الأمن والأمان في المصارف السويسرية

في سوريا “الأسد” عندما فطس باسل وريث الرئاسة بعد أبيه، في التسعينيات من القرن الماضي، كان رصيده في البنوك السويسرية 54 مليار دولار، جمّدها البنك السويسري.. يتبع.

ابتسام تريسي*

  قال القدماء: “المال عديل الروح”. لكنّ أحد الكبار من أقاربي يقول: “المال شقيق الروح” فالعديل هنا لا محل له من الإعراب! ولا يوجد عبارة أكثر دقة من هذه لتصف تعلّق الإنسان بماله، سواء حصل عليه بطريق الكد والعمل، أو من أعمال اللصوصية والسطو. لهذا سعى صاحب المال دائماً لإخفاء ماله عن العيون بدفنه “تحت البلاطة” وهو المكان الآمن الذي لا يعرفه سوى صاحبه. وصاحب المال لا يفكّر بأنّ الموت أقرب إليه من عديل روحه “المال” وعندما يموت يذهب سر مكان وجود المال معه.
الباحثون عن الكنوز كثيراً ما وجدوها في أماكن لا تخطر على بال، كانت تلك الأماكن بمثابة “البنك” الذي يحمي المال من اللصوص والطامعين من الأقارب والأولاد. من تلك الأماكن، خشب السقف، عين الوجار “مكان إشعال النار” حيث يوضع المال بحفرة عميقة، ثمّ يصب فوقها الجص بحيث لا تتأثر بالحرارة. طبعاً غالباً توضع النقود في قدر من النحاس ويوضع فوقه الرماد لحماية النقود من التلف. ومنها أيضا بيت الدرج أو حوش الغنم، والمغارات والسراديب والكهوف.
مع بدايات عصر الثورة الصناعية، ونحن هنا نتحدث عن نهايات القرون الوسطى، نشأت الحاجة للتنقل بصحبة مبالغ كبيرة أو لإرسال مبالغ كبيرة إلى مكان بعيد ونظراً لكثرة اللصوص الذين يتصيدون هذه الحالات، برزت الحاجة لقوة قادرة على نقل المال من مدينة لأخرى لقاء أجر ما وقد تبنى فرسان المعبد هذه المهمة حسب رواية “شفرة دافنشي” لـ”داون براون” ومن هنا نشأت فكرة تأسيس نظام المصارف الذي يحظى بالحماية من الدولة عوضاً عن مجموعة مسلحة قد لا تفي بوعودها، على أن يوفر هذا النظام للمواطن مكاناً آمنا يخبئ فيه أمواله بدلا من دفنها “تحت البلاطة”!
مصر وسوريا البلدان المرتبطان بأقدار سياسية خفية منذ عهد الوحدة بينهما وإلى الآن، عرفتا نظام المصارف في أربعينيات القرن الماضي.
ترجع فكرة إنشاء أول بنك في مصر لمحمد علي باشا الذي أمر بإنشاء بنك برأس مال 700 ألف ريال. لكن الفكرة فشلت وفشل بعدها كثيرون إلى أن نفّذها طلعت حرب باشا الملقب بـ “أبي الاقتصاد المصري” حين سافر إلى أوروبا وقام بدراسة كافية عن المصارف فيها وأسلوب عملها قبل مساهمته في إنشاء البنك المصري.
أمّا في سوريا، فقد قاومت فرنسا فكرة إنشاء بنك في سوريا، ودعا أصحاب الفكرة لربط الليرة السورية بالدولار المربوط بالذهب آنذاك، فقامت فرنسا بتجميد ودائع السوريين في البنوك الفرنسية، وفصلت بين الليرة السورية واللبنانية. وفي العام 1948 تم إنشاء مكتب سوري لمراقبة القاطع المالي، وكان متوسط سعر الدولار 3 ليرات سورية.
وفي العام 1949 تم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة الفرنسية والحكومة السورية حول استقلال السياسة النقدية، وفي 1950 صدر قانون النقد السوري، وأصبحت الليرة تمثل سوريا بشكل حقيقي. وانتهى دور الانتداب الفرنسي في العام 1956 وهو العام الذي تأسس فيه البنك المركزي.
البنوك العالمية تستقطب اللصوص العالميين
في العهد الحديث “عهد الأسد ومبارك” وبانقضاء مرحلة البناء وبدء مرحلة النهب بلا توقف، لم يعد أحد من الحكّام “العرب” يضع أمواله التي ينهبها من الشعب باسم السلطة وقوتها، في البنوك المحلية، وصارت الأموال تتدفق إلى أهم البنوك الدولية (البنوك السويسرية الأكثر شهرة وأماناً) فلماذا تخرج أموال الشعوب المطحونة من الدول الفقيرة لتدعم تلك البنوك، وهي القادرة على رفع الاقتصاد المحلي ورفع مستوى معيشة المواطن؟ ليفرح المصريون بإنجازات الحكومة الحالية العظيمة (المتمثلة بتفريعة قناة السويس) ويغضوا الطرف عن تصريحات وزيرة المالية السويسرية “إيفلين فيدمر شلومف” التي قالت: “إن البنوك السويسرية وصلها، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، 65 مليار دولار من مصر، أغلبها ببصمة الصوت فقط”.
وأضافت “شلومف” في تصريحات تضمنها تقرير القاطع المالي السويسري أن من هذه الأموال ما تم إرساله عن طريق طرود مغلفة بطائرات خاصة!
أمّا وزير الدولة للشؤون الخارجية “إيف روسيي” فقد دعا مصر لاتخاذ إجراءات قضائية من أجل استرداد أموال الرئيس المخلوع مبارك، ورجال نظامه. لكنّ الغريب أنّه استنكر تجميد أموال جماعة الإخوان المسلمين، وأكّد أنّها ليست جماعة إرهابية! فهل يعقل أن تطالب الحكومة السويسرية ممثلة بوزير خارجيتها باسترداد الأموال المسروقة من عرق الشعب؛ لأنها ـ على حد تعبيره ـ تحرق أيديهم، ولا يهتم رأس النظام المصري لذلك.؟
ليس غريباً بالتأكيد عند شعب يحترم نفسه ويحترم غيره، فقد تبنى البرلمان السويسري قانوناً جديداً أيده 136 نائباً وعارضه 54 ، يُحسّن الإجراءات المتعلقة بإعادة أو تجميد الأموال التي نهبت وهُرّبت إلى مصارف سويسرية. وقالت صحيفة لوتون بأنّ السبب كان “ثورات الربيع العربي”.
فقد صرّحت قيادية في الحزب الاشتراكي السويسري بأنّ الهدف من القانون تعزيز مصداقية سويسرا، وأنّه ليس من المعقول أن تصرف سويسرا أموالا لتنمية الدول التي هُرّبت منها هذه الأموال!
اللصوص والأثرياء الذين وجدوا الأمن والأمان في البنوك العالمية، نسوا أنّ “بلاطة” البنوك أيضاً قد تبتلع مالهم بتجميده، فيصبح هدفاً للباحثين عن الكنوز!
في سوريا “الأسد” عندما فطس باسل وريث الرئاسة (المفترض) بعد أبيه، في التسعينيات من القرن الماضي، كان رصيده في البنوك السويسرية 54 مليار دولار، جمّدها البنك السويسري، فقام حافظ الأسد بتزويج باسل “بعد وفاته” من فتاة من أقارب نادر قلعي “شريك باسل في تهريب الآثار والنفط والنهب، وشريك آل مخلوف فيما بعد” ليستطيع الحصول على أموال باسل المجمدة بعد دعوى قضائية، ترك فيها للبنك 50 مليون دولار. يقابلها مالا يقل عن عشرة ملايين سوري تحت خط الفقر!
لتهنأ بلاطة البنك السويسرية بأموال الشعوب العربية المطحونة التي نهبها حكّامهم وقدّموها على طبق من ذهب للمصارف الأجنبية التي تدّعي حكوماتها أنّها تمد يد العون والمساعدة لتلك الشعوب!
_______________________

*أديبة سورية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه