الإخوان الغائب الحاضر في المظاهرات

 

ما إن تنطلق دعوة لمظاهرات في مصر يطفو على السطح فورا السؤال الكبير هل سيشارك الإخوان؟ أم لن يشاركوا؟ وحين تنتهي الموجة يكون السؤال لماذا لم يشارك الإخوان؟ وحين تتعرض المظاهرات للقمع يكون التعليل أن السبب هو مشاركة الإخوان، وحين تختفي المظاهرات تماما، أو تفشل حشودها يكون الرد أن غياب الإخوان هو السبب!!
الإخوان هم الغائب الحاضر دوما عند أي حراك شعبي في مصر الآن، وهم يجدون أنفسهم دوما في موقف صعب، فالبعض يطالبهم بالمشاركة بكثافة في المظاهرات حتى يمكن حسم الأمر مبكرا، والبعض يطالبهم بالمشاركة دون إعلان لتجنب قمع النظام، والبعض يطالبهم بعدم المشاركة تماما لأنهم -من وجهة نظره- أصبحوا مكروهين شعبيا!!، ولأن مشاركتهم ستحول دون مشاركة القوى الليبرالية واليسارية!!، ناهيك أن هذه المشاركة ستوفر غطاء للأجهزة الأمنية لقمع أي حراك!!

لم تخل صفحات التواصل الاجتماعي ولا القنوات التلفزيونية بما فيها تلك المحسوبة سياسيا على الإخوان عن ترديد تلك الأسئلة، ونقلت ما وصفته بتسريبات أمنية عن غياب الإخوان، وكأن البلد لا يوجد فيها قوى أخرى غير الإخوان، فماذا يفعل الإخوان في هذا الموقف الصعب؟!

من كوكب آخر:

من يطرح أسئلة حول مشاركة الإخوان في الحراك الشعبي يشعرنا كأنه من كوكب آخر، وكأنه لم ير أو يسمع عن الحراك الذي عم مصر طولا وعرضا على مدار عدة سنوات عقب الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، في الوقت الذي كان الخوف هو عنوان تلك المرحلة، تحركت مظاهرات كبيرة في مدن مصر وقراها، وتعرضت للرصاص الحي من الأمن، ومن أنصار النظام ممن كانوا يوصفون بالمواطنين الشرفاء، ولم تتوقف إلا بعد استخدام “كل القوة الغاشمة” ضدها، وعقب اعتقال معظم النشطاء الذين كانوا يقودونها، أو هجرة آخرين منهم نتيجة القمع الشديد الذي وصل إلى القتل، كانت القوى الموصوفة بالمدنية –مع استثناءات فردية- في تلك السنوات تقضي “شهر عسل” مع النظام، تبرر قمعه للمظاهرات والاعتصامات، ويرقص بعضها على أشلاء الضحايا، ويردد بعضهم “أفرم يا سيسي”، ويغنون “تسلم الأيادي”، وبعد أن انتهى السيسي من فرم القوة الصلبة استدار لمن طالبوه بالفرم ليفرمهم أيضا.

لم يتعرض فصيل وطني لمثل ما تعرض له الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من حرب إبادة، استهدفت الأنفس والأموال والمؤسسات الخ، ثم يأتي بعد ذلك من يجلس على أريكته واضعا ساقا على ساق ليسأل أين هم الإخوان؟! ولماذا شاركوا أو لم يشاركوا؟ ولماذا غابوا أو حضروا؟ وهناك من يطلب منهم حل جماعتهم لفتح الطريق أمام التغيير وقبول النظام العسكري الحاكم التفاهم مع بقية القوى السياسية وفتح المجال السياسي، ولا يدرك هؤلاء أنهم بهذا الطلب إنما يقضون على ما تبقى من قوة حية قادرة على مواجهة الاستبداد والفساد رغم ما تمر به في الوقت الحالي، إن من يطالب بذلك إنما يريد توسيع المجال لنفسه ولحزبه أو تياره العاجز عن المنافسة في وجود كيانات كبيرة، وبدلا من أن يتحرك هؤلاء لتقوية كياناتهم وأحزابهم، لتكون قادرة على المواجهة السياسية والانتخابية فإنهم يطلبون من منافسهم إخلاء الملعب لهم.

لقد غاب الإخوان بالفعل عن الساحة الانتخابية داخل مصر فماذا كانت النتيجة بالنسبة لمن طلبوا حل الجماعة؟ النتيجة هي ما شاهدناه منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن، والذين انحازوا للانقلاب ممن انتموا يوما لثورة يناير تم تحجيمهم في أول انتخابات برلمانية، فما يسمى كتلة 25-30 حصدت 9نواب فقط، وحزب النور الذي كان القوة الثانية في برلمان الثورة بغرفتيه تقلص حضوره في مجلس النواب المنتهي إلى 12 نائبا فقط (من جملة 450 نائبا) ولم يسمح لأحد منهم بالفوز في انتخابات مجلس الشيوخ (الشورى سابقا)، كما أن انتخابات مجلس النواب المقبلة ستشهد إقصاء تاما لأحزاب الحركة المدنية وحزب النور، لتخلو قاعة المجلس لمرشحي قائمة المخابرات فقط، رغم كل ما قدمته هذه القوى من دعم للنظام.

استراتيجية ثابتة:

تسير جماعة الإخوان المسلمين وفق استراتيجية ثابتة أعلنها المرشد العام الدكتور محمد بديع، وكررها قبل أيام قليلة نائبه إبراهيم منير وهي أن الجماعة “لا تتقدم على الشعب المصري ولا تتخلف عنه”، بما يعني أنها كانت وستكون دوما في قلب الشعب، وحين يخرج الشعب مطالبا بحقوقه فمن الطبيعي أن أفراد الإخوان هم جزء من الشعب يتألمون لما يؤلمه، ويفرحون لما يسعده، وليس مطلوبا من الجماعة أن تصدر قرارا بالنزول أو الغياب، وكما قال إبراهيم منير فإن الثورة هل عمل جمعي تشارك فيه كل فصائل الشعب المصري وفئاته وليس تنظيما لوحده.

ليس خافيا على أحد الدور الكبير الذي قامت به الجماعة وأنصارها وحلفاؤها خلال السنوات السبع الماضية، فهم الذين أبقوا جذوة المقاومة ضد نظام السيسي قائمة، وهم الذين قادوا حراكا في الداخل، وحراكا في الخارج تنوع بين العمل الميداني والسياسي والحقوقي، وليس خافيا أن ما يوصف بإعلام الإخوان هو الذي فضح خيانات النظام، وفشله، وقمعه، وكان صوتا للشعب حين فرض النظام التعتيم الإعلامي عليه، وحرمه من أصوات إعلامية حرة تنقل نبضه، وهمومه، وتطلعه على ما يجري في وطنه، وهو الذي نقل كل المظاهرات التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية، وهو الذي ينقل حاليا المظاهرات في المحافظات المختلفة، وهذه أكبر خدمة لهذا الحراك الذي فرض النظام عليه تعتيما إعلاميا تاما، بل دفع أذرعه الإعلامية لتشويهه والتحريض ضده.

بعد كل ذلك يكون السؤال عن موقف الإخوان من الحراك الشعبي في غير محله على أقل تقدير، وحري بمن يسأل هذا السؤال أن يسأل نفسه أولا: هل يعرف نضالات السنوات الماضية والفواتير الكبيرة التي دفعها الإخوان وأنصارهم وحلفاؤهم؟، وكيف أنهم هم الذين أبقوا هذا النظام تحت ضغط مستمر حرم رئيسه من الإقامة في مسكن معروف، ودفعه لفرض حالة الطوارئ طيلة السنوات الماضية، وجعله يلهث خلف الدعم السياسي الدولي مقابل صفقات ضخمة من دم الشعب كبديل لفقدانه الشرعية الحقيقية في الداخل؟!!

الحراك الحالي في مصر هو حراك شعبي بامتياز، ولا ينبغي لأحد تلوينه بهذا اللون أو ذاك، حرصا على نجاحه واستمراره، ودور المناهضين للنظام في الخارج هو توفير الغطاء الإعلامي له، والتحرك حقوقيا وسياسيا لغل يد النظام عن قمعه.. وبما أنه حراك شعبي عفوي فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بمساراته التي نأمل أن تكون في طريقها الصحيح إنقاذا للبلاد والعباد.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه