البريكست يقتل البريمير ليغ!

” فلا مبالغة من القول إن الدوري الإنجليزي سيكون هو أكبر الخاسرين من البريكست، وخسائره سنراها سريعا وقريبا جدا، وعواقبها ستكون وخيمة وعديدة “

 

 

لو أن عشاق كرة القدم في أنحاء العالم وبخاصة هواة الكرة كاملة الدسم التي لا توجد إلا في البطولات الإنجليزية وعلى رأسها دوري الدرجة الأولى (البريمير ليغ)، علموا بالكوارث والمصائب التي ستحل بالكرة الإنجليزية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي المعروف اختصارا باسم “بريكست”، لخرجت جماهير الكرة من كل انحاء العالم في مظاهرات حاشدة تطالب ببقاء بريطانيا داخل الاتحاد حفاظا على أهم وأغلى وجبة كروية في الأرض.

فبعد أربع سنوات من الجدل الواسع استقر الرأي على خروج بريطانيا من الاتحاد، وبحلول اليوم الأول من شهر فبراير/ شباط الجاري تم التنفيذ الفعلي، ومعه بدأ الحديث عن مكاسب وخسائر الخروج.

لم يكن غريبا أن يكون الحديث عن الكرة الإنجليزية على رأس قضايا الجدل المتعلقة بالبريكست، لما للكرة الإنجليزية – خاصة البريمير ليغ – من قيمة فنية ومادية كبيرتين، فهو الدوري الأقوى والأغلى في العالم، وهو يمثل قوة شعبية واقتصادية هائلة جعلته يصنف كثاني أكبر قوة ناعمة في بريطانيا بعد قوة القصر الملكي.

فلا مبالغة من القول إن الدوري الإنجليزي سيكون هو أكبر الخاسرين من البريكست، وخسائره سنراها أسرع مما نتوقع، وأهم الخسائر ستكون في تراجع مستوى الدوري، أمام الدوريات الأوربية الأخرى، بعدما كان هو سيدها وعلى رأسها.

الخسائر المالية

ما يتوقعه خبراء الاقتصاد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سينعكس بشكل مباشر وكبير على قيمة العملة الإنجليزية وهي الجنيه الاسترليني، ويتوقع الخبراء أن تنخفض قيمة صرف الإسترليني مقابل العملات العالمية الأخرى، وقد أشارت بعض التقارير، إلى احتمالية نزول سعر الاسترليني الذي يساوي الآن 1.3 دولار إلى 1.15 دولار مستقبلا، أي أن نسبة الخسارة المبدئية الواقعة ستكون حوالي 11 في المئة، وهي نسبة ضخمة جدا، خاصة إذا ما تم قياسها بالقيمة السوقية للأندية واللاعبين، فلو افترضنا أن هناك لاعبا معروضا بقيمة مئة مليون دولار، كانت الأندية الإنجليزية ستدفع فيه قبل الخروج من الاتحاد حوالي 76 مليون جنيه استرليني، الآن وبعد الخروج ستدفع فيه حوالي 87 مليون استرليني.

تصاريح العمل

أزمة انخفاض قيمة العملة الإنجليزية لن تساوي شيئا بجانب الأزمة الثانية التي سيتسبب فيها الخروج، ألا وهي الخاصة بشرط حصول اللاعب الأجنبي على تصريح عمل، ففي السابق وقبل الخروج كان من حق أي لاعب يحمل جنسية أية دولة أوربية أن يلعب بإنجلترا من دون الحصول على تصريح عمل، أما الآن وبعد الخروج فقد أصبح واجبا على كل لاعب أجنبي من أوربا أو أية قارة أخرى الحصول على تصريح عمل لتصح إجراءات انضمامه لأي ناد.

 والحصول على تصريح عمل يتطلب شروطا قاسية يتوقع أن تكون سببا في رحيل معظم اللاعبين الأجانب بالدوريات الإنجليزية وعلى رأسها البريمير ليغ. فكما هو معروف فإن عدد اللاعبين الأجانب بالدوري الإنجليزي يمثل ثلثي العدد الإجمالي للاعبين، وطبقا لشروط الحصول على تصريح عمل فإن معظم اللاعبين الأجانب مهددون بالرحيل، حيث إن الشروط التي يفرضها قانون تصاريح العمل للاعبين تستوجب أن يكون اللاعب المنتقل لأي ناد إنجليزي قد شارك في مباريات منتخب بلاده الدولية بنسبة 30 في المئة، ذلك إذا كان ترتيب هذا المنتخب بتصنيف الفيفا من 1 إلى 10، فيما يصبح اللاعب مطالب بالمشاركة الدولية بنسبة 45 في المئة، ذلك إذا كان تصنيف منتخب بلاده من 11 إلى 20، وتزيد نسبة المشاركة الدولية المطلوبة إلى 60 في المئة إذا كان التصنيف من 21 إلى 30، ثم تزيد النسبة إلى 75 في المئة إذا كان التصنيف من 31 إلى 50.

وإذا كان شرط الحصول على تصريح العمل سيتسبب في رحيل العديد من نجوم الدوري الإنجليزي، فإن المشكلة الأكبر ستكون في ضيق مساحة الخيارات أمام الأندية لضم اللاعبين الموهوبين الذين تنطبق عليهم شروط الحصول على تصريح عمل، كما أنه يتوقع أن يكون سببا في رفع سعر اللاعبين في السوق الإنجليزية إلى أرقام خيالية، فيما ستكون المشكلة الأهم والأكبر هي التراجع الطبيعي والمتوقع لمستوى الدوري.

قانون اللاعبين القُصّر

ثالثة الأثافي تتمثل في أزمة قانون اللاعبين القُصّر التي ستواجه الأندية الإنجليزية مستقبلا، لأنه وبخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي فلن يحق لأنديتها ما كان يحق لها سابقا، من حرية في التعاقد مع أي ناشئ أوربي.

 ففي السابق كانت الاتحادات القارية والدولية تتعامل مع الدول الأوربية المتواجدة داخل الاتحاد الأوربي كوطن واحد، ومن ثم كانت تسمح بتنقلات اللاعبين الناشئين داخله دون قيود، أما الآن وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد، فقد أصبح محظورا على أنديتها التعاقد مع أي ناشئ حتى وإن كان من أوروبا، ومخالفة ذلك يضعها تحت طائلة قانون الاتحاد الدولي لكرة القدم – فيفا – المعروف بإسم قانون اللاعبين القُصّر، ذلك القانون الذي يحظر على الأندية التعاقد مع اللاعبين الأجانب دون 18 سنة، وهو قانون وضعه الفيفا لحماية اللاعبين الصغار واستكمال رعايتهم الأسرية وضمان مستقبلهم التعليمي، وهو قانون لا يتهاون الفيفا في تطبيقه، فقد سبق وأن وقع على أحد الأندية وهو تشلسي عقوبات قاسية، تمثلت في حرمانه من عقد أية صفقات للموسم الحالي، فضلا عن تغريمه 600 ألف دولار، ذلك لأنه قام بخرق القانون وتعاقد مع لاعبين أجانب تحت 18 سنة ومنهم على سبيل المثال برتران تراوري القادم من بوركينا فاسو والذي كان تشلسي اشتراه من نادي بوبو ديولاسو مقابل 400 ألف دولار.

على أية حال فالمؤكد أن المسؤولين عن الكرة في بريطانيا عامة وإنجلترا خاصة يعملون الآن على كيفية التعامل مع كل هذه الملفات بما يحفظ للمسابقات الإنجليزية مكانتها وهيبتها، إلا أن المؤكد أيضا هو أن الكرة الإنجليزية بعد البريكست لن تكون مثلما كانت قبله.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه