التنمية بالفقر

زيادة نسبة المصريين تحت خط الفقر إلى 6.2٪ من 5.3٪، ما يمثل أكثر من 6 ملايين مواطن

كنت أعرف رئيس مؤسسة كانت تعمل بالإعلام والسياسة فى آن واحد، وكان المصدر الرئيسى لدخلها هو التبرعات

من المتعاطفين مع أفكارها ومبادئها، ورغم أن القانون كان يسمح لهذه المؤسسة ببعض المشاريع التى تضمن لها تمويل منتظم يخضع لقواعد مؤسسية شفافة، إلا أن رئيسها كان يعرقل مثل هذه المشروعات، ويفضل الاستمرار فى التمويل المعتمد على التبرعات من المتعاطفين، وكان يقف بشدة ضد أى مشروع مؤسسى يضمن تمويلا يخضع لقواعد محاسبية شفافة على عكس التبرعات التى كانت دائما غير معلنة بحكم خطورة الكشف عنها لأسباب سياسية، أو لعدم الإعلان عن المتبرع ولدخولها المؤسسة بشكل عرفى غير رسمى.

 

 واكتشفت آنذاك ارتباط شرطيا بين استجلاب تبرع كبير وارتفاع نبرة هذا المسئول أو رئيس المؤسسة بالشكوى من الفقر وقلة الأموال

وهو ما يهدد المبادئ التى تقوم عليها المؤسسة، وأيضا والأهم استبعاد أى نية للمحاسبة على الأموال المتدفقة على المؤسسة، وأتذكر أنه كان يعترض على أى مشروع مؤسسى لتحقيق تنمية مستدامة للكيان بمقولة لازمة له “الفقراء ليس من حقهم أن يحلموا”.. وكان يضخ أموالا من التبرعات  داخل المؤسسة بالقدر التى يبقيها على حدود الوجود الضعيف غير المؤثر لتجذب مزيدا من التبرعات، يدخل معظمها للمصير المجهول، والنذير منها للحفاظ على حياة الكيان فى حدود الدور المحدد له، وفى الوقت الذى تعانى هذه المؤسسة فيه من أزمات الفقر وعدم التأثير فى مجالها، كان رئيسها يزداد ثراء ونفوذا دون أى انعكاس على الكيان التى يرأسه ويتبنى مبادئه.

 وعندما وقف رئيس الدولة فى مؤتمر هدفه البحث عن سبل للتنمية الاقتصادية يؤكد على أننا فقراء ويكررها عدة مرات، فى الوقت الذى تنهال المنح والهبات والمساعدات والقروض على الدولة، أتذكر تجربة هذه المؤسسة التى أتحدث عنها، والتى انتهى عائدها بانهيار الكيان وثراء القائمين عليه.

 والمؤسسة ياسادة تعنى تأسيس (خلق) إيجاد كيان يعبر عن مصالح مجموع وتتميز بالاستقلالية عن مصالح العناصر المتشكلة منها، أي أن جهودها ومصالحها تنصب بالشكل الأساسى إلى مصالح المجموع الذى تعبر عنه هذه المؤسسة، ومن المهم أن ندرك أن مفهوم المؤسسة يتعارض مع مفهوم التعاقد الذى ينحصر فى إنجاز نتائج تصب فى مصلحة المتعاقدين، أما المؤسسة فتحمل هدفا اجتماعيا ممتدا.

من التعريف السابق نستطيع أن نتأكد من انحياز أو نوايا قادة مؤسسات الدولة، فإذا كانت جهودهم تتجه ناحية التنمية المؤسسية الجماعية، والتى تصب فى تطوير أهدافها الجماعية والمجتمعية، فهم قادة معبرون عن مصالح المجموع الذى ينتمى لمؤسسة الدولة، وإذا كانوا معرقلين للمشروعات التنموية الجادة، وتتجه جهودهم إلى مصادر التمويل التعاقدية الفردية، ومنها التبرعات والهبات، والتى لا يتم توجيهها إلى المشروعات التنموية التى تضمن النهوض بكيان الدولة ككل، فإننا إزاء مسئولين عن الدولة وصناع قرار سياسى وفئة حاكمة ومسيطرة يستهدفون استغلال المؤسسة لمصالحهم كطبقة أو فئة.

 

وبالطبع لابد من أدوات لضمان استمرار شكل مؤسسة الدولة بالقدر الذى لا يتعارض مع مصالح النهابين الذين يتولون القيادة

 

وفى نفس الوقت ضمان جذب أكبر قدر من الدخل عن طريق الهبات أو القروض أو فائض جهد عمل بقية المنتمين للمؤسسة ليسهل نهبها واستيعابها فى مصالح الفئات الخاصة المرتبطة بنظام الحكم، هذا يفسر المبالغ التى يتم توجيهها لشراء الأسلحة والطائرات وحاملات الطائرات والسفن والسيارات الفارهة للنواب  فى الوقت الذى يتم توجيه الخطاب الرئاسة للشعب يحمل التصريح بأنه شعب فقير ليس له الحق فى أى مطالب، أو حتى مجرد الحلم والأمل فى المستقبل، ويطالبهم بمزيد من العمل ليصب عائده فى مصالح الفئات المحيطة بدائرة الحكم والنظام الحاكم بكل تدرجها التنفيذى والتشريعى والقضائى والإعلامى، وما يحيط بهم من أدوات فاسدة من رجال إعلام وأعمال ولصوص.

 

الخلاصة،إن دعاوى رئيس الجمهورية بأننا دولة فقيرة ما هى إلا أدوات لجذب مزيد من الأموال داخليا وخارجيا

 

يصب جزء منها لترميم الدولة عسكريا بالقدر الذى يبقيها قادرة على إنتاج الربح للنظام الحاكم وحمايته وجلب أموال الهبات بحجة تنمية الدولة.

 هم ليسوا دائرة حكم وقيادة مؤسسة دولة هم طغمة من اللصوص ومصاصى الدماء يقودون دولة وشعبا بائسا.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه