الدراما الرمضانية في خدمة الضباط وابن سلمان وبدون قيامة عثمان!

 

رمضان هذا العام يختلف بشكل كلي عن كل عام على كافة المستويات، وذلك نظرا للزوم معظم الناس بيوتهم لفترات الحظر الممتدة بأنحاء العالم بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، مما يستلزم التنافس الشديد بين القنوات الدرامية المتخصصة وشركات الإنتاج داخل القطر الواحد وعلي المستوى الدولي، وتتبارى الدراما العربية بصورة مضاعفة بين الفن المصري الذي شكل مفاهيم وثقافة العرب دون نزاع أو منافسة لفترة طويلة، حتى دخلت الدراما السورية وأثبتت جدارتها بالاهتمام والمتابعة، وحققت مسلسلات سورية درامية اجتماعية وتاريخية النجاح الكبير في الأوساط العربية خاصة تلك التي قدمها الفنان دريد لحام والذي قدم أفلاما سياسية تعالج مشكلة الوحدة العربية وجواز السفر العربي ومما قدمه بشكل ساخر المسلسل العربي ” صح النوم “..
كذلك قدم الفنان أيمن زيدان عملا تاريخيا ضخما وهو ” رايات الحق والذي قدم في رمضان 2010 ولاقى إقبالا جماهيريا كبيرا ، ثم ظهر المسلسل الكبير ” باب الحارة ” الذي سجل إقبالا غير مسبوق لعدة مواسم متتالية، استطاع معه أن يسحب البساط من الدراما المصرية التاريخية، بل ويكشف عوراتها التي لم يهتم بها المدققون ومرروا أخطاءً تاريخية فادحة مثل تلك التي جاءت في المسلسل التاريخي “محمد رسول الله”، والفيلم التاريخي “الناصر صلاح الدين ” والذي شوه وزور العلاقة بين قيادة المسلمين والقيادة الصليبية المحتلة، كما قدم مفاهيما أخلاقية لا تليق بجيوش الفاتحين أو قادتهم ولم تحدث من الأساس.

ثم ظهرت فيما بعد الدراما التركية لتفرض جبهة أخرى استطاعت أن تحتل مكانة وتحجز مكانا معتبرا عند المشاهد والمتابع العربي، خاصة بعد عرض المسلسل التاريخي قيامة أرطغرل والذي تابعه الملايين من المسلمين في كل بقاع الأرض، ليحصد نسب مشاهدات تعد هي الأعلى على مستوى الفن العربي والإسلامي، ثم قيامة عثمان والذي لم يعرض منه سوى ست عشرة حلقة ليباغت فيروس كورونا فريق العمل فيتوقف عن الاستمرار في تصويره، مع ظهور بعض المشكلات الأخرى، فهل يخرج عثمان من المنافسة الرمضانية والتي تشهد أعمالا خليجية اجتماعية بدأت تنال بعض الرواج في الأوساط الفنية ؟

أرقام خيالية ومنافسة تحت الضغوط السياسية

أرقام مليونية يتنافس حولها الفنانون والفنانات ليقدموا نوعية من الأعمال الدرامية في شهر الصيام الذي يعتبر موسما فنيا سنويا وذلك تحت ضغوط وشروط  ليس من قبل الرقابة على المصنفات الفنية، وإنما لجهات أمنية تشرف بشكل مباشر على كل ما يقدم، فتقبل هذا وترفض ذاك لأنه قدم إساءة ما لأي من تلك الجهات، أو رسخ مفهوما يتعارض مع ما تدعو إليه تلك الأنظمة، ففي مصر علي سبيل المثال، كان شرط قبول أي عمل أن يتحدث بإيجابية عن ضباط الجيش والشرطة، ولا يظهرهم بأي صورة سلبية، وذلك في رسالة مباشرة للشعب بالتعامل بنوع من القداسة مع تلك الفئة، هذا بالطبع غير تفاصيل المادة المقدمة للجمهور فلا تتحدث بقريب أو بعيد عن أي سلبيات مجتمعية تكشف ممارسات النظام وفشله وسياساته، وقد توقفت أعمال تاريخية كاملة مثل مسلسل عن حياة السيدة “زينب الغزالي”،  وذلك قبل الانقلاب العسكري بعدة أشهر، وما بين أربعين مليون جنيه والمليون جنيه تتراوح أجور الفنانين علي أعمالهم الرمضانية المقيدة بالرقابة الأمنية، والحريصة في مجملها على تزييف الواقع، وتقديم صورة مغايرة للمجتمع لا تمت للحقيقة بصلة هي في جملتها لتحسين وجه النظام، أو لشغل انتباه الشعب عن مساوئه، وكما كان سمت الفن في الحقبة الناصرية عري وسفه خاصة في فترة الهزيمة، كذلك تميز الفن في تلك الحقبة السوداء التي تمر بها البلاد تحت مظلة الحكم العسكري الانقلابي .

وتدخل علي خط المنافسة الدراما الخليجية السعودية والكويتية، مع دفع المرأة بقوة لتقدم صورة تمثل نظام الحكم الجديد الذي يتبناه محمد بن سلمان الذي أعطى التراخيص لأماكن الترفيه للمرة الأولي في المملكة، في محاولة لإثبات التغيير الكامل لتقديم أوراق اعتماده للغرب كملك يقدر الفن ويناصر حقوق المرأة وحريتها، في تناقض عجيب  باعتقاله للكثير من النساء اللاتي كن ينادين بمجرد حق المرأة في قيادة السيارات، ولم تفلح كافة المحاولات الحقوقية الدولية في الإفراج عنهن وإخراجهن من تلك السجون القاسية قسوة صحراء المملكة ، وبعد أن كانت المرأة تظهر بالحجاب، نجدها في الدراما المقدمة في رمضان القادم تظهر بشكل سافر واختلاط يوحي بأنها في دولة مدنية علمانية لإزالة كافة الشبهات حول النظام بأنه يمثل الدولة الدينية، وتظهر في إعلانات تلك المجموعة الفنية المقدمة مدي الإنفاق والبذخ في الميزانية المرصودة لتلك الأعمال

الدراما التركية وغياب عثمان

وبينما رفض فيه نقيب الفنانين المصريين تأجيل تصوير كافة أعمال الدراما الرمضانية خوفا من انتشار فيروس كورونا، وعدم الامتثال لتوجيهات الدولة والصحة العالمية بحظر كافة الأعمال الجماعية،  امتثل العاملون في مسلسل قيامة عثمان التاريخي، والذي لاقى رواجا وإقبالا كبيرا لا يقل عن الإقبال على قيامة أرطغرل، لذلك رغم التوغل في الأحداث إذ جمع عثمان بين القوة والحكمة وكأن المسلسل مكتوب بلغة موجهة من الدولة التركية للعالم من حولها، حيث الحنكة السياسية، والقوة المادية، والدين الذي يمثله الشيخ ” أديب علي ” المعلم والمربي والذي ضبط تصرفات القائد الذي يحركه الحماس دون ضابط، وتنتهي الأحداث بترتيب الأولويات وعدم الاصطدام مع أعداء الدولة جملة واحدة، وإنما بتحييد بعض الجهات حتي تنتهي من أحدها، ويترقب الجمهور كافة الأخبار عن تطورات التصوير، وهل تبدأ مع شهر رمضان الذي يهل علينا في ظل الحظر وتفرغ فئات أكبر من للجمهور ، أم يظل التأجيل مستمرا حتي تنتهي أزمة كورونا العالمية؟

إن الفن ما هو إلا انعكاس للمجتمع وصورة مصغرة منه، فالمجتمعات المضغوطة والواقعة تحت سطوة الحكم الأمني والقمع السياسي لن تجد بها إلا فنا موجها بشكل هابط، يروي الغرائز ويعالج النزوات ويبرز كل ما هو سلبي في رداء الحق ليلقي في روع المتابع أن هذا هو المتاح وعليه أن يستسلم للتعامل معه ويرضخ له، فكلما سما المجتمع تسمو رسالة الفن، وكلما تحرر المشاهد، كان الفن المقدم له يوازي حجم عقلية ذلك المشاهد ويحترمها ويقدرها، لذلك فسوف نرى هذا العام خصيصا نوعا خاصا من الفنون التي تهبط بأذواق الناس ، وتقضي علي أحلامهم المشروعة، إلا إذا أنقذتنا شركات الإنتاج المبدعة فتستأنف العمل الضخم قيامة عثمان وأمثاله من المسلسلات الهادفة سواء كانت تاريخية أو اجتماعية ولا تتركنا لكل ما هو مدنس وهابط؟ 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه