السادات خطيبا للجمعة: التدين الشعائري للعسكر من عبد الناصر للسيسي

 

لم أستغرب ما قام به عبد الفتاح السيسي من تلاوة دعاء مكتوب له، في ختام لقاء له عن أزمة وباء كورونا، يحث المصريين على الدعاء به ليجنبهم الله الأوبئة والأمراض، ثم سارعت قنوات الانقلاب إلى تبني الدعاء، والعمل على إعادته، مع وضع خلفية دينية تتناسب مع الدعاء الصادر من فم يغلق كل فم ينطق بالحق.

والذي يعود لتاريخ حكم العسكر في مصر، سيجد مثل هذا اللون عند معظم حكام العسكر، وهو ما نسميه التدين الشعائري، يعني: إفساح المجال حتى داخل الجيش لهذا اللون الذي يكتفي بالصلاة، ومسبحة لذكر الله، وكل موسم عمرة في رمضان تجد عددا من ضباط الشرطة والجيش ممن يمارسون التعذيب والإذلال لخلق الله يحرصون على هذه العمرة والحج.

وقد حدثني الشيخ القرضاوي أنه منذ بضعة أعوام ذهب لأداء العمرة في رمضان، في ضيافة الملك سلمان بعد توليه الحكم، ففوجئ في المكان الخاص بالضيوف في الحرم المكي، بوزير داخلية الانقلاب محمد إبراهيم مرتديا الجلباب الأبيض وفي الصفوف الأولى، وهو من قام بمعظم المجازر بعد الانقلاب مع قوات الجيش.

هذا لون من التدين يحرص على القيام به رجال العسكر وسدنته، ويقوم ببعض أشكاله الحاكم نفسه، وربما من حوله، رأينا ذلك في عبد الناصر فرغم حربه الشعواء على الأزهر وأوقافه، فإنه عندما أحس بكارثة تحل به، وهي العدوان الثلاثي على مصر، لم يجد مكانا يخاطب منه الشعب المصري، سوى منبر الجامع الأزهر، فوقف يخطب عليه.

السادات خطيبا للجمعة

ثم السادات وجدنا عنده اللون نفسه، وقد حكى الشيخ الغزالي موقفا عجيبا عن السادات، وقد كان وقتها من رجال مجلس قيادة الثورة في عهد عبد الناصر، فلم يكن وقتها هناك مدير مساجد فتولى الأمر مؤقتا السادات، ودعي المشايخ لمسجد من مساجد الجمعية الشرعية لصلاة الجمعة، وأن الخطيب سيكون محمد أنور السادات، يقول الغزالي: “فاستغربت لأن المسجد يتبع الجمعية الشرعية، وللقوم تقاليد معينة في زيّ الخطيب. وبينما أنا أفكر دخل السيد أنور، مرتدياً عباءة عربية، وعلى رأسه عمامة لها ذنب يغطي قفاه، كأنه من رجال الجمعية القدامى! وتأملت وجهه فتذكرت التعايشي، خليفة المهدي السوداني المعروف. كان في سمرته وسمته الديني. شيء عجب. وألقى الخطبة باللغة العامية حيناً، وبالعربية المشوَّهة حينا، ثم انتهى منها وتقدم للصلاة ونحن خلفه، قرأ في الركعة الأولى سورة الماعون، فاضطرب، وقدم وأخر، ثم ختمها على أي نحو! ولطف الله في الركعة الثانية، وسلّم من الصلاة، ونظر إلينا من عَلٍ، وكأنه يقول: ما أنتم؟ إذا وُجدْتُ بطل وجودكم! ولم أكن أعرف الرجل من قبل، مبلغ ما أسمع عنه أن الأستاذ حسن البنا، كان يرسل إلى بيته بعض المساعدات عندما يقع في ورطة، لكنه الآن –فيما أحسست- يجمع بين الكبر والجهل! وهمست إلى صديق معي: إن الخطأ في العبادات، أو الهزل في أدائها حسابه عند الله” وبالمناسبة فإن هذه الخطبة موجودة صوتا، وقد أسمعني إياها من قبل الأستاذ محمد القدوسي.

وكان السيد حسين الشافعي أحد ضباط مجلس قيادة الثورة، يكتب مقالات في مجلة (منبر الإسلام) التي تصدرها وزارة الأوقاف، وكانت معظم مقالاته في التفسير، كتفسير سورة آل عمران، وسورة النساء، ويفسر قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) النساء: 93. بينما كان وقتها يصدر حكمه مع السادات في (محكمة الشعب) بشنق عبد القادر عودة ومحمد فرغلي، وهم براء من التهم الملفقة لهم!

وفي التسريبات التي كانت تذاع للواء عباس كامل، والعصار، وغيره من قيادات العسكر، تتعجب أن في الخلفية صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وهم يخططون لتزوير أوراق تتهم الرئيس محمد مرسي بالباطل، وتلفق في الأخبار، وتسرق أموالا جاءت معونة للشعب المصري، فتوضع في جيوبهم، ثم يستأذنه محمود حجازي ليتوضأ ليصلي العصر.

شر نفسه

طوفت بالقارئ في هذه المواقف لنعلم الخلفية التي يتعامل بها السيسي عندما صدر لنا دعاءه للوقاية من وباء (كورونا)، ولو نطق الدعاء لقام بلعنه، فهو يقول: أعوذ بك من شر نفسي، وفعلا نحن نعوذ بالله من شر نفسك، ومن شر كل نفس تظلم وتقهر الخلق، وتستحل الدماء والأموال، وما أكثر ما استحل السيسي ومن معه هذه الحرمات.

هذا اللون من التدين الشعائري ستجده عند كثير من حكام العسكر، ومن أتباعه، فهو يخدر ضميره ونفسه، وشعبه، بأنه مصل، والحمد لله يحج، ولو على حساب الدولة لا مشكلة، ويحضر حفل توزيع جوائز أوائل حفظة القرآن الكريم، ولكنه في الواقع يأخذ الدين بيد، ويلقيه باليد الأخرى في طي النسيان والتجاهل.

في هذا السياق يأتي دعاء السيسي، إنه سياق تخدير الناس عن البحث عن حلول واقعية لكورونا، أو محاسبة المقصرين مع الشعب في هذه المصيبة، فهل وظيفة الحاكم – حتى لو بالانقلاب – أن يعلم الناس دعاء الوقاية من كورونا، فماذا يفعل خالد الجندي وعلي جمعة إذن هيسرحوا بعربية بطاطا؟!

هل ينشغل الحاكم بتعليم الشعب الدعاء بينما لا توجد مستشفيات مجهزة لعلاجهم؟ وهل يتفق سلوك من يدعو الله بكل تبتل مصطنع أن يكون كذابا في معلوماته للناس عن الوباء؟ وهل يقبل الله دعاء الظالم للشعب الذي يظلمه، وهو مصرٌّ على ظلمه؟ اترك الدعاء للمظلومين يا سيسي، فهم أعرف الناس بربهم وبم يدعونه، وكف أنت عن ظلمك والسطو على مقدرات الشعب، فهذه هي العبادة التي تقبل منك ومن كل حاكم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه