السعودية والهروب إلى “ماريا كاري”

“ماريا كاري” هنا لا تمثل نفسها بقدرما تعكس نوعية التحولات التي يريد أهل الحكم الهروب إليها لعلها تخلصهم من استحقاقات أخرى ضرورية

 

 

الجدل الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان هيئة الترفيه لرئيسها الجديد تركي آل الشيخ إحياء المغنية الأمريكية “ماريا كاري” حفلا غنائيا بالمملكة، هذا الجدل – مؤيدا كان أو رافضا – يعكس أزمة التحولات التي يراد فرضها على السعودية بعد عقود من نمط حياتي شكله التحالف السياسي الديني وتم صبغ الحياة العامة به قسرا.

هذه التحولات تتزامن مع انعطافات حادة تم من خلالها تحويل مسار الحكم من جيل أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى جيل الأحفاد. ورغم أن التحول الكامل لم يتم بعد إذ لا يزال محمد بن سلمان وليا للعهد، فإن الجميع بات يتعامل معه باعتباره الحاكم الفعلي حاليا والملك القادم في أية لحظة من اللحظات!

“ماريا كاري” هنا لا تمثل نفسها بقدر ما تعكس نوعية التحولات التي يريد أهل الحكم الهروب إليها لعلها تخلصهم من استحقاقات أخرى ضرورية لأزمات خارجية وداخلية أقحم ولي العهد وفريق حكمه المملكة فيها فكانت خصما من رصيدها المتراكم عبر سنوات طويلة

هذه الأزمات تداخل فيها العسكري بالسياسي بالحقوقي على نحو غير معهود في سياسات السعودية من ذي قبل والتي كانت تتسم بالمحافظة والحرص على عدم التورط فيما من شأنه النيل من مكانتها

سؤال الحريات الممتد من دون إجابات

يحاول محمد بن سلمان استخدام “ماريا كاري” وما يماثلها من الأوراق لإيهام الخارج بحجم التغيير الذي يريد إحداثه في بلد له مكانته الدينية والروحية لدى عموم المسلمين حول العالم والمعروف بمواقف هيئاته الشرعية من قضايا الغناء والتمثيل والمرأة لكنه يتناسى أن ملف الحريات داخل المملكة متخم بالأسئلة التي لم تجد لها إجابات مقنعة حتى الآن فحملات الاعتقال التي شنها ولي العهد ضد مخالفيه لم تفرق بين إسلامي وليبرالي ولم تتوقف عند حدود الرجال بل طالت حتى النساء!!

ففي تغريدة ساخرة وجهت علياء الهذلول حديثها إلى المغنية ماريا كاري لتذكرها بمأساة شقيقتها المعتقلة السعودية الشهيرة لجين الهذلول قائلة: “كنت أتمنى أن تحضر لجين حفلك  الموسيقي لكنها معتقلة خلف القضبان، بسبب محاولاتها تحسين أوضاع المرأة في السعودية”.

علياء سبق وأن وجهت انتقادا لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في حديث لجريدة نيويورك تايمز بسبب تجاهله لقضية شقيقتها أثناء زيارته الأخيرة للرياض وقالت: “أنا أعتبر لامبالاة بومبيو أمرا شخصيا بالنسبة لي؛ لأن إحدى أولئك النساء المحتَجَزات لُجين الهذلول هي شقيقتي. لقد عملَت بلا كللٍ ولا مللٍ للحصول على حق النساء السعوديات في قيادة السيارات” 

والمفارقة أن محمد بن سلمان الذي يرفع لواء الإصلاح عبر بوابة “ماريا كاري” لم يتردد في اعتقال المصلحين الحقيقيين وفي مقدمتهم سلمان العودة الذي عرف بآرائه الإصلاحية والذي تعرض للاعتقال إثر رفضه الانضمام إلى حملة الهجوم على قطر عقب فرض الحصار عليها! فالعودة كان محل تقدير من الدولة السعودية إلى وقت قريب مثله مثل كثير من المشايخ والدعاة الذين نكل بهم ابن سلمان لإصرارهم على وضع مسافة بينهم وبين إصلاحاته الوهمية

لذا سيبقى سؤال الحريات يحتاج إلى إجابات واضحة وشفافة لا تقتصر على مجرد الكلام والوعود، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى الإفراج عن المعتقلين وفسح المجال أمام حرية الرأي من دون إرهاب ولا تخويف.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه