السلاح الأخير في مواجهة إرهاب الأسد

إضراب بريتا عن الطعام حقّق بعد عشرين يوماً مالم يحقّقه السّياسيون الذين تصدروا لحل القضية السّورية في جنيف خلال عدّة سنوات فقد جمع حوله السوريين ووحدهم.

 

 

الأمعاء الخاوية: المسمى الذي أطلقه ناشطون على حملة التضامن مع بريتا الحاج حسن المهندس السوري ورئيس مجلس محافظة حلب الحرة سابقاً الذي أعلن الإضراب عن الطعام في سويسرا احتجاجاً على الصمت الدولي تجاه حملة الإبادة الروسية الأسدية على إدلب؛ وتجب الإشارة إلى أن الحملة ليست حملة جياع فالشعب السوري لم يعرف الجوع حتى بعد أن رفع الأسد شعار (الجوع أو الركوع) إنّما تهدف الحملة إلى وقف القتل والإجرام على ريف إدلب الذي يمارس عليه الأسد إرهاباً يفوق إرهاب داعش، كان من الممكن تسمية الحملة “الإضراب عن الطعام حتى إيقاف القتل وإسقاط النظام”.

انضم إلى بريتا عددٌ من الناشطين في بريطانيا وألمانيا وهولندا وتركيا حتى تجاوز العدد 400 ناشط مضرب عن الطعام، لكنّ الإضافة الأهم هي انضمام الشاعرة الإيطالية فرانشيسكا سكالينشي إلى الحملة وإعلانها الإضراب عن الطعام تضامنا مع بريتا وتضامناً مع أهل إدلب.
وفرنشيسكا معروفة بمواقفها المؤيدة للثورة السورية، وقد بكت الساروت وكتبت له قصيدة حين استشهد، وقيل لها إنّ إضرابها لن يقدّم ولن يؤخر، وإنّ أحداً من المجتمع الدولي لن يهتم للحملة ولن يلتفت إليها، فقالت إنّها تفعل ما تستطيع فعله سواء حصدت الحملة نتيجة أم لا فقد سجلت موقفها من حملة الإبادة على إدلب.

الإضراب عن الطّعام عبر التّاريخ

يحقق الإضراب عن الطّعام _عادة_ مالا يحقّقه العمل السّياسي، خاصة في الدول التي ما تزال تحترم حقوق البشر ولو في حدودها الدنيا، وقد شهد التّاريخ مواقف كثيرة لناشطين وقفوا ضدّ احتلال بلادهم وقاوموا المحتلين بطرق سلمية منها الإضراب عن الطّعام، أشهر هؤلاء المهاتما غاندي الذي أضرب عن الطّعام أكثر من مرّة وتبعه كثيرون من أصحابه، أدّى إلى موت بعضهم، وكان الهدف خروج الإنجليز من الهند. وكذلك فعل عددٌ من المعتقلين الفلسطينيين.

حالة الإضراب التي قام بها الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية عام 2017 لتحقيق مطالبهم المحددة بالسّماح لأهاليهم بزيارتهم، وتحسين ظروف الاعتقال، والمطالبة بمعاملة إنسانية أفضل، ومنحهم حق التّعليم، حقّق نتائج مهمة أولها تسريب مروان البرغوثي لحوار إلى جريدة نيويورك تايمز أثارت حفيظة حكومة نتنياهو وامتعاضه، وأوصلت قضية الأسرى للرأي العام العالمي.

كما حقّق إضراب الهندي بوتي سرايرمولو عام 1952 هدفه _لكن بعد موته جوعاً_ فقد أضرب عن الطّعام ثمانية وخمسين يوماً وكانت مطالبه تشكيل ولاية منفصلة تحت مسمى ولاية “أندرا”، إذ قامت حكومة الهند بعد وفاته بإعادة تنظيم الولايات الهندية على أساس اللغة القومية.

أما في دول الاستبداد وأنظمة الفساد فلا أمل يرتجى من أيّ فعل من أفعال المقاومة السلمية  وينضوي الإضراب عن الطعام تحت مسمى اللاجدوى، ففي مصر -مثلاً- أضرب محمد صلاح سلطان ابن الداعية صلاح سلطان عن الطّعام في سجنه وسجل رقماً قياسياً إذ استمرّ إضرابه عن الطّعام 400 يوم بدأ في 26 يناير في قضية عرفت بـ “غرفة إدارة رابعة” ومحمد يحمل الجنسية الأمريكية لكنّ الإدارة الأمريكية لم تحرّك ساكناً لإنقاذه في البداية ثمّ تدخلت بعد تدهور حالته الصحية، وطالبت بالسماح لموفدها بحضور جلسات المحكمة ورفضت المحكمة طلبها، وانتهى إضرابه بتنازله عن الجنسية المصرية وترحيله إلى أمريكا بعد تدخل من الرئاسة الأمريكية كما أشيع حين التقى السيسي بأوباما.

لذلك إذا كان من فائدة ترتجى من حملة السوريين هذه فأظنها تنحصر في لفت نظر شعوب الشمال المتقدم علّها تغير قليلاً من سياسات حكوماتها تجاه المذبحة السورية المستمرة وتعمل على وقف هذا الإرهاب المقنع بتواطؤ عالمي، وهذا سيأخذ وقتاً طويلاً قد لا يتاح لإدلب أن تشهده!

الوحدة الوطنية السورية

إضراب بريتا عن الطعام حقّق بعد عشرين يوماً مالم يحقّقه السّياسيون الذين تصدروا لحل القضية السّورية في جنيف خلال عدّة سنوات فقد جمع حوله السوريين ووحدهم وتضامنوا معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطور الأمر إلى إقبال عدد كبير من السوريين على الإضراب متخذين موقفا مشرفاً من قضية صمت العالم أجمع عنها.

حملة أخرى ظهرت على مواقع التواصل “بريتا يمثلنا” ودعوة لدعمه ودعم الناشطين الآخرين المضربين عن الطعام.. وعلى أرض الواقع في محافظة إدلب خرجت مظاهرة في مدينة بنش لشكر المضربين عن الطّعام والمطالبة بإسقاط النّظام مواكبة لمظاهر الاحتجاج في العالم الافتراضي، كما ظهرت حالات فردية متفرقة في محافظة إدلب لأشخاص رفعوا لافتات الشكر لأصحاب حملة “الأمعاء الخاوية”.  

هل سيتحقق الهدف من الحملة؟!

لن يستطيع الأسد وبوتين أن يكسرا روح المقاومة لدى السوريين ولن يدمروا إصرارهم على مطالبهم بالحريّة ولو جعلوا إدلب ركاماً وأثبتوا أنّ النازيين لم يكونوا سوى تلاميذ صغار في مدرسة الإرهاب والوحشية التي تفوقوا فيها.
فما زالت طائرات بوتين والأسد تقوم بتدمير المدن والقرى في المحافظة بشكل يومي وممنهج تقتل الأطفال والنساء، وتدمر النقاط الطبية وتستهدف سيارات الإسعاف وفرق الدفاع المدني، وما زال سكّان القرى ينزحون عن بيوتهم ويقيمون في الخيام تحت أشجار الزيتون في ظروف قاسية..

ما زال العالم صامتاً صمت القبور، وأعداد المضربين عن الطعام تتزايد لأنهم يمتلكون الأمل وقوة الإيمان بقضيتهم.

رأي:

على الرغم من دعمي الكامل للحملة إلاّ أنّي أتمنّى لو يتوقّف الناشطون عن تجويع أنفسهم ويلتفتون لنشاطات أخرى أكثر جدوى في رأيي مثل الاعتصامات المصحوبة بمعارض فنية، فالملاحظ أنّ الغرب أكثر تأثراً بالموسيقا من حملة الجوع، وأنّه يتوقف لمشاهدة لوحة أكثر من توقفه ليسمع رأي معتصم جائع فيما يفعله ديكتاتور في الشرق البعيد الذي لا يعرف عنه شيئاً.

المتابع لبرامج المواهب الأمريكية والبريطانية يستطيع أن يرى دموع أعضاء لجنة التحكيم والحضور تأثراً بأغنية حزينة تروي قصة أو موقفاً، هؤلاء أنفسهم لن يوقفوا سياراتهم في الشارع ليستمعوا لناشطة تحمل لافتة تطالب فيها بإيقاف إبادة إدلب.

 

نداء للناشطين الأحرار

 

نحتاج أجسادكم سليمة وقوية كحاجتنا لعقولكم ومشاعركم النبيلة وإرادتكم الحرة.

إدلب وأطفالها بحاجة لدعم مادي كي تجد نساءها مكاناً للاستحمام بعيداً عن أعين الآخرين وكي يجد أطفالها وسادة ينامون عليها ولا يشاهدون السماء حين يستيقظون في الصباح.

نحتاج سقفاً وجدراناً!

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه