إلا عن طريق هذه الشركة، وبطبيعة الحال فإن كل الإعلانات تذهب للوسائل الإعلامية المملوكة للجيش فقط، سواء كانت قنوات فضائية أو صحف ورقية أو مواقع إلكترونية أو محطات إذاعية، حتى المؤسسات الصحفية الكبرى التي هي ملك الدولة لم يعد مسموحا للإعلان بها، وهو ما جعل خسائرها تتضاعف بشكل ينذر بتوقفها، خاصة إذا ما علمنا أن أرقام توزيع صحف كبرى مثل الأهرام والأخبار وصل لأرقام ضئيلة جدا ما بين 11 ألف نسخة إلى 25 ألفا، بعدما كان توزيع الواحدة منهما يصل لمئتي ألف نسخة يوميا.

المأساة الحقيقية

فصول المأساة لم تقف عند حد تراجع الأوضاع المادية للصحافة الرياضية في مصر، وإنما في افتقاد الصحفي أو الناقد التأثير في مجاله، فأكثر ما يؤلم الصحفي هو الشعور أن ما يقوله ليس له صدى عند الناس، فكما علمت من بعض الأصدقاء أن الغالبية العظمى من الناس لم تعد تهتم بما تكتبه الصحف والمجلات ولا المصادر مكترثة بما يكتب، فالكل يعلم أن الصحفي لم يعد يكتب بحريته، وهو إن لم يكن يملى عليه ما يكتبه، فهو لن يكتب الحقيقة خوفا من أن يغضب ذلك العسكر ويكون مصيره مصير المئات من الصحفيين القابعين تحت أقبية السجون.

الأذرع الإعلامية

من أهم الأهداف التي كان يتطلع إليها العسكر قبل الانقلاب أن يكون له أذرع إعلامية – راجع تسريبات السيسي قبل الانقلاب – وقد ظهر فيما بعد أن الرغبة في ذلك كانت جامحة لدرجة جعلت العسكر لا يكتفيون بأن يكون لهم أذرع إعلامية فحسب، بل في السيطرة التامة على الإعلام واحتكار كل وسائله، وكان من بين ذلك السيطرة على الإعلام الرياضي الذي جعلوه يخصص أكثر من قناة فضائية له مثل أون سبورت وتايم سبورت ودي إم سي سبورت، ولأجل قيام هذه القنوات وانتشارها كان طبيعيا أن يفسح لها المجال ويزيح من أمامها أية منافسين، حتى وإن كان المنافسون قنوات مملوكة للدولة مثل قناة النيل للرياضة، حيث لم يعد مسموحا لها إذاعة مباريات الكرة التي هي مصدر الجذب الأساسي للمشاهدين، فغير مسموح لها بإذاعة المباريات سواء كانت محلية أفريقية أو دولية، فكان من نتيجة ذلك أن انصرف الناس عن مشاهدتها، وأصبحت تلك القنوات كالكهوف المهجورة!

لكن الأهم من ذلك هو أن سيطرة العسكر على القنوات الرياضية، أدت إلى تشريد المئات من الصحفيين الرياضيين الذين يعملون لدى هذه القنوات معدين أو ضيوفا، بعد أن قاموا بوضع تسعيرة جديدة لأجور المعدين تقل لأكثر من النصف عما كانت تدفعه القنوات من قبل، كما تم تقليص أعداد العاملين بالقنوات إلى أقل من عشرة في المئة من نسبة الأعداد التي كانت تستوعبها أي قناة في السابق، فأصبح الصحفي الرياضي ما بين عاجز عن تدبير نفقات معيشته ومشرد لا يجد مكانا للعمل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه