الحجاب راية سياسية لأعدائه في تركيا

نشرت جريدة “سوزجو” التركية “اليسارية” ما أسمته خبراً بأن سفيل آي سعيد زوجة النائب رفعت سعيد عن حزب العدالة والتنمية خلعت حجابها بعد هزيمة الحزب في الانتخابات وعدم نجاح زوجها

عبد القادر عبد اللي*

 
نشرت جريدة “سوزجو” [الناطق] التركية “اليسارية” ما أسمته خبراً بأن المواطنة التركية سفيل آي سعيد زوجة النائب رفعت سعيد عن حزب العدالة والتنمية خلعت حجابها بعد هزيمة الحزب في الانتخابات وعدم نجاح زوجها… ونقلت هذا الكلام على أنه خبر وكالة أنباء الشرق الأوسط…
من خلال عملي الطويل في مراكز الدراسات الاستراتيجية، أضع دائماً نصب عيني التزوير في الأخبار. ولدي قاعدة تقول: “الصحف العالمية الكبرى تزور بشطارة، وصحف الطغاة تزور بغباء”، استغربت نشره لأنني أعرف كثيراً من نساء العدالة والتنمية غير محجبات، والغباء لا يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة.
بعد بحث تبين أن الرجل لم يكن مرشحاً أصلاً للانتخابات، وهو نائب سابق، وكانت زوجته غير محجبة وهو نائب، وتحجبت فترة قصيرة بعد أدائها فريضة الحج، وخلعت حجابها قبل الانتخابات، وهناك صور كثيرة للمرأة وزوجها مع قيادات حزب العدالة والتنمية بمن فيهم رجب طيب أردوغان غير محجبة، ولم يكن هذا يشكل مشكلة لها ولحزبها… ولكن أصداء الخبر بالعربية انتشرت بشكل منقطع النظير، وكأنه انتصار لأعداء الديمقراطية…
ترى ألم ير أحد التجمعات الجماهيرية لحزب العدالة والتنمية وفيها آلاف السيدات غير المحجبات؟ لنقل إن أحداً لم يرها، ولكن أما نقلت تلفزيونات العالم كله كلمة الشرفة لرئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو وكانت هناك عدد من الفتيات غير محجبات؟
القضية هي أن إعلام الطغاة يريد أن يشوه الإسلاميين جميعاً عدا إسلاميي الولي الفقيه الذين يُموّلون من إيران، فهؤلاء لا ينطقون عن الهوى، مثل مرشدهم المعصوم حتى لو كانوا شيوعيين. الأغرب أن حزب العدالة والتنمية في تركيا لا يقول إنه حزب إسلامي، وفي الحقيقة لو كان إسلامياً لما أخذ أكثر من عشرين بالمائة من الأصوات.
كان أول ظهور للإسلام السياسي في تركيا من خلال “حزب الإنقاذ القومي” (وفي بعض الترجمات حزب السلامة الوطني) الذي أسسه الراحل نجم الدين أربكان في مطلع سبعينيات القرن الماضي. وفي الحقيقة أن كلمة “قومي” في اسم الحزب جاءت في الترجمات العربية كلها “وطني” وساهم الحزب نفسه في نقل هذه الترجمة “المحرفة” إلى العربية، ولكن حتى من الناحية الأيديولوجية فقد قدم الحزب ثنائية “القومية – الإسلام” باعتبار أن الأتراك أسسوا دولاً إسلامية كثيرة، ولكن أهمها الدولة السلجوقية والدولة العثمانية.
وجود حزب قومي في تركيا، يتبنى القومية التركية الطورانية، ويعتبر الإسلام أحد المكونات القومية التركية، أبقى الحزب في إطار أعضاء من الإسلام السياسي، ولعل القومية في تلك المرحلة كانت التقية التي حاول حماية نفسه بواسطتها من المحكمة الدستورية العليا، ولم تفده هذه التقية.
تبلور هذا التيار تحت اسم “الرؤية القومية” (وهنا أيضاً خضعت كلمة قومية إلى التحريف نفسه) وشكل أحزاباً عدة، كان أشهرها الرفاه. وانتقل عبر الزمن من تقديم القومية على الإسلام، إلى اقترانهما معاً، وصولاً إلى تقديم الإسلام على العامل القومي. فقد كان حزب الرفاه، والأحزاب التي تشكلت على أنقاضه تحمل هذه الميزة.
وجد بعض القادة الشباب حينئذ بأن هذا التيار محدود، وسيبقى في حدود العشرينيات في المائة، فأقدم بعضهم، وعلى رأسهم عبد الله غول ورجب طيب أردوغان على تشكيل تيار يضم يمين الوسط والليبراليين والإسلام السياسي “المعتدل”.
شكلت كلمة معتدل نقطة خلاف كبيرة. فقد رفضها الحزب نفسه، بذريعة أن “الإسلام في الحقيقة معتدل” وأن التشدد ليس من الإسلام في شيء. وطالما كرر رئيس الجمهورية الحالي “بأنه مسلم، تحت سقف الدستور العلماني الذي يحمي الإسلامي وغير الإسلامي”
قدم الحزب نائبات غير محجبات، ولكن الأنظار كلها تركز على النائبات المحجبات، خاصة أن النائبة عن حزب الفضيلة مروة قواقجي أصبحت النجمة الأولى لدخولها البرلمان محجبة أول مرة في تاريخ الجمهورية التركية. 
مع التشدد في قضية الحجاب، ومنع المحجبات من التعليم في الجامعات، بذريعة أنه راية الإسلام السياسي، يبدو أن الذين عارضوه باعتباره راية قد كذبوا الكذبة وصدقوها. فأصبح يشكل لهم عقدة، فخلع امرأة لحجابها يعتبر ضربة قاضية للإسلام السياسي. ولكن أي إسلام سياسي؟ هل حزب العدالة والتنمية حزب ينتمي إلى الإسلام السياسي فقط؟ وإذا كان كذلك فما عمل غير المحجبات في الحزب؟
لا أحد يجد في غير المحجبات مادة خبرية يمكن أن تلفت الأنظار، ولكن هناك موقع للجناح النسائي في حزب العدالة والتنمية تُنشر فيه صور نائباته في البرلمان، ولعل هذا سيكون مفاجئاً، فمن أصل خمس وأربعين نائبة هنالك ست نائبات محجبات فقط: وبما أن الأخبار يمكن أن تكون كذباً، سأحيلكم إلى المصدر:
http://www.akparti.org.tr/kadinkollari/milletvekilleri#
التلاعب في الحجاب قضية مطروقة لمروحة أهداف متعددة. ففي احتجاجات ساحة التقسيم الشهيرة، خرجت امرأة محجبة لتقول إنها من حزب العدالة والتنمية، وتشارك بالاحتجاجات، وسرعان ما تبين بأنها غير محجبة وهي زوجة رئيس بلدية ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، ووضعت الحجاب لدقائق من أجل التصوير فقط.
نعم، الحجاب حرية فردية، ولكل امرأة الحرية بخلعه أو وضعه. ويجب أن يكون “الشادور” أيضاً كذلك، ولكن هذه القضية يتم تشويهها من خلال أخبار ملفقة تصدّر إلى العالم العربي تحديداً، وبالطبع الدولار (أو الرز باللغة السيسية) هو القصد

_______________________

*كاتب سوي متخصص في الشؤون التركية 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه