الإمارات وإيران.. الضحك على الذقون

 

في الأول من أغسطس الجاري شنّ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار هجوما على الإمارات بسبب مؤامراتها في ليبيا وسوريا، متوعدا بمحاسبتها في المكان والزمان المناسبين، لم تجد أبو ظبي ردا على التهديد التركي سوى طرق الباب الإيراني لعلها تجد لديه ما يمكن أن يطمئنها تجاه هذه التهديدات، وأجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد اتصالا مرئيا مطولا مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، ورغم أن التصريح الرسمي الذي بثته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) ادعى أن الاتصال كان منصبا على بحث الجهود المشتركة لمواجهة وباء الكورونا، كما أن أبو ظبي سربت أخبارا غير رسمية أن الاتصال استهدف التوسط بين إيران والسعودية، إلا أن القاصي والداني يعرف أن اللقاء كان بحثا عن دور إيراني في مواجهة التهديدات التركية، فهل وجدت الإمارات ضالتها؟ وما هو الدور الممكن؟ وهل يقبل الإيرانيون هذا الدور، وأي ثمن سيطلبونه؟.

محور الصقور

مثل هذا الاتصال بين الوزيرين الإماراتي والإيراني والذي تم بمبادرة إماراتية مفاجأة لمتابعي التطورات في المنطقة، ذلك أن الإمارات تفاخر بأنها تقف على رأس محور الصقور في مواجهة إيران، وأنها شكلت مع السعودية تحالفا عسكريا لمواجهة ذراعها في اليمن (الحوثيون)، كما أنها اعتبرت أي تواصل مع إيران رجس من عمل الشيطان، لن يفيد المنطقة في شيء بل يسبب لها الكوارث، والأغرب أنها وضعت شرط مقاطعة الدوحة لطهران كأحد الشروط الثلاثة عشر لرفع الحصار عنها.

الحقيقة أن الإمارات تتعامل بوجهين مع إيران، فهي تشن حربا “تلفزيونية” أي غير جدية ضد إيران سواء في اليمن، أو بسبب الجزر المحتلة (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، لكنها تسعى في الغرف المغلقة لتعزيز تعاونها مع إيران، ويمكننا في هذا الصدد رصد أكثر من مظهر لهذا التعاون الذي لا يوجد له مثيل على المستوى الخليجي على الأقل.

فالتبادل التجاري بين الدولتين هو الأكبر عربيا، إذ بلغ خلال عام 2017، ما قيمته 13 مليار دولار تقريباً، وتشكل الصادرات الإماراتية نحو 30% من الواردات الإيرانية، وكان من المفترض أن يصل حجم التبادل إلى 30 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية لكن قرار واشنطن بإلغاء الاتفاق عطل تلك المسيرة.

وفي الأول من أغسطس العام الماضي أبرمت الإمارات مع إيران اتفاقا للتعاون الحدودي بينهما بعد محادثات عقدها قائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي، وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي العميد محمد علي مصلح الأحبابي، ولم يتطرق الاتفاق إلى الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران، والتي تتخذها فقط مادة للتسخين الإعلامي، ومحاولة الزج بمصر ودول عربية أخرى للصدام مع إيران بسببها.

التحريض ضد تركيا:

تجاهل ابن زايد الضربات الإيرانية لميناء الفجيرة في مايو من العام الماضي، كما تجاهل المواجهة العسكرية مع رجالها في اليمن، وراح يسعى لتحريضها ضد تركيا، واعدا إياها بصفقات كبرى لعل أخطرها هو الإقرار بهيمنتها على اليمن الشمالي، وتعطيل الجهد الحربي لمواجهة الحوثيين هناك، وتكثيف الدعم لإيران في الملف السوري، والصمت التام على ملف الجزر المحتلة، في المقابل فإن إيران تدرك مخاوف الإمارات وتسعى بدورها لابتزازها على غرار الابتزاز الأمريكي، وتدرك أن التحرك الإماراتي تجاهها يستبق الانتخابات الأمريكية التي تخشى الإمارات خسارة ترمب فيها، وبالتالي سقوط سندها الأكبر، وعلى الأغلب فإن إيران ستشتغل هذه الفترة السابقة للانتخابات الأمريكية للاستفادة بقدر المستطاع من الخوف الإماراتي، كما أنها ستستعى لضرب السعودية بالإمارات، لكنها لن تجرؤ على الدخول في مواجهة، أو حتى توتير العلاقات مع تركيا بسبب الإمارات، فالحسابات الاستراتيجية الإيرانية تقتضي الإبقاء على علاقات طيبة مع تركيا الدولة القوية والتي يتصاعد نفوذها الإقليمي تدريجيا، ويمكن أن تكون سندا لإيران في مواجهة الضغوط الأمريكية الأوربية وهو مالا تستطيع الإمارات فعله، أي أن كل ما يحدث هو ضحك على الذقون.

البحث عن الأمان:

بالرغم من أن الإمارات التي هرولت نحو إيران ملتمسة الأمان، إلا أن أذرعها السياسية والإعلامية تدعي أن “إيران المنهكة في الداخل والخارج) بحسب توصيف الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله الذي يوصف بأنه مستشار سياسي سابق لولي عهد أبوظبي هي التي جاءت تطرق باب الإمارات، وأن هذه الخطوة منها قد تؤسس لفصل جديد من العلاقات إذا التزمت طهران بما وعدت به!!، وأن هذا الاتصال يشير لتفهم إيراني جديد لدور الإمارات في المنطقة، واقتناعها أن أبوظبي هي وسيط  ذي مصداقية لإجراء حوار خليجي إيراني جاد ومثمر، والتمهيد لحوار أمريكي إيراني!!، إلى هذا الحد وصل الغرور بدول صغيرة غير قادرة على حماية أمنها، أو إعادة جزرها المحتلة من دولة تصفها “بالمنهكة”.

تعتقد الإمارات التي لم تبلغ من العمر خمسين عاما، أنها قادرة بملياراتها على القيام بأدوار أكبر من حجمها في المنطقة والعالم، وربما تستند إلى قدرتها في قيادة الثورات المضادة في مصر وليبيا وتونس، وتدخلاتها في العديد من البلدان الأخرى (نجحت في بعضها وفشلت في بعضها) لكنها لا تدرك أن المؤامرات والتدخلات السلبية سهلة، أما الأدوار الإيجابية فهي صعبة مثل الوساطة في الأزمات الكبرى ببساطة لأنها دائما جزء من هذه الأزمات ولا يمكن أن تكون وسيطا مقبولا مهما أنفقت من مليارات، كما أنها لم تدرك بعد أن اللعب مع الكبار لا يجيده إلا الكبار، وهي لم تصل إلى هذا المستوى ولن تصل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه