الجماعة الإسلاميّة.. وقد صبأتْ!

 

وإذْ فجأةً (يا مؤمنُ)، يجرِي الحديثُ عنِ الجماعةِ الإسلاميّةِ بمصرَ، حديثَ التّاركِ لدينِهِ..المُفارقِ للجماعةِ، لقدْ صبأتْ، وكفرَتْ بعدَ إيمانٍ، حيثُ غادرتْ تحالفَ دعمِ الشّرعيّةِ، ولمْ يبقَ إلّا أنْ يُبعثَ عناصرُها يومَ القيامةِ، وقدْ كُتِبَ على جبينِ كلِّ عنصرٍ: «آيسٌ منْ رحمةِ اللهِ»!.
لمْ أسمعْ بإعلانِ الخُرُوجِ، ولكنِّي سمعتُ عنهُ بالتّعليقِ علَيهِ، وكانتْ فرصة مناسبة لنسمعَ منْ جديدٍ عنِ فقيدِ الأُمّةِ «تحالفِ دعمِ الشّرعيّةِ»، الّذي ماتَ فِي رَيعانِ الشّبابِ، فبدَا موتُه، ممّا يُطْلِقُ عليهِ النّاسُ فِي بلدِي: «خُطف»، فقدْ أعلنَ حزبُ «البناءِ والتنميةِ» التابعُ للجماعةِ الإسلاميّةِ، أنَّه لمْ يعُدْ عضواً فِي أيِّ تحالفٍ خاصٍّ بشرعيّةِ مُرسي، فبدَا لِي أنَّ ساعةَ الزمنِ لدَى القومِ مُعطّلةٌ، ولا شكَّ أنَّ هذَا منْ تأثيرِ ثقافةِ السّجونِ، التي تطبّعَ مَنْ بقِي فيها لفترةٍ طويلةٍ بطابعِها، ومِنْ بينِ ذلكَ توقّفُ عَجلةِ الزّمنِ، وعدمُ إدراكِ معْنى الوقتِ، فهناكَ يَفقدُ الوقتُ معناهُ وأهمّيتَهُ.. حوالَينَا لا علَينَا!
وإلّا فَما معْنى إعلانِ «الخروجِ الآنَ»، وبعدَ أنْ صارَ يُمثّلُ إخراجاً للحيِّ مِنَ الْميتِ؟، لكنَّ المُدهشَ حقّاً، هُوَ أنّني كنتُ أتعاملُ معَ «التّحالفِ» علَى أنَّهُ يندرجُ تحتَ لافتةِ «الرأيِ والحربِ والمكيدةِ»، فإذَا بهِ عندَ البعضِ يُمثّلُ منزلاً أنزلَهُ اللهُ لهُم، فاستحقّتْ بالتّالي الجماعةُ وحزبُها (البناءُ والتنميةُ) الاتّهامَ بالخيانةِ والنّفاقِ، لمجرّدِ أنْ قطعتْ علاقتَها بِهِ! عادتْ بِي الذاكرةُ إلَى الوراءِ، عندَما كانَ يتمُّ التعاملُ معَ هذا التّحالفِ، علَى أنَّه تعبيرٌ عنِ الفِرقةِ النّاجيةِ، لا يجوزُ نقدُ أدائِهِ ولَو بشطرِ كلمةٍ، حتّى صارَ مُقدّساً، لتمتدَّ قدسيتُه إلى حدِّ أنَّه كانَ يكفِي لتفخيخِ أيِّ شخصٍ مجردُ القولِ عنْهُ أنّهُ يفكِّرُ في خلقِ تجمّعٍ بديلٍ، أو تحالفٍ مُنافسٍ، أو تنظيمٍ آخرَ، ولَو منْ أجلِ الدّفاعِ عنْ ذاتِ المبادئِ، فكفَى بالمرْءِ إثماً أنْ تُحدِّثَه نفسُه بذلكَ، أَو أنْ يُنشرَ عنْهُ هذَا!

قبل الأكل وبعده

تذكّرتُ يومَ أنْ دعَا الداعِي، إلَى «ورشةِ عملٍ»، تبحثُ فِي أمرِ الانقلابِ ومُواجهتِهِ وقدْ عُقدتْ فِي ماليزيا، عندئذٍ كانتْ هِي الحربَ، الّتي دفعتْ مَنْ شاركُوا فِي الورشةِ هذِه إلى الإعلانِ قبلَ الأكلِ وبعدَهُ، أنَّهم مُتمسّكونَ بالتّحالفِ، باعتبارهِ المُمثّلَ الشرعيَّ والوحيدَ للشرعيّةِ، وكانَ لزاماً أنْ يُسبّحوا باسمِه قبلَ طلُوعِ الشمسِ وأدبارِ السُّجودِ، وعلى نحوٍ يذكّرُنا بالاسمِ الكاملِ فِي وسائلِ الإعلامِ لمُنظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ، في السّابقِ، فلمْ يكنْ اسمُها يُذكرُ إلّا متبوعاً بأنّها المُمثّلُ الشّرعيُّ والوحيدُ للشّعبِ الفلسطينيِّ!.

وقدْ كانَ يوماً أسودَ، هذَا اليوم الّذي أعلنَ فيه المُناضلُ مجدي أحمد حُسين، انسحابَه وحزبِه «الاستقلالِ» مِنْ هذا التّحالفِ، لأنَّهُ قرأَ المُستقبلَ مُبكّراً، وأيقنَ أنَّ أداءَ التحالفِ لنْ يُفضِي إلَى شيءٍ، وانطلقتِ اللجانُ الإلكترونيةُ تُهاجمُهُ، ممّنْ لا يعرفُ تاريخَ الرجلِ ونضالَهُ، وقدْ دخلَ السِّجنَ أكثرَ منْ مرّةٍ، فِي وقتٍ كانَ مَنْ يُهاجمُونَه لا يدرونَ ما الكتابُ وما السّياسةُ، فإلّا وقدْ غادرَ الفِرقةَ النّاجيةَ، فمعْنى هذّا أنَّه اتّفقَ معَ الْأمنِ علَى ذلكَ، وهناكَ مَنْ قالَ بلْ إنّه كانَ دسيسةً أمنيّةً، اخترقَ بها الأمنُ التحالفَ، وقدْ فشلَ في مُهمّتِهِ التخابُريّةِ فخرجَ، ولم ينقذْهُ من حُدثاءِ الأسنانِ سفهاءِ الأحلامِ إلّا اعتقالُهُ، حيثُ لا يزالُ في سِجنِهِ إلى الآنَ، وكأنَّ القلقَ الأمنيَّ مِنْ تركِ «التحالفِ» وليس من الاستمرارِ فيهِ!. لتنشيطِ الذاكرةِ، فإنّ ما يزالُ عالقاً فيهَا منْ أداءِ «تحالفِ دعمِ الشرعيّةِ ورفضِ الانقلابِ»، هُو هذِه «الوقفةُ» الأسبوعيّةُ، لأعضائِه التي تُشبهُ المُؤتمراتِ الصّحفيّةَ، والتي تنتهِي بإعلانِ اسمٍ جديدٍ للحراكِ الثوريِّ لهذَا الأسبوعِ، فهذا أسبوعُ الصّمودِ، وهذا أسبوعُ الغضبِ، وهذا أسبوعُ التمنِّي على اللهِ، وهكَذا، ومنذُ ثلاثِ سنواتٍ، فقدْ توقّفَ الحراكُ، وانتهَى بالتّالي دورُ تحالفِ دعمِ الشّرعيّةِ، الّذي جاءتِ الْحملةُ علَى «الجماعةِ الإسلاميّةِ» لتذكّرَنا بِهِ، وقدْ أعلنتْ أنَّها لمْ تعُدْ عضواً فيهِ!.

محاولة للتوثيق

وقدْ حاولتُ فِي مرحلةٍ سابقةٍ، الوقوفَ على طريقةِ الإدارةِ بداخلِهِ، منْ منطلقاتٍ صحفيّةٍ ومهنيّةٍ، وللتّوثيقِ الصّحفيِّ لواحدةٍ منْ أهمِ المراحلِ في تاريخِ الثّورةِ المِصريّةِ، لكنْ فِي كلِّ مرةٍ يكونُ الردُّ: «بعْدَين»، حتّى منْ أولئكَ الذينَ انخرطُوا فيهِ وهُم يظنّونَ أنّ تحتَ القُبّةِ شيخاً، وأنّه على النّارِ هُدى، ويرونَ الآنَ أنّه كسرابٍ بقيعةٍ يحسبُهُ الظمآنُ ماءً، حتّى إذا جاءَه لم يجدْه شيئاً!
ونحنُ نعيشُ في كنفِ «بعْدَين»، فالدكتورُ محمّد البرادعي، فِي معرضِ ردِّه علَى «نور»، فيما يخصُ مُشاركتَه فِي الانقلابِ العسكريِّ، فإنَّه يحيلُ «نور» إلى الوقتِ المُناسبِ، فما حدثَ «يا نور» لمْ يَحِنِ الوقتُ لذكرِه، فأيضاً البرادعي يأخذُ بمبدأ «بعْدَين»!
السؤالُ الذي أسعَى للإجابةِ عليهِ يدورُ حولَ آلياتِ العملِ داخلَ التّحالفِ، وهلْ إدارةُ المشهدِ الثوريِّ كانتْ نتاجَ نقاشٍ وأخذٍ وردٍّ، بينَهم، أمْ أنَّ التحالفَ كانَ شكلاً، لنقلِ الرسائلِ، وأنَّ الآخرينَ منْ غيرِ الإخوانِ فيهِ كانُوا يسمعونَ ويُطيعونَ، ثقةً في «الإخوة»، وتقديراً منْهم لكونِهم الأكثرَ فهماً للسياسةِ، باعتبارِ أنَّ لهُم «سابقةَ أعمالٍ» يفتقدُها الآخرونَ؟.. لكنَّ الردَّ دائماً هُو «بعْدَين يا نور»، حتّى نسِيتُ الأمرَ برمّتِه، لنتذكّرَ الآنَ التّحالفَ، بخُروجِ الجماعةِ الاسلاميّةِ منهُ، فماذَا أبقاهم فيهِ حتّى الآنَ؟، ومعَ هذا البقاءِ لوقتٍ متأخرٍ بدونِ ضرورةٍ موضوعيةٍ استحقُّوا رميَهم بالخيانةِ، والّذي بدا لي أنّها ليستْ بالمدلولِ السّياسيِّ للاتّهام، ولكنّها خيانةٌ للهِ وللرسولِ!

ليس في محله

الحديثُ عنْ أنّ هذا «التركَ» هُو خيانةٌ لقضيةِ الشّرعيّةِ، اتّهامٌ ليسَ في محلِّه، لأنَّ التحالفَ ليسَ وحدَه المُتحدّثَ باسمِ قضيةِ الشرعيّةِ، فمنْ غيرِ أعضائِه مَن قالُوا بِها، وهي قضيةٌ سياسيّةٌ في البدايةِ والنّهايةِ، دعْكَ منْ أصحابِ خطابِ أنّ مُرسي لهُ فِي أعناقِنا بيعةٌ، لأنّ أحداً لمْ يبايعْه، والانتخاباتُ التي فازَ فيهَا الدكتورُ مُحمّد مُرسي برئاسةِ الجمهوريّةِ، لمْ تبرمْ في سقيفةِ بَنِي ساعدة، فقدْ تمّتْ وَفْق قيمِ المدنيةِ، فأنتَ أعطيتَ مُرسي صوتَك الانتخابيَّ، والصوتُ ليسَ هُو البيعةَ المُقررةَ دينيّاً، وإلّا صارَ واحداً مثلِي في حِلٍّ منْ هذا كلّه، لأنّ مُرسي ليسَ لهُ فِي عُنقِي بيعةٌ، فلمْ أبايعْه على الإمامةِ العُظمَى، بالتصويتِ لهُ. لكنّها الديمقراطيةُ الحديثةُ، التي تجعلُ منهُ رئيساً شرعيّاً لمَنْ انتخبُوه ومَنْ لمْ ينتخبُوه، والموضوعُ يخضعُ لمعاييرِ الدولةِ، وليسَ لقيمِ الخلافةِ الإسلاميّةِ!
نحنُ ندركُ أنّ هناكَ ضغوطاً تتعرضُ لهَا الجماعةُ الإسلاميةُ كانتْ وراءَ قرارِ الانسحابِ، لأنَّ القادةَ بهذا الاستمرارِ إنّما يضعُونَ الأعضاءَ فِي معركةِ الموتِ المجاني، فتوقُّفُ الحراكِ الثوريِّ، كانَ هذا بمثابةِ «كلمةِ سرِّ الليلِ»، التي دفعتْ قواتِ الأمنِ للفتكِ بالجميعِ، وبالتّصفيةِ الجسديّةِ، والتغييبِ القسريِّ، ولمْ يكنْ هذا حاصلاً والنّاسُ في الشوارعِ، والّذي انتهَى بتحذيرٍ أصدرَه آخرُ حراكٍ ثوريٍّ، في ميدانِ المطريّةِ، بأنَّ النساءَ خطٌّ أحمرُ، وأُعطِيت أجهزةُ الأمنِ مهلةً (24ساعةً) لإخلاءِ سبيلِ المُعتقلاتِ، فتمَّ الإفراجُ عنهنّ ومنَ الإسكندريةِ إلى أسوانَ فِي ظرفِ ساعتَينِ. فماذا يفيدُ بقاؤهم الآنَ في التحالفِ، ليمثّلَ استمرارُهم فيهِ قيمةً، وأينَ هُو التحالفُ أصلاً؟! بلْ ولماذَا إطلاقُ اتّهاماتِ الخيانةِ والنّفاقِ فِي هذا، والأمرُ كلُّه يدخلُ فِي إطارِ «الرأيِ والحربِ والمكيدةِ»؟!

حب العجائز

لقدْ سحقَ نظامُ مُبارك الجماعةَ الإسلاميّةَ فِي سجونِه، ولمْ يناصرْهُم أحدٌ ولو ببيانٍ، وفِي الانتخاباتِ البرلمانيّةِ تلاعبَ بهِم الإخوانُ، ونظرُوا إليهِم باستهانةٍ، حيثُ لمْ يصدُقُوا إلّا معَ حمدين صباحي وحزبِه «الكرامةِ»، ومعَ ذلكَ كانتْ انحيازاتُ القومِ للإخوانِ فِي كلِّ معاركِها، وقوةً مضافةً للرئيسِ محمّد مُرسي، وعقبَ الانقلابِ كانُوا منْ حمَوا مقارَّ الجماعةِ وحزبِها فِي مُحافظاتِ الصّعيدِ، حيثُ جرَى استباحتُها فِي عمومِ القُطرِ المصريِّ، إلا حيثُ نفوذُ الجماعةِ الإسلاميّةِ، لكنّه ظلَّ «الحبّ من طرفٍ واحدٍ»!

إنّه حبُ «العجائزِ» وكبارِ السنِّ، الّذي يدفعُ المُحبَّ للتمسكِ بحبِهِ، كمَا لَو كانَ مكافأةَ نهايةِ الخدمةِ، معَ أنَّ أدبياتِ الجماعةِ الإسلاميةِ قائمةٌ أصلاً على الخلافِ معَ الإخوانِ والصراعِ والتنافسِ معَهم، وعندَما تذكّرُهم بذلكَ يرفعُونَ الشعارَ العاطفيَّ سنتقي اللهَ فيهم بقدرِ ما يعصُون اللهَ فينا!
قبلَ الانقلابِ، وعندَما بدأ الحديثُ عنِ انْتخاباتٍ برلمانيّةٍ، التقيتُ أحدَ وجهاءِ الجماعةِ الإسلاميّةِ فِي مكتبِ أحدِ رجالِ الأعمالِ، وقدْ حاولتُ إقناعَه بأنّ مكانَهم مع القُوى المدنيةِ، لصالحِ قضيةِ الديمقراطيةِ، حتّى لا يسودُ تنظيمٌ واحدٌ ويهيمنُ على الحياةِ السياسيّةِ، وظلَّ يسمعُ لِي، إلى أنْ انتهيتُ، فقال: «نحنُ نعرفُ إلى ماذَا تهدفُون؟.. تريدُون أن تأخذوننا واحداً واحداً، تنتهُوا من الإخوانِ ثمّ يأتي علينا نحنُ الدور».
بدا الرجلُ يحدّثُني كمَا لو كنتُ مندوباً عن تحالفِ قُوى الشعبِ العاملِ؟ وقلتُ له مَنْ نحنُ ومَنْ أنتُم؟..أنا ومِن موقعِي الّذي لم أغيّرْه كتبتُ أطالبُ بالإفراجِ عنِ الشيخِ عُمرَ عبد الرحمن في عهدِ مُبارك، فهلْ فعلَها أحدٌ منَ الإخوانِ قبلَ الثورةِ أو بعدَها؟!
إنَّها ليستْ معركةَ الإسلامِ، لكنَّها معركةُ الثورةِ ومبادِئِها، وليسَ فِي مصلحةِ الثورةِ أنَّ مَنْ شاركُوا فيها يشعرُونَ باستمرارِ تهميشِهم لأنَّ الصوتَ الإسلاميَّ يجدْ قَبولاً لدى الشّارعِ، حتّى لمَنْ لم يُشاركُوا فِيها وكانُوا يفتونَ بحُرمةِ الخروجِ على الحاكمِ!
بَيدَ أنّي شعرتُ بعدمِ جدوَى كلِّ هذا الكلامِ، فهُو حبُّ العجائزِ، الذي يُشبهُ الحبَّ العُذْرِيَ، واستمرّ القومُ على حالِهم، وعندما ينسحبونَ الآنَ مِنَ التحالفِ فلا قيمةَ لهذا الانسحابِ لأنَّه لا وجودَ للتحالفِ أصلاً.. رحم الله موتاكم!
إنَّ الخيانةَ تكونُ إذَا خرجتِ القوى السياسيّةُ في ثورةٍ، وتخلّفتْ عنها الجماعةُ الإسلاميّةُ، إلّا إذَا كانَ المطلوبُ التّضحيةَ بالقومِ في تصرّفٍ انتحاريٍّ لا ينتجُ أثراً.

فهلْ هذا هُو المطلوبُ؟!
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه