الإخوان المحافظون في تركيا

كان أردوغان يصرُّ على تصنيف حزبه “حزباً محافظاً” ووفق هذا التصنيف وبعد هذه المقارنة، إذا كان ثمة إصرار على أخونة أعضاء حزب العدالة والتنمية، فالأنسب هو اعتبارهم “إخوان
محافظون”

عبد القادر عبد اللي* 

يتفق أعداء حزب العدالة والتنمية التركي مع أصدقائه من العرب على اعتباره جزءاً من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وبالطبع كل طرف هو يعقوب وفي نفسه غاية. فالإخوان المسلمون وأنصارهم في البلاد العربية يقدمون تجربة العدالة والتنمية الناجحة، وخاصة إذا ما قورنت بالتجارب السياسية والاقتصادية في العالم الثالث على أنها تجربة إخوان مسلمين، وهم سيحققون ما حققه هذا الحزب، أي يعملون بموجب المثل العربي التركي المشترك “القرعة تباهت بشعر بنت خالتها”. أما الطرف الآخر وهو الذي يجمع بقايا الشيوعيين، والقوميين الناصريين، والبعثيين، وبعض الأقليات الطائفية والقومية، فيصفون العدالة والتنمية بأنه حزب إخوان مسلمين يرعى التيارات الإسلامية المتشددة الإرهابية خدمة لأهداف الإمبريالية والصهيونية، ويسعى لتأسيس ديكتاتورية دينية تحكم باسم الدين الإسلامي السني. طبعاً يُعتبر موقف البعثيين التابعين لديكتاتورية تطبق الدين الإسلامي الشيعي موقفاً علمانياً سمحاً.
هل يمكن أن يُجْمِع كل هؤلاء على “ضلالة”؟ إذا كان حزب العدالة والتنمية في بدايات نهوضه قد خصص كثيراً من تصريحاته لنفي ارتباطه بالإخوان المسلمين، فقد وجد أخيراً أنه لا جدوى من النفي، ولم يعد يردّ على مثل هذه الادعاءات. هل هذا الحزب جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين فعلاً؟ وهل هناك نقط تشابه واختلاف بين التنظيمين؟
* المعروف أن حزب العدالة والتنمية تشكّل من انشقاق كبير داخل حزب الرفاه الذي كان يُتهم أيضاً بأنه عضو في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، حتى إن تلك الاتهامات وجدت طريقها إلى المحاكم التركية وحاز الحزب على البراءة في كل مرّة. خرج من الرفاه حزبان هما “السعادة” و”العدالة والتنمية”، وقاد انشقاق العدالة والتنمية عبد الله غول رئيس الجمهورية التركية الحادي عشر، ورجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية الثاني عشر، وجاءت معهما الكوادر الشابة المتعلمة التي كانت في الحزب وانضمت إليها كوادر ليبرالية من خارج الحزب. ولكن الليبرالية بالنسبة إلى الإخوان المسلمين العرب كفر لا يضاهيه سوى كفر العلمانية.
* وبمناسبة العلمانية ثمة نقطة مهمة برزت بتاريخ 15 أيلول 2011 على لسان رئيس الحكومة التركية آنذاك رجب طيب أردوغان قالها على تلفزيون دريم المصري: “الأشخاص ليسوا علمانيين، كل شخص له إيمانه بمن في ذلك الملحد، ولكن الدولة هي التي تكون علمانية، وهذا يعني أنها تقف على مسافة واحدة من جميع مواطنيها، وتضمن لهم حرية الاعتقاد، أنا رئيس حكومة دولة علمانية”. بعد ذلك أطلق النصيحة التي اعتبرت كفراً بأن تختار مصر العلمانية التي تضمن الحرية الدينية لكل مواطنيها المسلمين والأقباط. شن الإخوان المسلمون والسلفيون يومئذ حملة شعواء على رئيس الحكومة التركية.
* لعل اسم “العدالة والتنمية” من أكبر نقط التشابه بين الحزب التركي والأخوان المسلمين، فالجميع يعرف بأن حزب العدالة والتنمية المغربي هو حزب ديني وجزء من الحركة الدولية، فهل يكفي تشابه الأسماء لإيجاد ربط من هذا النوع؟
* كان يُشار إلى جماعة فتح الله غولان على أنها هي المحرك الأساسي لحزب العدالة والتنمية، واعتماداً على شبكة علاقات الجماعة الدولية يُربط الحزب بالإخوان المسلمين. ولكن هذه الجماعة الآن خرجت من العدالة والتنمية، ونشبت حرب بين الطرفين كادت أن تحرقهما معاً. جماعة فتح الله غولان كجماعة دينية غير حزبية تعمل في السياسة والاقتصاد إلى جانب عملها الدعوي، ويمكن أن تُشبّه بالإخوان المسلمين فيما لو كانت تنظيماً سياسياً، ولكنها ليست كذلك. وهكذا يبقى حزب السعادة هو الأقرب للإخوان المسلمين من الناحية الفكرية في تركيا.
* يتوحد الإخوان المسلمون العرب على شعار: “الإسلام هو الحل”. ليس لدى تيارات الإسلام السياسي التركية شعار كهذا. ولكن المرحوم نجم الدين أربكان زعيم تيار الإسلام السياسي الأكثر تشدداً والذي يعتبر حزب السعادة امتداداً له أطلق شعار: “الوحدة الإسلامية هي الحل”. يتشابه الشعاران بالغموض والسحرية، ولكنهما في سياقيين مختلفين تماماً. فأربكان نادى بتكتل إسلامي في مواجهة التكتلات العالمية وخاصة الاتحاد الأوربي. إنه شعار خيالي، واعترف أربكان بأن خيالي، وردّ قائلاً في إحدى المرات: “كل المشاريع الواقعية بدأت بخيال”… ولكن حزب العدالة والتنمية ينبذ الشعارات، ويسخر منها، وهو يمارس سياسة مثله مثل أي حزب سياسي آخر.
* بمناسبة قرب الانتخابات النيابية التركية أعلنت عارضة الأزياء الجميلة طوغتشة قزاز أنها ستتقدم بطلب ترشيح على قوائم حزب العدالة والتنمية، وفيما لو نجحت في الانتخابات ستكون نائبة في البرلمان القادم عن هذا الحزب… وتقدم المطرب الكردي إبراهيم طَاطليسَس بطلب ترشيح على قوائم حزب العدالة والتنمية أيضاً. وهنا تظهر نقطة خلاف شديد بين الحالتين. هل لدى الإخوان المسلمين العرب جرأة ترشيح شخصيات كهذه على قوائمهم الانتخابية؟
يبدو أن نقط الاختلاف أكثر بكثير من نقط التشابه بين الإخوان المسلمين العرب وحزب العدالة والتنمية التركي، ويشتركان في أن كل منهما وجهاً من وجوه الإسلام السياسي. تمكّن حزب العدالة والتنمية من ضم تيارات مختلفة قومية دينية وليبرالية إلى صفوفه، وهذا ما لم ينجح به أي من تنظيمات الإخوان العربية.
كان أردوغان يصرُّ دائماً على تصنيف حزبه “حزباً محافظاً” ووفق هذا التصنيف وبعد هذه المقارنة، إذا كان ثمة إصرار على أخونة أعضاء حزب العدالة والتنمية، فالأنسب هو اعتبارهم “إخوان محافظون”

________________

*كاتب سوري مقيم في أنقرة 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه