السيتي والسوبر.. والنية الإماراتية!

كان طبيعيا أن تقع الإمارات تحت طائلة قانون اللعب المالي النظيف، فهي لا تجيد هذا النوع من اللعب وإنما ما تحترفه وتجيده هو اللعب غير النظيف.

 

لم تكن دولة الإمارات خلال تلك الحقبة من الزمن خالصة النية في أي من مواقفها الإنسانية أو الاجتماعية أو السياسية، كي تنتظر أن يصادفها التوفيق والنجاح في أي نشاط تؤديه حتى وإن كان رياضيا، فكما حالفها الفشل ولاحقتها الفضائح في كثير من التصرفات والأفعال ولا سيما السياسية، ها هي فضائحها تصل إلى المجال الرياضي أيضا، بعد أن ثبت تورط ناديها الإنجليزي مانشستر سيتي في مخالفات مالية صارخة تعارضت مع قانون اللعب المالي النظيف، ما جعل الاتحاد الأوربي لكرة القدم (يويفا) يوقع عليه العديد من العقوبات، التي منها الحرمان من المشاركة في مسابقة بطولات الأندية الأوربية لموسمين متتاليين، وتغريمه 30 مليون يورو.

وسوء النية أيضا هو الذي كتب لها الفشل في تنظيمها واستضافتها لمباراة السوبر المصري التي جمعت بين الأهلي والزمالك الأسبوع الماضي على استاد محمد بن زايد بأبو ظبي، حيث شهدت المباراة أحداثا خارجة أفسدتها وأهدرت قيمتها، وصلت لحد العراك والاشتباك بالأيدي بين لاعبي الفريقين، ثم امتدت إلى التراشق بين اللاعبين والجماهير وتبادل الشتائم والألفاظ الخارجة والإشارات الجنسية الصريحة، وهي أحداث لم تتوقف عند حد فعلها، وإنما تداعت حد الانفجار لاحقا، بالقرارات التي اتخذها اتحاد الكرة المصري وأحدثت فتنة كبيرة بين الناديين مازالت توابعها مستمرة حتى هذه اللحظة، جعلت المباراة تترك أسوأ ذكرى.

وهذا الفشل الذي لحق بالمباراة استدعى إلى الأذهان التساؤل عن مدى تأثير النوايا في النجاح والفشل، خاصة وأنه كان قد سبق استضافة الإمارات للسوبر المصري بأقل من أسبوع واحد، استضافة دولة قطر لمباراة أكبر وأهم وهي مباراة السوبر الأفريقي التي جمعت بين الزمالك والترجي التونسي، وعلى الرغم من حالة الشحن الزائدة التي سبقت وواكبت المباراة، إلا أنها انتهت على أفضل ما يكون دون تسجيل أية تجاوزات أو خروج عن النص، لتخرج المباراة في أزهى صورة، وتحظى قطر بإشادة واسعة.

1 – فضيحة مانشستر سيتي

كان طبيعيا أن تقع الإمارات تحت طائلة قانون اللعب المالي النظيف، فهي لا تجيد هذا النوع من اللعب، إنما ما تحترفه وتجيده هو اللعب غير النظيف، وعلى الرغم من علمها أن مواهبها وإمكاناتها في اللعب غير النظيف لا يمكن أن تقدمها وتستعرضها إلا في الساحات المحلية، إلا أنها تجرأت على نقلها إلى الساحة الأوربية وراحت تجربها مع ناديها الإنجليزي، حين أرادت مخالفة القوانين واللوائح بغرض خدمة أغراضها ومصالحها الخاصة، إذ قامت بخرق قانون اللعب المالي النظيف بهدف خدمة النادي وترجيح كفته على منافسيه، بعد أن قامت بدعمه بأموال طائلة زادت بكثير عن الأموال التي يسمح بها القانون وتنص عليها العقود.

وقانون اللعب المالي النظيف لمن لا يعرفه، هو قانون يطبق على بطولات الأندية الأوربية فقط مثل دوري الأبطال والدوري الأوربي، ولا علاقة له بالبطولات المحلية، أي إن العقوبات التي يتم توقيعها على الأندية المخالفة تكون على البطولات الأوربية فقط وليست المحلية، فالخطأ الذي يرتكبه كثيرون هو الخلط بين البطولات الأوربية والبطولات المحلية عند تطبيق القانون، ولذا فإن العقوبة التي تم توقيعها على مانشستر سيتي تمت باعتباره مشاركا في دوري الأبطال وليس عن مشاركته في الدوري الإنجليزي، وعليه كانت العقوبة هي الحرمان من المشاركة في دوري الأبطال بالنسختين القادمتين، أما القول بخصم نقاط منه بالدوري أو تجريده من اللقب المحلي، فهذا خطأ كبير يقع فيه الكثير من المحللين والمتابعين.

الأمر الثاني الواجب معرفته أيضا في القانون، هو أن هذا القانون وجد من أجل المراقبة وحماية الأندية من الإدارة المالية الخاطئة، ذلك بعدما تبين لمسؤولي الاتحاد الأوربي أن التوظيف الخاطئ للمال ترتب عليه الكثير من المشاكل التي أثرت على المنظومة بأكملها، من ذلك مثلا ضياع العدالة بين الأندية الغنية والفقيرة، أو تعرض الأندية للإفلاس، وهو ما رآه الاتحاد الأوربي يهدد مستقبل اللعبة بأكملها.

والعقوبة التي تم توقيعها على نادي مانشستر سيتي جاءت بعدما تبين للاتحاد الأوربي أن ما فعله مسؤولو النادي الإنجليزي يهدر مبدأ العدالة الواجب سيادته بين الأندية الغنية، فقد ثبت لهم أن مالكي النادي قاموا بضخ مبالغ كبيرة زادت عن الأموال المنصوص عليها بالعقود الرسمية، حيث تم رصد مبلغ بقيمة 57 مليون جنيه إسترليني دفعته إحدى الشركات المملوكة للشيخ منصور بن زايد آل نهيان في موسم 2013 / 2014، ومبلغ أخر بقيمة 67,5 مليون جنيه إسترليني دفعته شركة طيران الاتحاد الإماراتية في موسم 20152016، فيما كان عقد الاتحاد مع النادي ينص على دفع 8 ملايين إسترليني فقط.

وعلى الرغم من المحاولات الكبيرة التي يبذلها النادي الإنجليزي حاليا من أجل إلغاء أو تخفيف العقوبات، إلا أن مثل هذه المخالفات يكون لها الكثير من التداعيات الخطيرة التي تؤثر على مسيرة النادي، يأتي على رأسها هجرة كبار النجوم والمدربين إلى الأندية الأخرى التي تشارك في البطولات الأوربية، وهو ما ينذر بانهيار مستقبل النادي الإنجليزي – الإماراتي في السنوات القريبة.

2 – فضيحة السوبر المصري

من المؤكد أن الإمارات حينما قررت استضافة مباراة كأس السوبر المصري بين الأهلي والزمالك، كان هدفها استعراض قدراتها وإمكانياتها التنظيمية للأحداث الرياضية الكبرى، خاصة وأن المباراة تجمع بين أشهر ناديين في المنطقة العربية والأفريقية، والمؤكد أن الإمارات أرادت من خلال تنظيمها للمباراة أن تقدم نفسها كدولة جديرة باحتضان المنافسات الرياضية الكبرى، على أمل منافسة قطر التي حققت نجاحا عالميا كبيرا في هذا المضمار.

لكن وبالرغم من الاهتمام الكبير الذي أولته الإمارات بالمباراة إلا أنه لم يكتب لها النجاح، وبدلا من أن تترك المباراة ذكرى طيبة لدى الجماهير والمتابعين، جاءت لتترك أسوأ الذكريات، بل أصبحت نقطة سوداء في تاريخ الكرة المصرية والعربية، بعد أن خرجت بفضيحة كبرى سجلت أعلى أنواع الخروج الجماعي عن النص، وزادت الصورة سوادا بالأحداث التي تلتها والقرارات التي اتخذها اتحاد الكرة المصري بمعاقبة المخطئين المشاركين في الفضيحة من لاعبي الفريقين، وهي القرارات التي ترتب عليها حالة غضب واسعة داخل الناديين كان من نتيجتها أن قرر الزمالك الانسحاب من مباراته التالية والتي كانت أمام الأهلي بالأسبوع الرابع بالدوري، فيما قرر النادي الأهلي رفض العقوبات جملة وتفصيلا، وتصعيد الأمر للاتحاد الدولي لكرة القدم ( فيفا)، وكلها قرارات يندر أن تحدث في توقيت واحد، لكنها الذكرى الشؤم التي ارتبطت بمباراة سيذكر التاريخ أنها أقيمت بالإمارات!

.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه