الذات الإلهية والذات السيساوية

دون “فعل” سأبدأ مقالي وليسامحني هذا الذي وضع قاعدة تفرض بداية المقال  بفعل.

منذ أيام قليلة أصدرت المحكمة الـتأديبية المنعقدة بمجلس الدولة حكمًا بإيقاف المذيعة عزة الحناوي عن العمل لإهانتها رئيس الجمهورية، وكانت “الحناوي” في أحد برامج “التوك شو” وجهت انتقادًا لعبد الفتاح السيسي بأنه لا يعمل ولا يحقق ما وعد به من إنجازات، وأنه لا يحاسب المسؤولين على فشلهم، وفورا هاجت الدنيا السيساوية وماجت وكأن الإعلامية صبأت وخرجت من الملة.

   استند أشاوس الدفاع عن الذات الرئاسية على عدة أسباب أهمها أو في مقدمتها التحدث بطريقة غير لائقة عن رئيس البلاد، وهو ما يعد إهانة لذات الدولة وكرامتها، فكرامة الرئيس من كرامة الوطن، والسبب الآخر ما حاول أشاوس السيسي في قطاع الصحافة الإشارة إليه من أن المذيعة ارتكبت خطًأ مهنيًا عندما أبدت رأيها في البرنامج وأن القواعد تفرض على الإعلامي ألا يبدي رأيه الشخصي ويلتزم بكونه ناقلا للأراء المختلفة!!

ذات الرئيس

فيما يخص إهانة ذات رئيس الدولة وارتباطها بذات الوطن، هذا بحسب رأي الأشاوش أمر عام  ينطبق على أي حاكم ولا يختص به عبد الفتاح السيسي، فما هو رأي العدالة في هؤلاء الذين انتقدوا الرئيس السابق محمد مرسي بعبارات مثل “طالما أنت غير قادر فلترحل”، وتعبيرات الفاشل وشائعات “البط الرئاسي” والتجول بالسروال في مقر الحكم وغيرها من الانتقادات اللاموضوعية التي تجاوزت بمراحل ما قالته “الحناوي” لعبد الفتاح السيسي.

لن أقف كثيرا عند المقارنة مع الرئيس السابق محمد مرسي تقيًة وتجنبًا للقتال مع السيساوية وكفى الله المصريين شر القتال، لكني سأنتقل لوحدة قياس الذات السيساوية، لكي أضع مقياسًا لسقف التعامل مع  ذات ” السيسي” لابد أن أضع مقارنة مع ذوات تعلوا عليه‘ فإذا كان دراويش عبد الفتاح يرون أنه لا ذات في الحاضر تعلو على ذاته ولهذا فلابد من توسعة حدود البحث، واختصارًا للوقت سأنتقل إلى ما هو متفق عليه بالضرورة وهو أنه لا ذات تعلو على الذات الإلهية وفي الحدود البشرية لا ذات تعلو على ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم دعونا نبحث.

عندما وقف الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمام الخالق وقال له “رب أرني كيف تحيي الموتى” فقال المولى “أولم تؤمن”، أجاب الخليل إبراهيم “بلى ولكن ليطمئن قلبي”، لم يغضب الله الواحد القهار الخالق صانع هذا الكون كله من مناقشة مخلوق، ولم يعتبره متشككًا في قدراته، لكنه أجاب بتسامح إلهي “فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم”، درس في التسامح يلقنا إياه المولى، فهل ذات “السيسي” التى خدشتها كلمات الإعلامية أعلى من ذات الإله الواحد الذي ناقشه مخلوق في قدراته.

أعرابي يجذب ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف وهو داخل منزله ليستريح، وتسبب الجذب العنيف في شق ثوب الرسول وكاد يقع على ظهره وأصيب بخدوش في رقبته من عنف احتكاك الثوب به، ونادى الأعرابي بغلظة “يا محمد يا محمد” دون أن يقول يارسول الله رغم أن الآية الكريمة تقول “لا تجعلوا دعاء الرسولِ بينكم كدعاء بعضكم بعضا”.

ثم قال “اعطِني من مال الله الذي عندك”، لم يتعرض أحد للأعرابي فقد أسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضحك، ثم أمر بالعطاء له، وأتخيل لو أحد اقترب من “السيسي اليوم” وقام بهرش رأسه لقابل وجه كريم فى الحال وانتشرت سيرته في الإعلام بإعتباره إرهابيا ينفذ مخططًا شيطانيًا لأهل الشر.

أراد رسولنا الكريم أن يضرب لنا مثلا في التسامح والتواضع فهل ذات الرئيس عبد الفتاح بن السيسي أعلى من ذات النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حاشا لله، لكنها تصرفات وإشارات دراويش السلطة ومريدي الحكام من المنافقين ولاعقي البيادات من الإعلاميين.

القاعدة المهنية

 السبب الثاني الذي ساقه عبيد البيادات من الإعلاميين لإدانة “الحناوي” هو مخالفتها للقاعدة المهنية التي توجب عدم إبداء الإعلامي لرأيه أثناء تقديمه برنامج أو كتابته، وإنما يلتزم بدور الناقل للأراء، هذا نوع من التنطع وقبل مناقشته أؤكد على ملاحظة وهي أنه إذا كان من بين أسباب إحالة عزة الحناوي للمحاكمة التأديبية مخالفة القواعد المهنية فهذا حدث غير مسبوق، فلم أسمع عن صحفي أحيل للمحاكمة التأديبية لأنه لم يبدأ الكتابة بفعل، أو لأنه لم يستخدم الياء الشامية في بعض الكلمات، أو لأنه أساء استخدام الهمزات أو لأن مذيع قاطع الضيف، هي قواعد مهمة لكنها لا توجب المحاكمة وإلا أصبح معظم الإعلاميين متهمين ومشردين. 

نعود للقواعد المهنية وعدم إبداء الإعلامي لرأيه، هذه قاعدة مشكوك فيها من الأساس، والمقصود إفساح المجال لتعدد الآراء بغير انحياز، ورغم ذلك لو جازت هذه القاعدة لكان أحمد موسى الآن وراء القضبان يقضي عقوبة تزيد عن المائة عام، فهو لا يفعل شيئا سوى إبداء الرأي وتملق الحاكم، وللأمانة ليس وحده بل معه جوقة من الإعلاميين المليونيرات، الذين صعدوا على حساب تشوية المعارضين للحكم وسبهم ونفاق الحاكم، هل ذات السيسي أكثر حساسية من ذات المعارضين والمصريين.. ماذا أقول؟… الغرض مرض..

  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه