السيسي يحارب الخلق ويهدم المساجد

مرت على مصر فترات احتلال واستبداد أُزهقت فيها الأنفس وانتهكت حقوق العباد، لكن لم تشهد فترة حالكة السواد كتلك التي أطبقت بعد الانقلاب العسكري في يوليو تموز 2013 حيث ارتكبت فيها أفظع الجرائم وأبشع المذابح، وزادت ضراوة الظلم وتضاعفت أساليبه، فلم يُكتف مثلا بالسجن والاعتقال بل أضيف إليه الإخفاء القسري، والاعتداء على النساء والبنات، ولم يقف ذلك عند الإعدامات الظالمة وأحكام قضاة الجور، بل تسارعت التصفية الجسدية والقتل خارج إطار القانون.

ومن المفارقات العجيبة أنه أثناء احتدام معركة سد النهضة، وغطرسة إثيوبيا في ملف مياه النيل، التي أدارها السيسي بالهزل والاستخفاف، والمسكنة والاستضعاف، والتأكيد على حل السلام والمفاوضات، في مواجهة رئيس وزراء إثيوبيا الذي يلوح بالحرب في كل مناسبة، وكأنه تنازل للسيسي عن جائزة نوبل للسلام!

عوّض السيسي هذا الموقف بمواجهة بسطاء الشعب المصري الذين هددهم بنزول الجيش لهدم منازلهم المخالفة، واستخدم لفظ “الإبادة”، مع التأكيد على أنه لا تفاوض ولا سلام، حتى يُنفذ الهدم ويحدث الاستسلام!

بيوت الغلابة:

في الواقع موضوع البناء المخالف قاسم مشترك بين جميع المصريين بشتى طبقاتهم، لكن السيسي ونظامه بدأ بالطبقة الأفقر والأضعف، ووجه آلياته وقواته إلى بيوت الغلابة ومساكن البسطاء، تاركا الأبراج وناطحات السماء، وغالب ما تم هدمه هو كل ما يملكه صاحب الدار، أو حصيلة الكفاح والاغتراب، أو تحويشة العمر، مع مكافأة نهاية الخدمة، ولو وفرت الدولة المسكن المناسب “وهو واجب عليها” ما أقدم الناس على المخالفة التي هي في حقيقتها مخالفة إدارية، لعدم استخراج التصاريح اللازمة، أو البناء على أرض زراعية، وفي كل الأحوال الأرض ملك الرجل، وليست من أراضي الدولة التي غضت الطرف عن ذلك سنين عددا، فسادا وإهمالا، وسمعة الإدارات المحلية والجهات المعنية وتقنينهم لرشوة تزكم الأنوف. ومعلوم أن هذه الوظائف بداية من المحافظ إلى رئيس مجلس المدينة، يسيطر عليها السادة اللواءات وحلفاؤهم، وعند ساعة المحاسبة، وقعت النازلة على رأس صاحب البيت وحده، وأصبح مخيرا بين هدم بيته، وبين رشوة جديدة للنظام كله، تحت مسمى التصالح ! وكأن ما يدفعه صاحب البيت حوّل أرضه الزراعية إلى أرض صالحة للبناء، أو كأنه اشترى بيته من الحكومة!

لذا ‏حكمت المحكمة الإدارية العليا حكما نهائيا بأنه لا يجوز لجهة الإدارة إزالة المباني المخالفة التي تراخت في إزالتها قبل ذلك، والذي أزيل عقاره له حق التعويض من الدولة.

وهذا يؤكد أن ما فعله السيسي ونظامه بلطجة وعربدة، حيث أصبح الناس بين خراب البيوت، أو ضياع المدخرات باسم التصالح، حتى الذي قَبل التصالح الجائر ودفع الإتاوة، وجد مكتوبا في الإفادة أن المدفوع مقدمة “جدية تصالح”.

هدم المساجد:

تزامن مع موجة خراب البيوت وتهديمها، حملة أعظم وأشد، تمثلت في جريمة غير مسبوقة ولا معهودة، لم يقدم عليها محتل غاصب ولا طاغية مستبد، هي هدم المساجد والاعتداء على بيوت الله بدعوى أنها في أملاك الري أو على أراضي الدولة،

وبعض هذه المساجد مر عليها عشرات السنين، ومعلوم شرعا أن المسجد لا يهدم لمنفعة عادية أو خاصة، إذ منفعة المسجد أكبر مما سواها، وأنه لا يجوز هدمه إلا عند الضرورة القصوى بمشورة أهل الحل والعقد، على أن يبنى مثله في أسرع وقت وفي أقرب مكان.

وقانونا فإن الأرض التي بُنيت مسجدا، انتزعت ملكيتها لبيت الله، ولا يجوز التصرف فيها بخلاف ذلك.

أما القول بملكية الدولة أو وزارة الري فهذا استخفاف بحدود الله، وتعد على حرماته، فهو صاحب البيت ورب السماوات والأرض.

ومع ذلك تم التصالح مع بعض أصحاب المباني المخالفة، وتوفيق أوضاع عمارات وبيوت ومصانع ومقار حكومية – سجن عمومي وإدارة مرور- لكن البيوت المستثناة من التصالح معها كانت بيوت الله فقط، يبدو حرصا على صحة صلاة المسلمين من الصلاة في الأرض المغصوبة، حسب توصيف دعاة السيسي وشيوخه، الذين زينوا له سوء عمله، وتحملوا كفلا من وزره وفجره

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) البقرة/(114)

ماذا بقي للمسلمين في مصر بعد هدم بيوتهم ومساجدهم، والتفريط في مقدرات بلدهم ورهن مستقبله، وتقزيم دوره وتلويث سمعته، والتنكيل بخيار أهله.

ولا يخفى على الناظر الفاحص أن ضياع الدولة ومقدراتها، يقابله تنامي دور الكنيسة واتساع رقعتها وقوة نفوذها، حتى أصبحنا على أبواب دولة الكنيسة.

ولله در الإمام القرضاوي حيث سبق إلى توصيف هذه الحالة برمتها من سنين بقوله:             

‏ربّاه نصرك، فالطاغوت أشعلها..

حربا على الدين إلحادا وكفرانا

 

نشكو إليك حكـومات تكيد لنا..

كيدا وتفتح للصهيون أحضانا

تتيح لـلهـو حـانات وأندية..

تؤوي ذوي العهر شُرَّابا ومُجَّانا

 

فما لدُور الهدى تبقى “مهدمة”..

يمسي فتاها غريب الدار حيرانا ؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه