الصادق المهدي في ذكرى مولد الإشارات الغيبية

لكن أغرب ما في شخصية الامام المهدي قدرته على التنبؤ بالأحداث، وقراءة المستقبل ومطالعة الأنجم

 

يتزامن عيد ميلاد رئيس حزب الأمة السوداني وزعيم كيان الأنصار  الإمام الصادق المهدي مع ذكرى أعياد ميلاد المسيح، وهو ينظر، بشكل خاص، لهذا التزامن من منطلقات غيبية، حين ظل يفتل على جديلة الخلق الاستثنائي في شخصيته، والتي تنطوي على قدر هائل من التسامح والاستشراف.

ولد الإمام الصادق المهدي يوم الأربعاء25 ديسمبر/ كانون الأول 1935 وقد بلغ من العمر (84) عاماً، منطلقاً من لحظة هبوطه الأولى على الأرض من إشارة سماوية، حيث يردد أهل بيته، بأن طائر القمري هبط على كتف جده السيد عبد الرحمن المهدي، مناغياً بصوتٍ عذب، كما لو أنه يبشر بمقدم الإمام، الذي أطل على الوجود بقدميه وليس برأسه مثل معظم بقية الأطفال.

الإشارات الغيبية

لتأكيد الإشارت الغيبية في حياة الإمام الصادق المهدي، ثمة رواية أخرى بأن امرأة من إقليم دارفور زعمت ولادة طفل مميز سوف يكون له شأن في ذلك اليوم وهى تتحدث إلى والدته (رحمة جاد الله) قبل أن تحمل به، إلى جانب رواية أخرى بأن ثمة ضيف غامض بثياب بيضاء حضر إلى الأسرة صباح مولده، وبشرهم بالقول ” الليلة عندكم ضيف”

وبعيداً عن التفاسير الموضوعية، فإن المهدية نفسها فكرة صوفية مثقلة بالتصورات الروحية، في بيئة شرقية خصبة لنمو الأساطير واجتذاب الأتباع والجيران، أو بالأحرى ليست استثناء، كما انتهى إليه الكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف في روايته المعلم ومرغريتا “عموماً ما من ديانة شرقية واحدة تخلو من عذراء عفيفة تلد قديساً” .

قداسة المواقف السياسية

كما يبدو كل الروايات المتناثرة حول مولد المهدي تحاول أن تسبغ عليه هالة استثنائية، حتى لا تنحسر الأضواء عنه، ويأخذ للأبد زعامة كيان الأنصار، فضلاً على أهمية منح مواقفه السياسية واجتهاداته في الحياة العامة قداسة وعِصمة من النقد، دون أن يفقد حظوظه في القيادة، كرجل حكيم وأمين على الأمة السودانية، وهذا بالضبط يفسر زعامته للحكومة والمعارضة معاً .

في ظهوره النادر كسياسي بعاطفة غير متبلدة، تمرغ المهدي في تلك الصورة الذهنية وهو ينبثق عن شخص محب للسلام، إلى حد أن لغة التخاطب داخل أفراد حزب الأمة هى (الحبيب) و(الحبيبة) دون استحياء ثقافي، كما ظل أيضاً يغدق على خصومه قدرا من التسامح النبيل، حتى الذين طرحوا الشوك في طريقة، أو أساءوا إليه بقصد النيل منه، كان دائماً يمد إليهم يده بيضاء من غير سوء، ويبارك جهودهم، ولذلك لم يتردد إطلاقاً في تقديم كتاب رسام الكاريكاتير الراحل عز الدين، وبين دفتي ذلك الكتاب رسومات تسخر من المهدي نفسه، إلى درجة تصويره بأنف طويل ووصفه بـ(الصادق أبو كلام) !

التنبؤ بالأحداث

لكن أغرب ما في شخصية الإمام المهدي قدرته على التنبوء بالأحداث، وقراءة المستقبل ومطالعة الأنجم على طريقة العراف الشهير (نوستراداموس) .

لم يتوقف الإمام الصادق المهدي عن تلك الحالة أبداً، وقد كشف في أخر خطاب جماهيري له عن رؤية غيبية جاءته بشأن سقوط نظام عمر البشير بانفجار في داخله، وأردف بأنه رأى كذلك نظام الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري وهو ينهار باليوم والساعة، قبل أن يحدث ذلك. كما تعدت رؤاه السودان إلى مصر، إذ ذكر في أحاديث صحفية قبل سنوات أنه رأى في منامه الرئيس الراحل محمد مرسى وهو يفوز برئاسة مصر، كان ذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2010 قبل تنحي مبارك بفترة ليست بالقصيرة، وزعم أنه رأى شخصًا في المنام يخبره بأنه سيتناول الإفطار مع الرئيس المصري، وعندما ذهب الصادق لم يجد مبارك، مضيفًا: “رأيت شخصا أطول منه وأشيب وأصلع” وأبلغ المهدي من حوله بأن (مبارك خلاص) مؤكداً أيضاً أنه رأى في المنام أكثر من عشرين رؤيا تحققت كلها .

الاحتفاظ بالسلطة السياسية والروحية

ربما تظهر تلك الفكرة التي يحاول الإمام المهدي ترسيخها لشخصيته الباهرة، شكل من التناقض بين تصرفاته وأحلامه، فهو قد اشتهر بالتردد دائماً في إتخاذ المواقف، فضلاً عن فشله في جمع شتات حزب الأمة التي تمزق إلى عدة كيانات، ولعل محاولة التنصل أحياناً من الزعامة الصوفية، بإرتداء ثوب رجل العصر المجدد، والغارق في العلوم التطبيقية، تبدو مبهمة وغير واضحة، إن لم يكن يريد أن يحتفظ بالسلطة السياسية والروحية معاً.

لا يستطيع الصادق المهدي انتقاد فكرة المهدية التي اشتهر بها جده، بادعاء أنه المهدي المنتظر، أو الإمام الغائب حيث انتهى بها المجال إلى ثورة وطنية أفلحت ضد المستعمر، وسرعان ما تعرضت لهزائم سياسية وعسكرية، لكنه يحفظ له أيضاً النهوض بمهام التغيير واجتراح مفاهيم جديدة، تأخذ من التاريخ العبر دون أن تسقط في أحابيل أسره، وربما لأنه يدرك تماماً أهمية حاضنة الطائفة الشعبية التي جعلت حزبه يكتسح أخر انتخابات ديمقراطية.

توريث الابن

الآن، ورغم المحاولات الملحة التي يقوم بها المهدي لتوريث ابنه ضابط الجيش اللواء عبد الرحمن قيادة كيان الانصار، حيث التمس له العذر في مشاركة نظام البشير، وامتدحه كثيراً، لكي يسهل تحريره مما علق به من اتهامات مدمرة سياسياً، إلا أن البون يبدو شاسعاً بين الابن ووالده، من حيث الكسب الروحي والفكري، ومن حيث القبول الجماهيري أيضاً، ما يعني أن مهمة عبد الرحمن سوف تكون عسيرة ومعقدة، أو بالأحرى، وهذه ملاحظة جديرة بالاعتبار، ربما يكون الإمام الصادق المهدي آخر زعيم أنصاري يتمتع بالثقل الروحي والسياسي على نحوٍ خاص وفريد .

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه