الرواية التاريخية.. صراع العروش نموذجاً

 

يرتبط الشكل الروائي _إن لم نسمِه التطور أو التحوّل في الكتابة الروائية_ بطبيعة الحياة التي يعيشها الكاتب، فهي تميل إلى الدراما المأساوية وتحتفظ بشكلها الكلاسيكي في دول العالم الثالث الغارق في الحروب والصراعات وتستمد موضوعاتها من الكوارث والمجازر والقمع وهيمنة المفاهيم السلفية، وفي أغلب الأوقات تستمد أحداثها من العودة إلى الماضي واستلهام التاريخ والبحث في الكتب الصفراء وقضايا المرأة، تلك القضايا التي شطرت الأدب واخترعت تسمية “النسوية” فصُنِّف الأدب بحسب جنس كاتبه.

الرواية.. التاريخ.. الحرب:

ليست الرواية العربية فقط ما اتكأت على أحداث تاريخية في الكتابة أو تناولت التاريخ، وقد اشتهر في هذا المجال الكاتب جورجي زيدان وأشهر رواياته “عروس فرغانة”.

كما كتب نجيب محفوظ “كفاح طيبة” و “رادوبيس”، وروايات كثيرة دخل فيها التاريخ أو أدخل كخلفية للحدث المعاصر أو أعيد إنتاجه.

في العصر الحديث اشتهرت رواية “صراع العروش” للكاتب البريطاني جون مارتن والتي حولت إلى مسلسل بمواسم سبعة وما زال التصوير فيه مستمراً، الرواية قامت على فكرة الصراع على العرش بين أسر متعددة واستندت الفكرة الأساسية على الحرب التي دارت في القرن الخامس عشر وسُميّت بحرب الوردتين والتي استمرت ثلاثة عقود بسبب السيطرة على عرش إنجلترا بين عائلتي يورك التي كان شعارها الوردة البيضاء وأسرة لانكاستر التي كان شعارها الوردة الحمراء، وقد وحّد الأسرتين القائد هنري تيودور بعد انتصاره في معركة بوسوورث وتشكل شعار جديد جمع الشعارين السابقين وسمي وردة تيودور”. وشكسبير هو من أطلق عليها هذا الاسم في مسرحيته “هنري السادس”. تعتمد الرواية على تصوير المعارك والحرب تصويراً مشوّقاً ودقيقاً مثل اعتمادها على أحداث التاريخ والشخصيات التاريخية سواء كانت شخصيات سياسية أو فنية أو اجتماعية فاعلة في تأسيس فكر ما.

تشكّل الحروب موضوعا أساسياً للروايات والأعمال الدرامية في عصرنا الحديث؛ لذا انحاز معظم الأدباء إلى هذا النوع من الروايات خاصة في المناطق التي تعاني من الصراعات الداخلية أو الحروب. لكن اللافت في رواية “صدام الملوك” أنّ كاتبها يعيش في مجتمع خالٍ من الصراعات لكنّه يفهم اللعبة التسويقية للأدب، فبعد الشهرة التي نالها “دان بروان” في سلسلة رواياته التي تعتمد على “الأكشن” صار للرواية مواصفات خاصة لتسويقها وترجمتها.

صدام الملوك “أغنية الجليد والنار”

الرواية ترجمها هشام فهمي ولم تكتمل الترجمة بعد، نشر منها جزئان.

يقع الجزء الأول في 1052 صفحة. يقع الكتاب الثاني الجزء الأول المترجم 529 ص

وضع جون مارتن في روايته هذه _والتي لم أقرأ منها سوى الجزئين المترجمين وشاهدت المواسم السبعة من المسلسل الذي اعتمد على الرواية بشكل كلّي حتّى إنّه في بعض الأماكن أخذ الحوار من الرواية بشكل حرفي_ وضع مارتن كلّ ما بإمكانه أن يشدّ القارئ فحفلت الرواية بالمشاهد الغرائبية، بالخرافات، بالحقائق، بالقتل، بالخيانة، بالحب، بمشاهد الجنس، بهيمنة القوة، بالأسطرة، وبالجمال والقبح.

تقريباً نستطيع القول إنّه لم يترك نوعاً من البهار لم يستخدمه في طبخته الروائية حتّى أصبح طعمها حريفاً حاراً يبقي المتلقي مشدود الأعصاب وفي حالة قلق وانتظار دائمين.

تفوق المسلسل على الرواية بمنحه المتعة البصرية في المشاهد الطبيعية فقط أمّا مشاهد العنف والقتل فكانت في الرواية أقدر على إثارة مخيلة القارئ بما يتناسب ومقدراته الشخصية على تحمل العنف.

سبع عائلات “نبيلة” تتصارع على أرض “الويستروس” وهي أرض خرافية غير موجودة في الواقع لكنّ الروائي رسم خارطة كاملة لتلك الممالك السبع وللعدد الهائل من الشخصيات الرئيسة والشخصيات المساعدة أو الهامشية. واستطاع إقناع القارئ بوجود تلك الممالك وتلك الشخصيات وهؤلاء الملوك الذين يتصارعون للفوز بالحكم. مازجاً الواقعي بالخرافي لكنّ القارئ لن يهتم كثيراً مادام الحدث يحمل إليه المتعة والتشويق، لن يبحث عن الحدث الحقيقي، لن يبحث عن أصل الحكاية لن يهتم إن كان هؤلاء قد عاشوا يوماً ما أم لا.

تماماً كما كان يحدث لنا ونحن أطفالاً حين كانت جداتنا يقصصن علينا القصص الخرافية في ليالي الشتاء الطويلة وكنا مقتنعين تماماً أنّنا لو فتحنا الباب في الليل فسنرى أمنا الغولة على بعد أمتار من الباب قد دفعها الثلج لتترك الجبال وتأتي إلينا لتلتمس الدفء.. وكانت آثار أقدام الضباع وسط الثلج والتي نراها في الصباح كافية لتدعم اعتقادنا بصدق الحكاية.

لماذا العودة إلى التاريخ؟

قد يكون السكون الذي يسود المجتمعات الغربية سبباً رئيساً لكتابة مثل هذه الأعمال التي تثير القلق والخوف والمخيلة وتعيد الحرارة للجسد البارد. وربّما لأنّ الواقع لم يعد يطرح مواضيع مثيرة للاهتمام مما يبررحالة التعلق الغريبة بالرموزالحديثة المتألقة كما حصل من تعلق الشعب الإنجليزي بالأميرة ديانا التي قال عنها توني بلير في رثائها إنّها أميرة الشعب. الشعب البريطاني بحاجة للحكايات المثيرة البعيدة عن الفلسفة والمحاكمات الذهنية المنطقية، بحاجة لاستحضار أمجاده الغابرة المليئة بروح الشباب الذي تفتقر إليه القارة العجوز عموماً، بحاجة لدماء شابة وقصص تحرّك مخيلته ومشاعره، وكأيّ روائي محترف يستحق لقب روائي فهم جون مارتن الوضع العام لنفسية الشعب البريطاني واحتياجاته وتطلعاته وطريقة تفكيره فأبدع رائعته “صراع العروش”.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه