الإسلام والغرب وإشكالية “الآخر”

 

إن الفاحص المدقق يجد أن تيار الفكر الحضاري الإنساني، يتخذ طابعا واحدا، لا ينحو كثيرا عن تاريخ الإنسان ذاته. فالحضارات والثقافات المختلفة، تتفاعل مع بعضها. فتنتج للإنسان ما يشبع حاجته الفكرية والمادية.. ةبهذا فإن الحضارات الإنسانية على مر العصور، تكون كلا متماسكا.
ولا يمكن أن تكون كل حضارة نشأت بمعزل عن غيرها من الحضارات الأخرى, أو أنها لم تتفاعل معها. ونظرتنا الأساسية تقوم على أن الحضارات تأخذ وتعطي؛ تأخذ ما يتفق مع طبيعة البنيان العقلي والفكري للأمة. وتعطي ما تجود به نوعيتها ونشاطها الفعال. وبطبيعة الحال، فإن هذا التفسير أقرب إلى فهم روح الفكر، والنشاط الإنساني المتصل، الذي بدأ تاريخه ومسيرته مع بداية الإنسان على هذه الأرض.

 ومن ثمة أصبحت العلاقة بين الأنا والآخر تشغل مركزًا محوريًّا في الجدل الدائر، ليس فقط بين الأوساط السياسية والفكرية الغربية. بل أيضًا العربية والإسلامية على اختلاف اتجاهاتها الفكرية.

وجهات نظر:

وقد تعددت وجهات النظر في الدائرة العربية والإسلامية في الوقت الراهن حول الغرب، والتعامل معه. ولعل ذلك راجع إلى:   

أولا: موروثات قديمة، فبين الانبهار به، وبالتالي تقليده، وبين التمنع عنه، وبالتالي معاداته، وبين التحفظ ومحاولات التوفيق.   

ثانيًا: أن الغرب في حد ذاته، يخلق بتعدده وتناقضاته الفوضى في إدراكه والحكم عليه. فالغرب يرتبط بالحداثة والتطور الاقتصادي المنتج لنمط الإنتاج الرأسمالي ورديفه الأيديولوجيا الليبرالية، ويتوج بالمنزع الإمبريالي ومشاريع الهيمنة المتعددة. كما يقترن بالنزعة الإنسانية ومبادئ فلسفة الأنوار، وفي العقلانية والحرية والتعاقد. مما يركّب مزيجًا غريبًا متناقضًا، فلا نكاد نلمح ملامح الغرب إلا لتزداد غموضًا، وما تكاد تتسق وتنسجم حتى تزداد تناقضًا.

ولعل أول ما يثير الاختلاف هو مصطلح «الإسلام والغرب». هذه الصيغة الثنائية التي يراها الباحثون، صيغة ملتبسة ملغومة وغير محايدة. فالتقابل فيهـا يتم بين مفهومين غير متكافئين، ويصعب التفكير فيهما بعدة نظرية متكافئة ؛ فالبعض يرى أننا عندما نتناول الإسلام والغرب كثنائية، فإن التوصيف يميل إلى الدقة مع أن التضاد المتوهم بينهما ليس تضادًّا شاملًا. وكذلك فإن كون المصطلح الأول دينيًّا والثاني جغرافيًّا لا يمنع اتخاذهما مدخلًا لقراءة العلاقة بين العالمين، فلكل منهما تنوعه الهائل، خاصة أن الغرب هو تلك المنظومة المتكاملة من القيم والمبادئ التي تشكّل الفلسفة العميقة لمجموعة الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحكم البلدان العربية بالمفهوم السياسي للعالم وليس فقط بالمدلول الجغرافي المحدود.

لقد اتسمت العلاقة بين الطرفين الإسلامي والغربي بالجهل والمواقف المتعارضة، فالعرب والمسلمون يحملون تصورات خيالية جاءت عن الغرب تقوم على القوالب الجاهزة، كما يرى محمد أركون. فالغرب بلا أخلاق ومدنيته مادية، وهكذا يتأسس الجهل بالآخر. والغرب يشكّل تصوراته عن الإسلام ومجتمعاته من خلال الرجوع إلى القرون الوسطى أو إلى العهد الاستعماري. فأصبحت النظرة الغربية الطاغية عن الإسلام عدوانية وعنصرية في أحيان كثيرة، وهي النظرة التي تبثها وسائل الإعلام وتوظفها دواليب السياسة. فأثر ذلك سلبًا في النظرة إليه.

والتساؤل الذي يطرح بهذا الصدد:   

هل يمكن إقامة حوار بين الإسلام والغرب في الوقت الراهن، في ظل العولمة والجهل المتبادل والمواقف المتعارضة بين الطرفين؟  

وكيف يمكن أن نصبغ إشكالية العلاقة مع الغرب؟ 

الحرية في التواصل:

والمتأمل الفاحص في حوار الحضارات وإشكالية الأنا والآخر في الفكر العربي والإسلامي المعاصر يرى أن الغرب يحاول إخضاعنا لقوانينه وقيمه، إلا أنه يتوجب علينا الانفتاح عليه، حتى ولو لم ينفتح علينا. وذلك حتى ندرك الثقة في أنفسنا، ونحترم أنفسنا. وشرط الاحترام الذاتي هو الالتزام بمبدأ الحرية في التواصل، وتبادل الآراء بمساحات فكر واسعة وتركيب عقلاني واسع، يمكن أن يشكّل قاعدة للتقدم.

بين الطرحين الحداثي والإسلامي، نجد تقابلًا بين وجهات النظر حول الغرب وكيفية التعامل معه. ولعل ذلك راجع إلى الموقف من الغرب وحداثته، وحالة الانبهار به التي عاشتها فئة معيّنة. لهذا يدعو إلى إنهاء هذه الحالة، حالة الانبهار بالغرب لكونها عائقًا أمام الحوار وليست عاملًا مساعدًا. إن الأوروبيين بحاجة إلى التخفيف من علمانيتهم المتطرفة، والمسلمين بحاجة إلى التخفيف من دغمائيتهم المتطرفة.  

ومن ثم وجب علينا قراءة جديدة للفكر الغربي وفق مراحله التاريخية لنزع الهالة الأسطورية والتقديسية التي قرأ فيها البعض هذا الفكر مغفلين كل ملكات النقد والمراجعة. فوجب علينا التساؤل عن القدرة الذاتية التي يمتلكها هذا الفكر للتجدد الدائم، بحيث يتسع لتيارات وأفكار من تلوينات مختلفة بل ومتخالفة.

وعليه نحاول أن نشق طريقنا إلى العقل الغربي ولا بد أن نتلاقى ونتخلص من هيمنة الخطاب الإسلامي الأيديولوجي ونرتقي إلى مستوى صياغة الخطاب الإسلامي المعرفي.  

فنحن بحاجة إلى منظور حضاري في رؤيتنا للغرب وحضارته. وأن القضية الرئيسة في علاقتنا بالغرب، هي كيف ندرسه ونحن نريد بناء حضارتنا؟ ونشير إلى أن أهم ما ينقصنا في هذا الجانب هو المنظور الذي نؤسس عليه رؤيتنا وتفكيرنا وتخطيطنا وسعينا في بناء حضارتنا.  

ولعل ما يشجع على التحاور مع الغرب تلك الأصوات العاقلة الغربية، التي تتسم بالحياد أو التعاطف مع القضايا العربية والإسلامية. فباستثناء بعض الجماعات ذات الغرض، كما يقول أنتوني سوليفان، فإن قليلين هم أولئك الذين يأخذون مأخذ الجد شن حروب صليبية تستهدف المسلمين والإسلام، وأقل منهم من يساند مثل هذا الاتجاه. إن هذه الحقيقة يجب أن يعرفها معرفة جيدة كل مسلم من الدار البيضاء إلى جاكرتا.   

الغربيون الحيارى:

 ومن هنا يجب أن نستثمر الرصيد الروحي لحضارتنا من أجل تقديم أجوبة للغربيين الحيارى من خلال تفعيل حوار الحضارات مع الغرب على وجه الخصوص، الذي يعتبر الحوار معه من الحوارات راهنيةً واستعجالًا بسبب ما يُحيط بالعلاقة بينهما من حساسيات وسوء فهم وعدوانية كامنة ومعلنة أحيانًا.
إن الفجوة بين المسلمين والغرب، ليست سحيقة إلى الدرجة التي يستحيل معها الحوار. بشرط أن يتوافر أمران أساسيان، وهما:   

  • أن يعترف الغرب بأثر الحضارة الإسلامية في النهضة الأوروبية و قيمة الإنسان المسلم في عالمنا المعاصر.   
  •  أن يتغلب التيار الداعي إلى الحوار في العالم العربي والإسلامي على التيار الرافض له، والذي يخطئ في فهم مدلول الرسالة الإسلامية الداعية إلى الحوار.  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه