الإمارات..”تطبيع” بلا خجل، ومكانة بلا سند

 

تسابق الإمارات الزمن هرولة نحو العدو الصهيوني، وكأنما تريد تعويض ما فاتها، مساء الثلاثاء 19 مايو أيار، وفي رحلة هي الأولى حطت طائرة إماراتية مملوكة لحكومة أبو ظبي في مطار بن غوريون في تل أبيب قادمة من أبو ظبي مباشرة لتكسر بذلك عقودا من القطيعة.

لم تجد حكومة الإمارات وسيلة لتمرير هذه الرحلة التطبيعية المباشرة سوى الادعاء بأن الطائرة لم تكن تقل ركابا، بل كانت تحمل شحنة إمدادات طبية للفلسطينيين، وكأن الإمارات كانت عاجزة عن إيصال هذه الشحنة عن طريق مصر أو الأردن وهما دولتان صديقتان لها ولإسرائيل في الوقت ذاته، لكنها الجريمة التي تتدثر بعباءة الطهر، وبعباءة دعم الشعب الفلسطيني، وكم من الجرائم ترتكب باسم هذا الشعب!!

رحلة الطيران المباشرة من أبوظبي إلى تل أبيب تزامنت أيضا مع حدثين آخرين، أولهما: إرسال الإمارات لإحدى طائراتها الفخمة لنقل إسرائيليين عالقين في المغرب بسبب أزمة الكورونا إلى تل أبيب أيضا، وقد تسببت هذه العملية في أزمة بين الإمارات والمغرب حيث جرى التنسيق بين أبوظبي وتل أبيب دون علم الرباط، وهو ما تسبب في تأجيل إتمامها لبعض الوقت( لكنها تمت أخيرا وسط حفاوة صهيونية)، والحدث الثاني هو استعداد الإمارات لترؤس المجلس الاستشاري لوكالة الأونروا ( وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) (حسب تغريدة لوزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية أنور قرقاش قبل يومين)، وحتما ستستغل الإمارات رئاستها لهذه الهيئة الأممية، وتحت دعاوى تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين في زيادة الرحلات الجوية المباشرة من أبوظبي وربما دبي أو عجمان أو الفجيرة إلى تل أبيب وربما القدس مباشرة، ولن تقتصر على نقل المعونات بل نقل الركاب بشكل تدريجي، خاصة أن هناك علاقات تجارية متنامية مع الكيان الصهيوني يلزمها حركة نقل جوي مباشر.

ابداء الندم:

تسارع الإمارات خطواتها نحو التطبيع الذي كان محرما من قبل في عهد مؤسسها الراحل الشيخ زايد، وكأنها تبدي ندمها على مواقفها السابقة، فالاجتماعات مع مسؤولي الكيان الصهيوني لا تتوقف سرا وعلنا، والزيارات المتبادلة بين الطرفين تتواصل جهرا وخفية، ولم يعد أي مسؤول إماراتي يشعر بالخجل من لقائه مع مسئول إسرائيلي، ولا يجد المسؤولون الصهاينة أي مشكلة في زيارة أبوظبي، بل يجدون ترحيبا كبيرا، ومن ذلك زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى أبو ظبي العام الماضي، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة، حيث أجرى عدة لقاءات مع مسؤولين إماراتيين، وقبل خمس سنوات أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية افتتاح ممثلية دبلوماسية إسرائيلية لدى وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة “إيرينا”، التي تتخذ من أبو ظبي مقراً لها.

حلف عربي إسرائيلي

أواخر العام الماضي غرد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد “إصلاح الإسلام: تحالف عربي إسرائيلي يتشكل في الشرق الأوسط”، وهي التغريدة التي رحب بها على الفور رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، وتماهى وزير الخارجية الإسرائيلي معها بتغريدة قال فيها” أعمل على تطوير مبادرة سياسية لتوقيع معاهدات عدم اعتداء مع دول الخليج”، وفي مارس الماضي، دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إلى تسريع وتيرة التطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يساعد على التوصل إلى حل للصراع العربي-الإسرائيلي!!

كما شاركت إسرائيل في معرض “إكسبو دبي 2020” في 10 ديسمبر/كانون الأول 2019، ووجهت الخارجية الإماراتية التهنئة لنظيرتها الإسرائيلية بمناسبة عيد “حانوكا” اليهودي، وشاركت إسرائيل في بطولة “غراند سلام” للجودو، في أبو ظبي، وحضرت البطولة وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف المعروفة بمواقفها المعادية للإسلام والفلسطينيين، وبعد ذلك بأيام قليلة زار وفد من كبار المسؤولين في وزارة العدل الإسرائيلية أبو ظبي للمشاركة في مؤتمر دولي حول مكافحة الفساد، وقد ترأست الوفد دينا زيلبر نائبة المدعي العام.

ومن الأرض إلى الفضاء، حيث شارك رائد فضاء إماراتي الجنسية في رحلة فضائية في سبتمبر/أيلول الماضي مع رائدة فضاء إسرائيلية تدعى جيسيكا مائير، كما أعلنت الإمارات عن البدء في إنشاء أكبر معبد يهودي في المنطقة حيث سيتم افتتاحه في العام 2022.

لماذا هذا التهافت؟

ما سبق من خطوات تطبيعية هو قليل من كثير مما فعلته الإمارات، فلماذا كان هذا التهافت على الكيان الصهيوني؟

تتذرع الإمارات بأنها تواجه خطرا إيرانيا، وأنها بحاجة إلى تحالف قوي مع إسرائيل وداعميها لردع هذا الخطر الإيراني، والغريب أن العلاقات الإيرانية الإماراتية هي علاقات طبيعية تزداد تحسنا، ومعها يزداد حجم التجارة بين الدولتين، كما أن الإمارات لم ولا تريد أن تتخذ أي خطوات عملية لتحرير جزرها الثلاث المحتلة من إيران، لأنها تبدو مقتنعة بشرعية هذا الاحتلال الذي تم بناء على اتفاق مسبق.

الحقيقة أن الإمارات تتهافت على الكيان الصهيوني لتعزيز مكانتها الإقليمية بعد أن أصبحت على قناعة تامة أن مفاتيح هذه المكانة في يد إسرائيل ولوبياتها في الولايات المتحدة والغرب عموما، وهي تتوهم أن غريمتها قطر اكتسبت مكانتها الإقليمية من هذا الباب بعد أن سمحت بفتح مكتب تمثيلي إسرائيلي عام 1996 في الدوحة، ولا يقتصر الطموح الإماراتي على التفوق على قطر ولكن يتعداه إلى سحب البساط من تحت أقدام المملكة العربية السعودية، التي تدرك أبوظبي أنها مهما قدمت من “أتاوات” للولايات المتحدة فإنها ستظل متهمة في نظر الأمريكيين بارتكاب جريمة تفجير برجي مركز التجارة العالمي، كما أنها ستظل في نظرهم مهبط الإسلام وحاضنة الحرمين الشريفين.

ليس مستبعدا مع هذه الخطوات المتسارعة أن نسمع قريبا عن زيارة نتنياهو إلى أبو ظبي لافتتاح سفارة لكيانه، والإعلان من هناك عن تشكيل حلف عربي إسرائيلي، يكون مقره في أبو ظبي، ويكون هدفه المعلن مواجهة إيران، لكن هدفه الحقيقي هو مواجهة قوى التغيير في المنطقة وخاصة الإسلاميين.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه