الدّوبلير: من مقتل خاشقجي إلى منزل نانسي عجرم

 

المعروف أنّ الدوبلير هو الشّخص الذي يقوم بالنّيابة عن الأبطال في السّينما بتمثيل الحركات البهلوانية الصّعبة والقفز من الأماكن العالية وقيادة السّيارة في الحركات الخطرة. فهو الذي يؤدي اللقطات الأكثر إثارة وخطورة والتي يتوقف عليها نجاح الفيلم جماهيرياً في معظم الأحيان، لكنّه يبقى الرّجل الظلّ أو المرأة الظلّ التي لا يعرف جمهور السّينما وجهها وحين يتحدّث عن التّشويق في الفيلم ويقلّد الحركات المبهرة ينسبها للبطل الممثل الذي يوضع اسمه على أفيش الفيلم ويكسب أموالاً طائلة وشهرة لا حدود لها.

حينما تتحدّث الصّحافة عن الدّوبلير يتحدّثون بحياد وأحياناً باستخفاف.. يتجاهله النّاس وكأنّه شخص غير موجود أصلاً حين يتحدّثون عن الفيلم.. لكن بعض الممثلين لا ينكرون أفضال الدّوبلير الخاص بهم الذي تلقّى عنهم كلّ المخاطر ليحافظوا هم على حياتهم وأجسادهم سليمة مثل جاكي شان الذي بكى حين فاجأه التّلفزيون بعد زمن طويل بلقاء دوبليره الذي عمل معه في معظم أفلامه، كان مشهداً مؤثراً وإنسانياً.

الدّوبلير الخفي شاهد الزّور

ربّما أخذت المحاكم أو المحامون فكرة شاهد الزور من الدّوبلير أو العكس ففي الكواليس الخفية لقضايا الإرث كثر من استخدموا أشخاصاً ليمثلوا أنّهم أصحاب الحقّ ويوقعوا على أوراق تحيل الإرث إلى أناس آخرين، خاصة النّساء بحكم حجابهن واحتجابهن في البيوت. وقد شهدت المحاكم الكثير من القضايا التي قامت فيها نساء بالشّهادة بدلاً من أخريات كُنّ على فراش الموت أو يعانين من أمراض لا تساعدهن على التّفكير أو المشي أو الفهم.

لا تسير الأمور دائماً وفق رغبات النّاس الذين يسعون لاغتصاب حق الآخرين أو إثبات حقّهم بطرق ملتوية، وقد ينقلب الموقف فيصبح الدّوبلير شاهد الزور شاهد إثبات في حال انكشف أمره فتأخذ القضية مجرى مختلفاً عما آلت إليه في جولاتها الأولى.

الدّوبلير القاتل

يختلف الدّوبلير في تكوينه النّفسي والجسدي ما بين السّينما والواقع، في السّينما الدّوبلير شخص يتمتع بروح المغامرة لا يخاف المخاطر عنده روح التّحدي ولا يهتم بما يصيبه من كسور وجروح أثناء التّصوير كما أنّه يعرف مسبقاً أنّ بعض الحركات الصّعبة قد تؤدي إلى موته. إذن هو شخص يقوم بحماية شخص آخر من الأذى لقاء مبلغ من المال.

بينما هو في الواقع لا يحتاج إلى صفات جسدية معينة بل إلى صفات نفسية وأخلاقية تؤهله للقيام بدور منحط فيه أذى للآخرين وعليه أن يتمتع بطاعة تامة للجهة التي تستخدمه فيكون عبداً لها فهو كائن من فصيلة البشر فرع العبيد، و الدّوبلير هنا يقوم بأقذر الأدوار لكنّه لا يتوقع أن تكون نهايته التّصفية أو الموت لأنّ أطماعه المادية في المبلغ الذي سيتقاضاه من الجهة التي تستخدمه يعمي عينيه عن التّفكير في مصيره بعد أداء دوره.. والذي غالباً ما يكون الموت حين تصل الأمور إلى مرحلة يمكن أن يكشف أمره ويورط من استخدموه في اقتراف الجريمة التي لا يرتكبها بنفسه بل دوره يقتصر على التّغطية على الجاني الحقيقي بتمثيل دور الضحية.

أخلاقياً لا يمكن للدوبلير أن يتمتع بالنّزاهة ولا يؤتمن جانبه وغالباً يتمّ التّخلص منه لطمس الجريمة!

أين الدوبلير؟

أشهر القضايا الحديثة التي قام فيها الدّوبلير بطمس حقيقة القضية، قضية المرحوم جمال خاشقجي الذي قامت السّلطات السّعودية بتصفيته داخل السّفارة السّعودية في تركيا وقام الدّوبلير بالخروج من السّفارة لتصوره كاميرات المراقبة ويثبتوا أنّ خاشقجي خرج على رجليه من السّفارة ولا علاقة لهم باختفائه.

والقضية الثّانية هي مقتل عامل سوري على يد زوج الفنانة نانسي عجرم بسبع  عشرة رصاصة، قام الدّوبلير بعدها بدخول الفيلا وصوّرته كاميرات المراقبة يحمل سلاحاً ويحاول مهاجمة أصحاب الفيلا ليثبتوا أنّ العامل مجرد لص دخل المنزل عنوة وكان يحمل مسدساً بلاستيكياً وجرى تبادل رصاص قُتل أثناءه!

السّؤال الذي يطرح نفسه أين اختفى الدّوبلير الذي قام بتمثيل شخصية المرحوم جمال خاشقجي؟ وأين هو الدّوبلير الذي مثّل شخصية العامل السّوري محمد الموسى في فيلا نانسي عجرم؟

قضيتان خطرتان لعب فيهما الدّوبلير دوراً قذراً ليحمي القاتل من يد العدالة في الأولى ويثبت الجريمة على الضّحية في القضية الثّانية.

لكنّ الحقيقة لا يمكن طمسها مهما برع المخرج والممثل في ذلك، ففي قضية خاشقجي لم يتخيّل النّظام السّعودي أنّ تركيا وضعت كاميرات مراقبة أيضاً وأنّ لديها ما يثبت تورط السّفارة في القتل!

أما أقذر وأحط أنواع الدوبلير ذاك الذي يمكن أن نطلق عليه الدوبلير الجماعي وتمثله ميليشيات السلاح (المرتزقة) والتي تستخدمها الدول في القتال بديلاً عن جيوشها الحقيقية والحديث عنه طويل ومتشعب وموجع.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه