الحداثة المكرمية في عالم الأمنجية

في هذه الأيام المباركة يجب علينا إعطاء كل ذي حق حقه، فهذه شهادة سوف يحاسبنا عليها المولى في الآخرة. والشهادة لله أن نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد والرئيس الحالي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (البديل لوزارة الإعلام)، هو صاحب أقوى نقلة نوعية في عالم المخبرين الإعلاميين، حيث ارتقى بهم من مستوى كتبة التقارير الأمنية إلى مستوى قيادي رفيع استلقوا فيه على مقاعد أصحاب القرار الأمني والسلطوي بمحاكمة ومحاسبة المعارضين للنظام.
من الروايات المعروفة في عالم الصحافة، ما يروى عن الحوار بين أحمد بهاء الدين نقيب الصحفيين الأسبق ووزير الداخلية، وكان في ذلك الوقت ممدوح سالم، وخلال الحوار سأل “بهاء الدين” الوزير “سالم” عن سبب اختيار أحقر الشخصيات في المجتمع الصحفي لتوظيفهم كمخبرين على زملائهم، وكان رد الوزير “سالم” رداً مفاجئًا عندما قال: “وهل توافق الشخصيات المحترمة وأولاد الناس على القيام بهذه المهمة، ليس أمامنا غيرهم!”.
الإعلاميون الأمنجية
ويبدو والله أعلم أن هذه الرواية أثرت في نفسية الصحفي مكرم محمد أحمد آنذاك، فأقسم لنفسه أن يرتقي بطبيعة مهمة الأمنجي، وينقلها نقلة نوعية تضفي عليها مسحة من الوجاهة والرسمية، وبدأ باختراق مجلس نقابة الصحفيين وجلس على مقعد النقيب مدعوما بدفعات الأمن ورضاء السلطة، حتى انتهى إلى منصب رئيس المجلس لتنظيم الإعلام وقيامه بالنقلة النوعية لوظيفة الإعلاميين الأمنجية منذ أيام.
منذ أيام قليلة ومن خلال نشرة إخبارية متفاخرة ومغلفة بالاستقواء والفتوة، أعلن المجلس الأعلى للإعلام أن رئيسه مكرم محمد أحمد تقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد إبرهيم عيسى رئيس تحرير جريدة «المقال»، يتهمه فيه بنشر 6 مقالات تثير الفتنة الطائفي. وأرسل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام خطابًا إلى نقيب الصحفيين، يطالبه بالتحقيق مع إبراهيم عيسى لنشره 6 مقالات تثير الفتنة بين المسلمين والأقباط، وتؤكد للأقباط أن الدولة عاجزة عن حمايتهم، على حد ما جاء في الخطاب.
الشاهد أنه بمجرد أن وضع الكاتب إبراهيم عيسى يده على حقيقة لا ينكرها إلا مهطول أو مستهطل، وهي فشل الدولة في حماية الأقباط (من وجهة نظري الشخصية هو فشل متعمد) حتى أعطت الأجهزة الأمنية الإشارة لقائد الفرق الإنشكارية الأمنية الصحفية للهجوم على الرجل، وكأنه يتحدث عن خيالات لا عن واقع يعيشه المصريون كل يوم، وتؤكده دماء أطفال الأقباط ونساؤهم ورجالهم العزل المسفوكة على أرض الوطن المرتبك حاله!!
والأمر هنا يتعلق بشقين، الشق الأول يختص بالضمير الإنساني والمهني لدى إنكشارية السلطة، وهذا الأمر مفقود الأمل فيه، ومناقشته درب من العبث يتشابه مع مناقشة حدود شرف القواد.
الأمر الثاني يتعلق بالقواعد المؤسسية المنظمة لحدود العلاقات القانونية بين الصحفيين وبعضهم وبين الصحفيين والمؤسسات المسئولة عنهم والخبرات التاريخية في التعامل معها.
تعالوا نستطلع سويا بعض مواد القانون المنظم لنقابة الصحفيين ..
مجلس النقابة هو المختص بتسوية المنازعات 
تنص المادة 48 على أن مجلس النقابة يختص بتسوية المنازعات المهنية بين أعضاء النقابة. ويعين المجلس لهذا الغرض لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء من بينهم النقيب أو أحد الوكيلين، تقوم بتحقيق أوجه الخلاف وتقدم تقريرا عنها إلى المجلس، ويكون قراراه فيها ملزما للأطراف المعنية.
وتعرض المنازعات على المجلس بناء على طلب أحد الطرفين أو كليهما، أو بناء على طلب أي عضو من أعضاء المجلس.
وتنص المادة 73 على أنه لا يجوز لعضو النقابة اتخاذ أي إجراءات قضائية ضد عضو آخر بسبب عمل من أعمال المهنة إلا بعد إبلاغ شكواه إلى مجلس النقابة وفقا لأحكام المادة 48 من هذا القانون ومضى شهر على الأقل من تاريخ إخطار مجلس النقابة ويجوز في حالة الاستعجال عرض الأمر على النقيب.
الشاهد من المادتين السابقتين أن عضو نقابة الصحفيين مكرم محمد أحمد خالف بوضوح قانون النقابة لقيامه ببلاغ قضائي ضد زميل دون الرجوع للنقابة، هذا مع اعتبار أيضا أن البلاغ لا يختص بمشكلة شخصية لدى المبلغ بقدر ما يتعلق بحالة تطوع أمنى وتماهى في النظام الحاكم.
هذا غير المخالفات الخاصة بالقيم المهنية وميثاق الشرف الصحفي الذى يضمن القانون الالتزام به على النحو التالي :
المادة 12 من ميثاق الشرف الصحفي تنص على أنه لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس بأمنه كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته وذلك كله في حدود القانون.
والشاهد أن البلاغ الذى تقدم به مكرم محمد أحمد ضد الصحفي إبراهيم عيسى يتعلق برأيه في أن الدولة عاجزة عن حماية الأقباط في مصر، وهو الرأي المستند على وقائع وأحداث مؤسفة نعيشها كل يوم ولا ينكرها، كما سبق وأن قلت إلا مهطول أو مستهطل، وهذا يعنى أن نقيب الصحفيين الأسبق الرئيس الحالي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يدفع الدولة دفعا إلى التنكيل بصحفي بسبب أرائه وبالمخالفة للمادة 12 من ميثاق الشرف الصحفي.
المشهد يؤكد بوضوح على أهمية إحالة الصحفي مكرم للمساءلة النقابية والتأديب لمخالفته ميثاق الشرف الصحفي وقانون النقابة حيث جاء في ميثاق الشرف الصحفي:
•     كل مخالفة لأحكام هذا الميثاق تعد انتهاكا لشرف مهنة الصحافة وإخلالا بالواجبات المنصوص عليها في قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 وقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996.
•     يتولى مجلس نقابة الصحفيين النظر في الشكاوى التي ترد إليه بشأن مخالفة الصحفيين لميثاق الشرف الصحفي أو الواجبات المنصوص لعيها في قانون النقابة أو قانون تنظيم الصحافة ويطبق في شأنها الإجراءات والأحكام الخاصة بالتأديب المنصوص عليها في المواد من 75 إلى 88 من قانون النقابة.
وخارج حدود المواثيق والقوانين، فإن الأحداث تؤكد أن هناك فرقا واضحا في أداء الأمنجية ورجالات الدولة طبقا لمستوى ذكائهم، ونذكر جميعا صفوت الشريف كبير السلطويين في مجال الإعلام والمعلم الأكبر في مجال السيطرة الإعلامية في مصر، كان أداؤه يتسم بقدر من الدهاء والبعد عن الحماقة التي يتسم بها مكرم في حوادث مشابهة، وأذكر عندما نشر الزميل عبد الحليم قنديل مقالا ضد حسنى مبارك، وكان مقالا عنيفا جدا اهتزت له الأوساط الحاكمة، لم يتدخل صفوت الشريف في أي إجراء أمنى أو قضائي أو تأديبي سلطوي ضد “قنديل”، وكل ما فعله أنه عقد اجتماعا للمجلس الأعلى للصحافة انتهى بإحالة الأمر لنقابة الصحفيين باعتبارها الجهة المسئولة عن محاسبة الصحفيين، ورغم أن النظام الحاكم في ذلك الوقت اتخذ إجراءات انتقامية ضد “قنديل”، إلا أن النقابة والهيئات الاعلامية كانت بعيدة عنها بل وأدانتها.. الفرق بين صفوت الشريف ومكرم محمد أحمد، هو الفرق في مستوى التفكير بين الرتبة العليا والرتبة الدنيا في المؤسسة الأمنية الواحدة.. حاكموا مكرم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه