الحاكم المسلم في فكر حسن البنا

وجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها المجدد حسن البنا في وقت كان الاستعمار الغربي للبلاد مهيمنا عليها وحاكم لها، اهتمت كتنظيم يعني بكل ما يخص المسلمين.

 

تحظى مسألة ” الإمامة في الإسلام ” باهتمام خاص عند العلماء والمنظرين، لتأثيرها المباشر على توجه البلدان في سياستها واقتصادها وكافة مناحيها الحياتية، بل أستطيع القول أن الحديث عن الإمام وشروطه نال الجانب الأكبر في الفقه السياسي الإسلامي، كذلك لم تحظ دول وجماعات بما حظيت به الجماعة المسلمة من أئمة لم يجد القدر بمثلهم حتى اليوم لما تمتعوا به من عدل وحكمة وقوة واتزان وعلم.
وعلى الرغم من ذلك لم تُبتل بلدان مثلما ابتليت نفس تلك الجماعة المسلمة من استبداد وانتهاكات وظلم بكافة أنواعه، وتخلف مقنن، وتجهيل متعمد، وإمراض غير مسبوق .

وجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها المجدد حسن البنا في وقت كان الاستعمار الغربي للبلاد مهيمنا عليها وحاكم لها، اهتمت كتنظيم يعني بكل ما يخص المسلمين باعتبارها تنظيما يعتقد بشمول الإسلام، وأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، قد خصت تلك المسألة باهتمام كبير، بل وجعلته أصلا من الأصول العشرين التي وضعها البنا لشرح فكرته الإسلامية التي يعرضها على الشعوب المسلمة لتجديد مائها الراكد وفكرها البالي، ولا يعد الفرد فيها عضوا فاعلا إلا باعتقاده بتلك الأصول والعمل بها، فيقول البنا في الأصل الخامس والذي يعالج السياسة الشرعية عن الإمام ونائبه:

” ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوهاً عدة وفى المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني وفى العاديات الالتفات إلى الأسرار والحكم والمقاصد”

من هو الإمام وحدوده:

الإمام: هو الخليفة الذي ينوب عن النبي صلى الله عليه وسلم في تنفيذ أحكام الله ويأتي عن طريق الشورى، أو هو الرئيس الذي تختاره جماعة المسلمين فيكون رئيساً للدولة، ونائبه: أي من ينوب عنه في غيبته أو من يوليه ولاية إقليم أو عمل معين كقيادة الجيش أو القضاة أو الوزراء، والرأي هو الاجتهاد واستنباط الأحكام وهو ليس مطلقا للحاكم، أو متروكا لهواه ومصلحته الخاصة، وإنما هو مقيد بما ليس فيه نص شرعي، ومقيدا كذلك بمصالح العباد المرسلة، ولا يخالف قاعدة شرعية لأن القاعدة تقول (لا مساغ للاجتهاد في معرض النص) ، وهنا للإمام أن يفرض رأيه بتلك الشروط في غير معصية لله لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .

ما هو النص؟

النص الشرعي هو مجموعة الألفاظ والعبارات والدلالات الشرعية التي فرضها الله عز وجل على عباده ضمانا لمصلحتهم في الدنيا والآخرة باستقامة أمرهم وصلاح شأنهم، والنصوص قد تكون مباشرة واضحة الدلالة مثل قوله تعالى ” وأحل الله البيع وحرم الربا “، فهذا النص ذا صياغة واضحة ومعان لا تحمل غموضا، فرق الله فيه بين البيع والربا، فليس من حق الحاكم أن يدعي أن مصلحة العباد والبلاد تقتضي تمرير بعض صور الربا في المعاملات بين الدولة ودول أخري، فهو نص قطعي لا يحتمل تأويلا آخر ولو كان تحت ذريعة المصلحة

تحقيق مقاصد الشريعة ومصلحة الناس مهمة الحاكم:

المصلحة هي جلب المنفعة ودفع المضرة لقول الله تعالي (النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).

والمصالح تنقسم لثلاثة أنواع على رأي الفقهاء:

أولا: المصالح المعتبرة ومنها الضرورية التي لا تستقيم حياة إنسان بغيرها كحفظ “الدين والنفس والعقل والنسل والمال”، ومنها الحاجبة كالأخذ بالرخص لرفع الضيق عن الناس في حالاتهم الاستثنائية، ومنها التحسينية كستر العورة والملبس والمأكل والمشرب. 

ثانيا: المصالح المهدرة، وهي التي حرمها الشرع بالرغم ما بها من نفع قد يكون ظاهرا، مثل الخمر والميسر والإفطار في رمضان بحجة زيادة الإنتاج ومنها المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث بحجة العدل ومنها منع توريث البنت أو إجازة الربا لمصلحة البلاد، أو الاختلاط بين الجنسين بحجة التنوير أو إباحة الخمر للسياحة، فكل تلك المصالح مهدرة لا يحق لحاكم الأخذ بها لأنها تصطدم مع نصوص شرعية من القرآن أو صحيح السنة.

ثالثاً: مصالح مرسلة: وهي التي أرسلها الشرع ولم يذكرها بتحريم، والأصل في الأشياء الإباحة ما لم تحرم بنص قطعي وهي أدنى رتب المصالح، ولا تعتبر إلا تحت عدة قواعد منها.

لا ضرر ولا ضرار

درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة ومن أمثلتها زراعة صنف معين من المزروعات، فهذا متروك لتقدير الإمام واحتياجاتهم ومصالحهم، ومن حق الحاكم أن يتحكم بزراعة نوع ما من المزروعات ويحرم زراعة آخر وفقا لمصالح الناس، وليس وفقا لعدم قدرته على حماية مصلحتهم في زراعة نوع آخر هم في حاجة إليه أكثر وقد تتغير فتواه كل عام وفقا لتلك الاعتبارات، وفي هذا يقول الشافعي: واجتهادات الإمام قد تتغير بحسب الظروف والعرف والعادات.

 شروط إمامة المسلمين؟

اتفق الفقهاء على عدة شروط يجب أن يتحلى بها الحاكم المسلم كي يعرض نفسه للشورى أو عملية الاختيار أيا كانت آليتها، وليس من حق الناخبين الاختيار بين من يخرجون على هذه الشروط، وتعتبر ولاية الإمام منتهية إذا انتفى شرط من تلك الشروط بعد توليه إمامة المسلمين، فالحاكم الذي يرتد عن دينه حكمه إنهاء ولايته إجبارا، والحاكم الظالم الذي يخرج عن دائرة العدل وهكذا، وأما الشروط الواجبة في إمامة المسلمين:

1-الإسلام: فهو من المسلمين لقول الله تعالي (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

2-الذكورة أو الرجولة “لن يفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة ” وذلك في الولاية العامة أي الحاكم أما دون ذلك ففيه خلاف واجتهادات عند العلماء.

3-أن يكون عدلاً في دينه لا يعرف عنه فسق متقياً الله ورعاً عارفاً بأمور السياسة وشئون الحكم جريئاً على إقامة حدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم، شجاعاً، ذا دراية بمصالح الأمة وسبل تحقيقها مع الحرص عليها.

4-أن يكون جامعاً للعلم بالأحكام الشرعية لأنه مكلف بتنفيذها إذ لا يمكنه التنفيذ مع الجهل (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ).

هذا الإمام ونائبه هو الذي له حق الرأي فيما لا نص فيه فإذا اختلف الفقهاء في مسألة خلافية فيها أكثر من رأي فله هو أو نائبه إلزام الجماعة المسلمة برأي من هذه الآراء يلزمها ولا تحيد عنه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه