البنية التحتية والدولة المهلبية

طريق السويس، الذي قامت الهيئة الهندسية للجيش بتنفيذه، انهار، وكذلك طريق العبور وغيرهما من الطرق التي تم تنفيذها حديثا

 

في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 قال الجنرال السيسي في جلسة المائدة المستديرة حول فرص الاستثمار في أفريقيا، متحدثا وظهره للحاضرين، في مؤتمر “أفريقيا 2019” الذي أقيم في العاصمة الإدارية شرق مدينة القاهرة العاصمة المصرية، إن قيمة ما تم إنفاقه على البنية التحتية في مصر بلغ 4 تريليونات جنيه!

 ولكن كما يقول المثل الشعبي “المياه تكذب الغطاس” فقد تعرت البنية التحتية وانكشفت سوءاتها للجميع، ومعنى إنفاق 4 تريليونات جنيه على البنية التحتية خلال السنوات الخمس الماضية حسب قوله، هو إنفاق 800 مليار سنويا، بمعدل 66 مليار شهريا، و2.2 مليار جنيه كل يوم، ومع هذا غرقت مصر في “شبر مياه” كما حدث.

فشل إدارة الأزمة

رغم تحذير هيئة الأرصاد المصرية وخبراء الأرصاد بأن هناك أمطارا قادمة ورياحا شديدة قد تقترب من الأعاصير، أطلقوا عليها اسم “منخفض التنين” سوف تضرب مصر خلال أيام محددة، وقد تخلف وراءها سيولا وأخطارا كثيرة، فإن الاستعدادات كانت إعلامية فقط -من باب العلم بالشيء تقريبا- ولم ترتق الحكومة لمستوى القدرة على إدارة الأزمات والتخطيط لما هو آت، وإنما تعاملت مع الأمر بتحذير الناس من الخروج، وجعل يوم الخميس إجازة رسمية، ثم أغلقت بابها، وقالت لنفسها “الباب الذي تأتيك منه الريح تغلقه وتستريح” وتركت الأمور لاجتهادات المواطنين وأصحاب القلوب الرحيمة، حيث يفعل الكل ما يراه مناسبا لتخفيف الكارثة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن غرق البلد، وتُوفي العشرات، وأصيب المئات، ونفق الكثير من المواشي، وتلف الكثير من البيوت والمخازن، وتحطم كثير من السيارات، وغرقت مناطق عديدة، واصطدمت القطارات، وانقطعت الطرق، وانهارت في كثير من المدن، وخاصة ما تم إنشاؤه في الفترة الأخيرة.

وأسفر سوء البنية التحتية عن سقوط العديد من الضحايا، سواء ما أعلن عنه رئيس الوزراء وهم عشرون شخصا، أو الحالات الأخرى التي لم يتم توثيقها مثلما جرى في منطقة الزرايب بالمعصرة جنوبي القاهرة على سبيل المثال.

30 سنة فساد

جاء انكشاف البنية التحتية بشكل كبير ومخيف رغم ما يقال عن المليارات التي أنفقت فيها، فإما أن هذه الأرقام ليست حقيقية، أو أن مَن نفذوها لم يكونوا على مستوى المهمات التي أوكّلت لهم، أو أن هناك فسادا في التنفيذ، سواء بإدارة الأمور بالرشوة أو باختيار شركات ليست لديها الكفاءة المطلوبة.

فمثلا طريق السويس الذي قامت الهيئة الهندسية بالجيش بتنفيذه انهار، وكذلك طريق العبور وغيرهما من الطرق التي تم تنفيذها حديثا، كما أن المدن والطرق التي تم تنفيذها في عهد المخلوع مبارك (الذي له ما له وعليه ما عليه كما يقولون) ظهر جليا أنه شابها الفساد وسوء التنفيذ، رغم أنه كان يسوّق لحكمه طوال الـ 30 سنة التي حكمها بأنه راعي البنية التحية، وأنه استلم الدولة دونها كما كان يردد دائما، فظهرت الحالة السيئة للبنية التحتية والفوقية في مدن كالرحاب ومدينتي والقاهرة الجديدة ومدينة ٦ أكتوبر والعبور، وهي مدن أنشئت في عهده.

 ٣٠ سنة من الفساد والنهب أظهرت مصر بهذا الشكل المزري، وانكشف البلد بالكامل بدرجة يصبح معها أي كلام عن “إدارة الأزمة” عبثا، فالطبيعي أن نتحدث عن “إدارة الدولة” وليس إدارة الأزمة، عن البنية الأساسية، والشوارع “الغرقانة” والمواصلات المعطلة، وأعمدة الكهرباء التي تقتل الناس، فقد تلخصت إدارة الأزمة في القطع والمنع فقط، حيث قطع الكهرباء، وقطع المياه، ووقف القطارات، والمنع من مغادرة المنازل، حيث قارن المواطنون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بين مدن العسكر الحديثة وبين القاهرة الفاطمية التي أقيمت من أكثر من ألف عام، ومنطقة وسط البلد التي أنشئت في عهد الخديوي إسماعيل إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث ظلت صامدة ولم تقهرها الكوارث بفضل عمل بلاعات “شنايش” من تنفيذ “بلدية القاهرة” وقتها لتصريف مياه الأمطار.  

خلال الـ 65 عاما الأخيرة ومصر تتهاوى في جميع المجالات، وكل رئيس يلقي بالتهمة على من سبقه، ونسوا أو يحاولون أن يخدعونا عن أنه كله نظام واحد لم يتغير منذ بدايته، وإن تغير فيه اسم الحاكم وشكله بسبب ظروف الوفاة أو الاغتيال أو الخلع، ولكن لم تتغير طريقة تفكيره وخلفيته التي تقوم على أسلوب الأمر والطاعة والأوامر الفوقية، وعلى القاعدة أن تنفذ من دون السماح للمواهب ولا الكفاءات الكفاءات بتولي المناصب، ولكن العكس هو الصحيح، فهو يعمل على قتلها ودفنها، وهو يردد أنا إلهكم الأكبر وما أريكم إلا ما أرى!

الشعب لا يستحق

ولأن المال هو ما يهم القوم، رغم زعمهم إنفاق التريليونات، فقد قال المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في أكتوبر من العام الماضي أثناء أزمة شبيهة، إن تكلفة إنشاء شبكة تصريف مياه الأمطار في محافظات القاهرة الكبرى تبلغ ما بين 200 و300 مليار جنيه، مستنكرا أهمية صرف هذا المبلغ على أمطار لا تستمر إلا يومين سنويا، وهكذا لا بد أن نتساءل وأين إذًا تم إنفاق التريليونات الأربعة؟ هل تم إنفاقها في مشروعات لا يراها الأشرار مثلنا، أم تم إنفاقها في العاصمة الإدارية التي استغل المسوقون العقاريون فيها الكارثة، ليعلنوا عن عقارات فيها لا تغرق ولا تتأثر، وأنه تم تأسيسها “صح” كما يروجون في إعلاناتهم حاليا؟

وبدلا من أن يكون الشعب مسؤولا من الحكومة والسلطة، صارت الحكومة عالة على الشعب، وكأنها أوكلت له مهامها في الإنقاذ والإسعاف، ومساعدة العالقين، بينما هي أدوار المؤسسات الحكومية وليس الأفراد.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه