الحب والطلاق في زمن الـ “كورونا”

نجحت الصين، التي سبقت أوربا في انتشار الفيروس، في محاصرة الفيروس وأكدت دراسات ظهرت هناك أن الفيروس لم يؤثر على الوضع الصحي للناس فحسب، بل تسبب في ارتفاع حالات الطلاق.

 

البقاء الإجباري في المنزل، معطى جديد فرض نفسه علي حياة الناس في زمن الكورونا، الزموا مساكنكم، لا تخرجوا إلا للضرورة القصوى، لا تزاور ولا حفلات، لا ملاهي ولا صلوات، لا مدارس ولا جامعات، إنه السجن الإجباري، أو تحديد الإقامة الجماعي، الذي لم يشهد له العالم مثيلا من قبل!

لا أحد يتحرك:

في مقاطعة بافاريا الألمانية التي أعيش فيها منذ سنوات طويلة، فرضت فيها الحكومة المحلية حظر التجول لمدة أسبوعين على 13 مليون نسمة هم سكانها، للحد من انتشار فيروس الكورونا المتوحش، وقد تركت الحكومة المركزية في برلين حرية اتخاذ القرار بحظر التجول لرؤساء الولايات، لا أحد هنا يتحرك بدون أمر مسبب، فقط مسموح للناس بزيارة الأطباء، ومتاجر شراء المواد الغذائية، والبنوك ومكاتب البريد، وأماكن العمل.

أما أي شيء غير ذلك فيتطلب أمرا من سلطات الولاية، لا شك أن اتخاذ هذا القرار في هذا الوقت، هو مرحب به على كل الأصعدة، خاصة وأن الفيروس ينتشر في الولاية بشكل أسرع من باقي الولايات، مما عجل باتخاذ هذا القرار الذي سيقيد حركة الأفراد لمدة أسبوعين، ولن يسمح لهم فيها حتى بزيارة أقاربهم في دور المسنين، أو في المستشفيات، ولا حتى في منازلهم الخاصة.

لا شك أن فرض حظر على حرية الأفراد سيكون له تبعات ستؤثر عليهم سلبا وإيجابا، لكن الحقيقة المؤكدة هي إنقاذ أرواحهم من خطر الفيروس المميت، أما الحياة النفسية لهم فستتأثر بفترة الحظر الممتدة أسبوعين، فالناس تعشق الخروج، وإجبارهم على البقاء داخل مساكنهم، سيتسبب عند بعض المرتبطين إما بزيادة روابط الحب عند المحبين، أو في زيادة الانشقاق والخلافات الأسرية عند المتزوجين، بسبب الجلوس في المنزل لفترات طويلة، والدخول في مناقشات وجدل، قد يتفاقم وينهي الحياة الزوجية بالطلاق.

بشكل عام الأواصر العائلية في أوربا هي ليست بالقوة والمتانة كما في دول الشرق، وعندما يمنعون زيارة بيوت المسنين والمستشفيات ولقاء الأحفاد بالأجداد، فإن كل ذلك من شأنه أن يترك أثارا نفسية على الناس، قد تصل لحد الاكتئاب خاصة كبار السن.

  إن هذا التغيير في العلاقات الاجتماعية سيكون له أثرا ممتدا إلى ما بعد الكورونا، ذلك أن الدول التي عاشت في رفاهية منقطعة النظير، وفجأة وضعت القوانين واللوائح التي تحد من الحركة، حتى وصلت إلى سنتين سجن وغرامة 25 ألف يورو،يعد أمرا جديدا عليهم، لكن المفارقة الغريبة أن ذلك لا يمثل شيئا غريبا عند المهاجرين الذين أتوا من بلاد ديكتاتورية لا تحترم حرية الفرد، لآنهم جربوا عيشة الحرمان من الحرية من قبل!

ارتفاع نسبة الطلاق:

نجحت الصين، التي سبقت أوربا في انتشار الفيروس، في محاصرة الفيروس وأكدت دراسات ظهرت هناك أن الفيروس لم يؤثر على الوضع الصحي  للناس فحسب، بل تسبب في  ارتفاع حالات الطلاق، فمثلا في مدينة دازهو في شرق الصين أفادت الأنباء أن حالات الطلاق ارتفعت بشكل غير مسبوق بعد أن أجبر السكان على البقاء قيد الحجر الصحي،  بسبب المشاحنات والنقاشات الحامية بينهم،  وحدث هذا كذلك في مدن عديدة أخرى. لقد تبين،  أن الخروج إلى العمل،  والتنزه،  وعدم البقاء قي المنزل وجها لوجه مع الزوجة،  هو أمر صحي ومفيد لعلاقات الأزواج،  أما إجبارهم علي البقاء في المنزل أياما طويلة يضر بالعلاقة الزوجية.

بشكل عام يقول خبراء علم النفس: إن عزلة شخصيين في مكان واحد مع ارتفاع حالة التوتر والخوف عندهم، من أمر ما كالمرض أو فقدان الوظيفة أو الديون، قد يجعل المزاج حادا، وفي حالة وجود خلافات وجدل بسيط قد يتحول هذا إلى عراك وشجار، وتتفاقم الأمور بسرعة لا يمكن معها التهدئة، وينتهي الأمر بالخصومة وكن ثم الإسراع في الطلاق.

من أكثر الأشياء الأدبية التي عبرت عن الحب وقت الأزمات، هي رواية ” الحب في زمن الكوليرا ” لجابريل ماركيز والتي حصل عليها علي نوبل للآداب، هي من اجمل قصص الحب في زمن الوباء.

 لقد ظلت قصة حب بطل الرواية مشتعلة لحبيبته التي فرقت بينهما الأيام،  وتزوجت غيره،  وبعد 50 عاما وفي يوم وفاة الزوج يتقدم لحبيبته التي ترفض فكرة الزواج به من جديد،  فيتمسك بالأمل راغبا في تحويل الحب إلى صداقة،  وعلي مشارف السبعين تلبي الحبيبة له طلبا لمرافقته في رحلة علي سفينة سياحية،  وعندما يقتربان من بعضهما البعض  يتأكد الحب عند كليهما،  وعند هذه اللحظة الفارقة لا يرغب الحبيب في ترك حبيبته،  فيشيع بين المسافرين أن وباء الكوليرا ضرب السفينة،  وتظل السفينة في الحجر الصحي ترحل من ميناء إلى ميناء للتزود بالوقود،  والحبيبان لا يباليان بالخدعة،  ولا لكبر العمر،  فهما سعيدان بالعش الذي بنياه على سطح السفينة،  رغم ذعر الركاب وخوفهم  من مفارقة الحياة.

إن شكلا آخر من أشكال الحب في زمن الوباء هو ذلك الشاب الذي خرج من الحجر الصحي بعد 14 يوما، وذهب لزيارة خطيبته في بيت أهلها، فانقلب الحي رأسا على عقب، وفرضوا على الشاب مغادرة المنزل فورا والعودة مرة أخرى في إسعاف معقم إلى الحجر، رغم توسلاته بأنه سليم معافي، ومن ثم فرضوا حجرا منزليا على خطيبته وأسرتها، قد يكون ذلك راجع لحالات الهلع التي تظهر بصورة تلقائية خوفا من الوباء.

 هذا الوباء هو محنة ولا شك تعيشها البشرية، وسيكون لها بالتأكيد تداعيات مختلفة على جوانب الحياة للناس والدول، فإما أنها ستعيد ترتيب أولوياتها في التآخي ونبذ الحروب وبث الكراهية والبحث عما ينفع الناس، أو أن نستمر في طريق الإضرار بالبيئة، وإعلاء النعرات القومية، والأنانية الذاتية، والكراهية دون تغير.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه