التفريغ الصهيوني للقاهرة وحديقة الحيوان

مثلي مثل كل المصريين توقفت عند خبر نقل حديقة الحيوان بالجيزة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وربما كان الدافع المتقدم يتعلق بأسباب وجدانية مثل ذكريات الطفولة والتجمع الأسري في جزيرة الشاي واللعب مع الحيوانات والنزهة على ظهر الفيل والسيسي وغيرها من مظاهر عشناها في الطفولة لا يمكن أن تغيب عن الذاكرة.

ولكن كان من الطبيعي أن يتفاعل الخبر مع كل الخبرات الحياتية التي عشناها في مجتمع تقوده معظم الوقت أنظمة متآمرة، انحيازاتها سواء بقصد أو من دون قصد دائما تكون ناحية المتآمرين على الأوطان والمشروعات الاستعمارية أكثر من انحيازها لشعوبها!!، ولهذا أعاد لي القرار جزءًا من ذاكرتي التي تقودني دائما إلى التفسير المتآمر الإيجابي الذي دائما ما تثيت صحته مع هذه الأنظمة وتجاه هذه المؤامرات.

أخطر مشروع استعماري يهدد المنطقة العربية هو الصهيونية بكيانها المحتل لفلسطين، ومركز التغلل للمشروع الصهيوني هو دائما القاهرة التي تحولت من مركز إشعاع حضاري إلى مركز انطلاق استعماري تحت ضغط  اتجاهات رجال الحكم .

والصهيونية يا سادة ليست نظرية استعمارية تقليدية تستهدف الهيمنة العسكرية أو الاقتصادية على أراض واحتلالها، وإنما هي نظرية عنصرية تستهدف ما هو أخطر من ذلك على نحو ما سنرى وما سيفسر قرارات كثيرة اتخذها عملاء الصهيونية لخدمة المشروع الإسرائيلي الصهيوني، ومنها القرار الأخير بنقل أقدم وأكبر حديقة حيوان في الشرق وأعرق حديقة في قارة أفريقيا من الجيزة للعاصمة الإدارية الجديدة.

النظريات العنصرية

الصهيونية ضلع من الأضلاع الثلاثة لمثلث العنصرية في العصر الحديث وهم النازية والأبرتهايد والصهيونية… ولكي ندرك مدى خطورتها ونتفهم مخططاتها يجب أن نفرق بينها ونفهم طبيعة كل منها باختصار غير مخل.

النازية التي ظهرت كأيديولوجية في بداية القرن العشرين تقوم على تقسيم الأجناس البشرية إلى طبقات يكون أعلاها الجنس الآري، وتعتبر هذه النظرية بقية الأجناس معوقين للتقدم البشري وبالتالي يجب التخلص منها ليسود الجنس الآري الجيرماني وتحسين الجنس البشري بالقضاء على الأجناس المتدنية، وباختصار كانت هذه أيديولوجية هتلر التي قاد بها الألمان في الحرب العالمية الثانية وكان يستهدف بها السيطرة على بلدان الأعراق القريبة من مواصفات الجنس الآري والانقضاض على بقية الأجناس المتدنية ليسود الجنس الآري العالم كله وتتحسن مواصفات الجنس البشري، لهذا كانت هذه النظرية العنصرية تعتمد على الإبادة للعناصر الأخرى وهو هدف واضح، ولأنه كان هدف يقترب من صفة الخلل العقلي انهزمت هذه النظرية (ليس بشكل نهائي) وانهزمت معها كل مخططات هتلر في الحرب العالمية وانقسم المجتمع الألماني إلى مجتمعين أو دولتين.

أما الآبرتهايد فهي تتشابه مع الاتجاهات الاستعمارية التقليدية في أهدافها فقد ظهرت في جنوب أفريقيا في نهايات النصف الأول من القرن العشرين بهدف ضمان سيطرة الأقلية البيضاء علي اقتصاد المنطقة في مواجهة الأغلبية السوداء، وهذا لن يكون إلا عن طريق الهيمنة السياسية، وكانت العنصرية هنا هي المبرر لهذه الهيمنة فظهرت قوانين الآبرتهايد التي تقسم سكان جنوب أفريقيا إلى مجموعات عرقية سود وبيض وملونين وآسيويين، وتم اعتبار مناطق الأغلبية السوداء أوطاناً، ولكن ذات سيادة اسمية، وليس لهم أي حقوق سياسية أو مجتمعية في مناطق جنوب أفريقيا البيضاء والهيمنة الاقتصادية في المنطقة كلها تكون للبيض، ولهذا كان الأساس في هذه النظرية العنصرية هو الفصل العنصري والانحياز بالامتيازات لجنس أو عرق واحد، وباختصار ودون الدخول في تفاصيل تاريخية انتهى هذا الأمر عام 1995 م.

الصهيونية أعلى مستويات العنصرية

أما الصهيونية فهي أيضا نظرية تبرير استعماري من خلال حركة سياسية يهودية ظهرت في وسط وشرق أوربا أواخر القرن التاسع عشر، بهدف تجميع شتات اليهود في العالم في وطن واحد، وأدت الظروف الاستعمارية في المنطقة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين والتقاء مصالح المستعمرين الأوربيين في المنطقة العربية، وخاصة إنجلترا، مع مصالح هذه الحركة اليهودية، إلى اختيار فلسطين لتصبح الوطن اليهودي بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد، ولكن يبدو أن الأمر كانت به دوافع وأهداف يهودية خفية تجاوزت المصالح الاستعمارية، فالأحداث كلها تؤكد أن هذه الحركة الصهيونية منذ تأسيسها كانت تستهدف السيطرة على المنطقة العربية كلها باعتبارها مهبط الأديان وربما بهدف عودة المجد لليهود باعتبارهم شعب الله المختار، وبعيد عن تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي وقصص خيانة الأنظمة العربية نصل إلى أن الصهيونية عكس النظريات العنصرية الأخرى النازية والأبرتهايد كان تتبع أسلوب الاستبدال العنصري والهيمنة العنصرية عن طريق السيطرة على الأراضي العربية وسيطرة العنصر اليهودي الصهيوني بكل الوسائل المتاحة وليس فقط الوسائل العسكرية، وهنا مربط الفرس فلكي يتم تحقيق هذه الأهداف المجملة في هدف واحد (وطن من النيل والفرات) يجب تفكيك كل أربطة المنطقة الثقافية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية، وهذا يفسر تغلل إسرائيل وظهور ملامحها في كل الأحداث المحلية والمؤامرات في دول المنطقة، وخاصة مصر، وكل ذلك من خلال اختراقات وعملاء يتم زرعهم والتعامل معهم بأشكال مختلفة فكل بلد حسب ظروفه ومستوى السيطرة على دوائر الحكم فيه.

عود على بدء

فلنرجع إلى موضوع قرار نقل حديقة الحيوان للعاصمة الجديدة وعلاقته بمشروع التفريغ الصهيوني للمناطق الحضارية من السكان واستبدالها بمؤسسات متعددة تحت هيمنة الكيان الصهيوني.

لا أستطيع أن افصل هذا القرار عن أحداث عديدة شهدتها مصر عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل بدأت بتقويض حرية حركة الجيش المصري على الحدود مع إسرائيل في سيناء، تبعتها هيمنة إسرائيلية فعلية على المنطقة دون أى ملامح احتلال وتلتها أحداث كثيرة مثل التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي وفي خط مواز التخريب المتعمد لكل جوانب الحياة في مصر وخاصة في مجال الزراعة والصناعة والتعليم، وبالطبع هذا ليس مرجعيته المؤامرة الصهيونية فقط وإنما الأساس فيه هي الدوائر الحاكمة التي هيمنت على المنطقة كلها بمباركة واختيار الصهاينة والأميركان.

تفريغ العاصمة

في عام 2008 ظهرت شركة اسمها شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري كواجهة لشركة بريطانية اسمها «سماي هيلز» وانضمت لهم شركة أخرى اسمها تطوير، وبدأ هذا الكيان بشراء العقارات القديمة في القاهرة بحجة تطوير المنطقة وتحويلها لمنطقة ثقافية!! وكان يساعدهم بعض رجال الأعمال في مقدمتهم نجيب ساويرس، واستطاع هذا الكيان الاستحواذ على عشرات العقارات في المنطقة تحت مغريات الأموال الطائلة التي كانوا يعرضونها على سكان العقارات مقابل البيع، وكان اتجاه الشراء يتجه دائما تجاه مباني القاهرة الخديوية القديمة، وتم ترميم بعض المباني لتأكيد حجة التطوير ولكن الملكية أصبحت لشركات أجنبية، كل هذا والحكومة المصرية تلتزم الصمت، حتى توقف المشروع مؤقتا أثناء ثورة 2011، وعاد مرة أخرى مع بدء حكم عبد الفتاح السيسي، وظهرت فكرة العاصمة الإدارية الجديدة وسط عدم وضوح من الهدف من إقامتها، ولكن الهدف كان امتداد لمشروع تفريغ القاهرة القديمة من السكان وبالتالي من المصالح الحكومية والانتقال إلى عاصمة إدارية بعيدة عن مجرى النيل ثم خلق مجتمع هامشي حولها يتم حشر بقية السكان فيه بعد تهجيرهم من بيوتهم، وهذا التفسير يدعمه تصريح اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية برئاسة المهندس إبراهيم محلب عام 2010 وجاء فيه «أنه لا يمكن تطوير العاصمة التراثية، من دون تفريغ المباني التي تشغلها الوزارات والهيئات الحكومية، ونقل هذه الوزارات والهيئات إلى العاصمة الإدارية الجديدة».

فإذا اضفنا مشاهد تهجير السكان في جزيرة الذهب في الجيزة وحي الترجمان في وسط القاهرة وغيرها من الأماكن بالإضافة إلى القرار الأخير بنقل حديقة الحيوان من الجيزة للعاصمة الإدارية، وكل هذا بحجة التطوير ليس من قبل الحكومة المصرية وإنما تحت إشراف ورعاية شركات متعددة الجنسيات ودول أجنبية وثيقة الصلة بإسرائيل، كل هذا يؤكدد أننا إزاء مخطط صهيوني مدعوم بطابور خامس يملك حق اتخاذ القرار يستهدف تفريغ القاهرة الكبرى من سكانها وتسليمها خالية لمالك جديد تتواكب مصلحته مع مصلحة العنصريين الصهاينة

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه