الارهاب يضرب برشلونة في عقر معاهدها

عبير الفقيه*

 استيقظت برشلونة صباح أمس الاثنين ( 20 ابريل) على جريمة بشعة راح ضحيّتها استاذ وأصيب أربعة آخرون إصابات بالغة، من بينهم أستاذة للغة الاسبانية.
تفاصيل الجريمة تبعث على القلق, مما استوجب حضور رئيس بلدية برشلونة ” شافي  ترياس” ليعاين المكان ومعه الكثير من الشخصيات المعروفة, في محاولة لفهم الجريمة التي وقعت بمعهد “جوان فوستر” بحي “لا ساغريرا” في برشلونة. 
حسب جريدة ” الباييس” يقول مدير المعهد إن القاتل تلميذ في الثالثة عشر من عمره, دخل هذا الصباح علي الساعة التاسعة متأخراً ساعة عن موعد الدراسة, متوجّها الى قاعة الدرس بوجه يتطاير شرّا حسب شهادة التلاميذ, وفي أوّل لقاء مع استاذة اللغة, سألته بنبرة هادئة عن سبب التأخير, فما كان منه الا ان سدّد لها طعنات بسهم يحمله, أصابها في صدرها, بعدها توجّه لابنتها (12 عاما) التي هبّت لإنقاذ والدتها وهي تلميذة بنفس القسم, فسدد لها طعنات على مستوى ساقيها.
وفي خضمّ  حالة الهلع والفوضى التي عمّت القاعة, توجّه استاذ التاريخ بالقاعة المجاورة { والذي كان قد استهل مهمته في هذا المعهد منذ 9 أيّام لسدّ غياب زميل} للتدخل  فما كان من التلميذ المسلّح الا ان أرداه قتيلا بعدّة طعنات على مستوى القلب بالسهم الذي يحمله والسكين التي بحوزته. بعدها وقبل التمكّن من إيقافه, أصابت تسديداته, استاذة اخرى و تلميذين اخرين, في طعن عشوائي.
  يقول الطاقم الطبي بمستشفى ” سان باو” إن الاصابات التي طالت المصابين ليست خطيرة جدا ماعدا اصابة استاذة اللغة الأسبانية التي كانت ضحيته الاولى.
وحسب جريدة ” لافانغوارديا”فان السّلاح المستعمل في هده الجريمة, هو سلاح غير متطوّر, يتكوّن من سهم من خشب, و أقلام حادّة جدا كان قد أعدّها التلميذ في منزله, وسكين مطبخ, و مسدّس  مقلّد للترهيب، إضافة الى قارورة مولوتوف من إعداده أيضا لم يستعملها, حملها كلّها في حقيبته, وجاء إلى المعهد متأخّرا {ولم تكن المرّة الأولى} بمزاج عدواني ظاهر للعيان منذ أوّل لحظة دخل فيها القسم, بشهادة التلاميذ.
 وفي الحقيقة, لم تذكر مديرة المعهد ولا أساتذته ملاحظات لافتة للانتباه عن شذوذ ما في سلوك التلميذ الجاني, أو عدوانية ظاهرة, غير أنّ زملاءه ردّدوا بأنه كان دائما يردّد أنه سيقتل كل الأساتذة, وأنه يريد أن يضع حدّا لحياة الكثيرين, اضافة الى انّه يتحدّث كثيراً عن الاسلحة و كان يحلم بأن يصير محاربا و أن ينخرط في خدمة عسكرية, من ذلك أنه كان مولعا باللباس الحربي. أمّا ألأدهى فكان حين اكتشف مقرّبون منه أنّه كان يخبّؤ قائمة بـ 25 شخصا من المعهد لقتلهم في اليوم ذاته بدعوى أنهم مُزعجون. و بخصوص المعطيات الشخصيات للجاني كبيئته الاجتماعية التي ينحدر منها, فان ادارة المعهد متحفّظة جدا على الإدلاء بها, إلا أنّ زملاءه ذكروا أن والديه { أستاذ و طبيبة}  لا يمثّلان استثناء؛ زوجان عاديان بالمقاييس الاجتماعية المتعارف عليها.
العجيب في الأمر و باعتبار أن سن الجاني {13 سنة}, فإنّ عقوبات القانون الجنائي الأسباني، وبالتالي فإنه سيبقى طليقا حاليا.
من ناحية أخرى, أفاد طاقم الطب النفسي بمستشفى “سان جوان دي ديو” و الذي تابع حالة الجاني النفسية أن اصابته بأمراض نفسية خطيرة وواضحة غير وارد, سوى الشك في احتمال اصابته باضطراب الـ” بسيكوتيك بريك” { وهو ما أثار موجة امتعاض على مواقع التواصل الاجتماعي فيما اعتبروه اختلاقا للأعذار للجاني}.
الجير بالذكر انّ برشلونة كغيرها من المدن الاوروبية الكبرى, التي غزتها ثقافة العنف الامريكية لا تُرخّص بيع الأسلحة, و لكن زائرها يلاحظ جليّا تأثير ثقافة القتل والدّم على مستوى برامج الاطفال التلفزيونية, وألعاب الفيديو, وحفلات التنكر, وشطحات الموضة في واجهات محلات اللباس. و كغيرها من المجتمعات المنفتحة على الشبكة العنكبوتية, تعاني اسبانيا من أخطار ما تعرضه برامج ألعاب الأطفال على الانترنت بتقنيات تسويقية عالية تجلب المنخرط حتى لو كان كهلا غير متحكّما في هوسه.
فثقافة العنف وإقحام الدم في كل المشاهد ثقافة مترابطة تمتدّ من الروايات البوليسية الى موجة كتب الخيال العلمي في النصف الثاني من القرن العشرين، الى المعلقات الاشهارية الى الحفلات الفنية و أزياء نجومها, دون استثناء قصص الأطفال التي أصبحت تُدمج شخصيات اجرامية دمويّة في مشهد متداول بكثرة لتمريره على أنه من الافعال العادية… كلّها ثقافة تمجد الجرائم و تجد لها أعذاراً تحت أسماء واهية كالشجاعة و البطولة و الإقدام…
جزء من الآباء الواعين بهذه الأخطار يحرصون على متابعة اهتمامات أبنائهم وترصّد المواقع الإلكترونية التي يزورونها لتجنّب إدمانها و لتتبع تحوّلاتهم النفسيّة في محاولة للوقاية من الاضطرابات.
وفي الحقيقة, فإنّ حرّية العروض على الانترنت بخصوص ألعاب الفيديو مثلا تستدعي تدخّلا سريعا من هيئات الرّقابة باعتبار انها و انطلاقا من العناوين فقط, تغوي المستهلك لهذا النوع من البرامج و توحي بتحضير واضح لنفسية الطفل لتقبّل هذا النوع من الجرائم, و الأدهى و الأمرّ ليس فقط في تقبّلها, بل الإقدام عليها بدافع التقليد و الشعور بنشوة الانتصار, حتى لو كان الثمن هو القضاء على مستقبله
لو كتبت على جوجل ” كيف تقتل أستاذك؟”, “كيف تقتل رئيسك في العمل؟”… ستنهال عليك الروابط من حيث لا تعلم.
 لقد صرنا في مجتمع افتراضي يجهز مواطنيه على التدافع على القتل افتراضياً, وآباء يتنافسون في شراء أزياء تنكّرية لمصاصي دماء لأبنائهم في الحفلات, كيف لهم ان يستنكرون تفعيل هذه الثقافة وتطبيقها على ارض الواقع

____________________

*كاتبة تونسية مقيمة في برشلونة

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه