الأسئلة المحرمة في ملف الكشف عن الغاز

فلم يقل لنا مسئول واحد في هذا القطاع لماذا توقفت “شل” فجأة، وتراجعت عن استثماراتها طوال السنوات الماضية، ولم يقل لنا آخر لماذا لم تعلن “إيني” الإيطالية أيضاً عن المناطق الأخرى التي يقول الشافعي أنها أكثر بشارة من بئر” شروق

عبده مغربي* 

 

استيقظ المصريون  صباح الأحد الماضي الموافق 30 أغسطس علي خبر من شركة “إيني”  الإيطالية  أعلنت فيه عن اكتشاف أكبر حقل غاز في البحر المتوسط

 وقالت الشركة في بيان لها إنها اكتشفت حقل غاز طبيعي “عملاق” قبالة سواحل مصر، واصفةً إياه بأنه “الأكبر على الإطلاق” الذي يكتشف في البحر المتوسط، وقالت إنه سيكون قادراً على تلبية احتياجات مصر من الغاز الطبيعي لعقود قادمة.

وأكدت الشركة  الإيطالية أن الكشف الجديد يتضمن احتياطيات أصلية تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي (تعادل حوالي 5.5 مليار برميل من المكافئ النفطي)، ويغطي مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع،  وتابع البيان أن الكشف الغازي “شروق”  هو أكبر كشف يتحقق في مصر وفي مياه البحر المتوسط، وقد يصبح من أكبر الاكتشافات الغازية على مستوى العالم.

وبعيداً عن تأكيد شركة  “إيني”  الإيطالية أن عملية تنمية الكشف الغازي ستستغرق حوالي 4 سنوات، وأنها ستدرس عدة بدائل من أجل ضغط البرنامج الزمني لتنمية الكشف حتي يكون  قادراً علي الإنتاج خلال فترة زمنية أقل من المعلن عنها فإن ما أشار إليه الدكتور نائل الشافعي – الاستشاري بهيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية –  قد شكل مفاجأة خطيرة ومثيرة للانتباه لما يتم بمصر ولمصر من الداخل والخارج خاصة حينما قال : ” إن هذا الاكتشاف ليس جديداً فقد سبق وأعلنت  الحكومة المصرية عن بدء عمليات الحفر فيه عام 2003 .. ثم اعلنت عنه شركة “شل” بشكل رسمي في 18 فبراير عام 2004، ونشرت صحيفة الاهرام المصرية أخباراً عن أهمية هذا المشروع  حتي أن نائب رئيس شركة “شل” أعلن حينها أن هذا الاكتشاف سيغير خريطة حقول الغاز في العالم، وتوقعوا  أن يبدأ الانتاج من هذا الحقل عام 2007 .

 الدكتور نائل الشافعي في فيديو رفعه هو نفسه علي الـ”يوتيوب” عقب إعلان شركة “إيني” الإيطالية الأحد الماضي, أعلن أن شركة “شل” جمدت نشاطها تماماً في مصر بعد هذا الكلام عام 2004 وسادت حالة من الصمت المريب من الشركة حتى جاءت  الثورة المصرية عام 011 وتنحى “حسني مبارك” وفي اليوم التالي فوجئنا بأن شركة “شل” تعلن إيقاف جميع اعمالها والانسحاب من مصر.

كلام الدكتور نائل الشافعي شكل صدمة لكثير ممن شاهدوا اليوتيوب الخاص به خاصة حينما أشار إلى أنه طلب وقتها- أي في العام 2011-  بعد انسحاب “شل” أن يأخذ  هو نفسه حق امتيازً في مياه البحر المتوسط وذلك لتأكده بأن مصر تملك احتياطي للغاز بالبحر بالبحر المتوسط هو الأكبر فيه إن لم يكن في العالم، مؤكداً أنه هو نفسه ليس لديه شركة بترول، لكنه أكد انه بمجرد أن يقول للشركات العالمية عن حصوله علي هذا الامتياز فإنها ستهرول له وتطلب مشاركته. وذلك في إشارة منه لترغيب من التقاهم من المسئولين في مصر بأهمية ما تملكه مصر من احتياطي ضخم للغاز في مياهها الإقليمية بالبحر المتوسط

 وقال “الشافعي: ( أنه في عام 2000 بدأت “شل” بحفر بئر اسمها “ليل 1”  ثم “شروق”  وفي عام 2001 أصدرت “شل” بيانًا  أكدت فيه بأن النتائج مشجعة، ثم عادت بعدها  وقالت إنها غير مشجعة، ونشرت  الشركة “شل” تلك البيانات في الصحف، ومر عام 2001 دون أية نشاطات منها ، رغم أن التعاقد كان على حفر عدد من الآبار خلال فترة من عام إلي  ثلاثة أعوام، وأشار “الشافعي” إلى  أن  وزارة البترول المصرية  قامت بعدة زيارات إلي قبرص التي أصرت أن يتم وضع اتفاقية تقاسم للطاقة بينها وبين مصر، وقد تم لها ما أرادت في اتفاقية ظالمة جداً يقول الدكتور الشافعي.

 وقد كشف الشافعي عن سر خطير في هذا اليوتيوب الذي  قال فيه:( في يناير 2003، كشف لي أحمد فتح الله، رئيس الهيئة القانونية في وزارة الخارجية،  أنه قد جاءت أوامر ” من فوق ” تطلب سرعة التحرك لرسم اتفاقية ترسيم حدود بين مصر وقبرص) .

وأضاف الشافعي: ( تم حفر بئرين في شهري نوفمبر وديسمبر من عام 2003 بعدها خرج البيان المشترك بين “شل” و “وزارة البترول” المصرية في فبراير 2004، وقيل وقتها إنه سيتم تطويرهما خلال 3 سنوات، ثم أعلن نائب رئيس شركة “شل” أن مصر ستصبح  واحدة من أغنى دول العالم في الطاقة لكن حدث أن جمدت “شل” عملية تطوير البئرين “ليل 1” و “شروق”  حتي أن وزير البترول الأسبق سامح فهمي أشار – وفقاً لتأكيد نائل الشافعي  في تسجيله المصور- بأن العالم الغربي لن يسمح لمصر بالاستفادة من الحفر في المياه العميقة، وعليه فقد توقفت “شل” عن تطوير آبارها في البحر المتوسط، حتي قامت بتصفية أعمالها في 2011.

الأغرب أن مصر الدولة المصدرة للغاز إلي إسرائيل، والتي كانت إمداداتها إليها مستمرة حتي العام 2011، فجأة تحولت في العام 2012 من دولة مصدرة  للغاز إلي دولة تعاني فقراً منه بدون أي مقدمات رغم أن العلم يقول بأن حقول الغاز لا يمكن أن تجف فجأة ورغم أن وزارة البترول في مصر دأبت علي أن تستأجر شركة متخصصة في أعمال التدقيق وتحديد الاحتياطيات من الغاز في مصر، هي شركة “وود ماكينزي” لدراسات الطاقة وكانت تُعد تقريراً سنوياً عن الاحتياطيات المصرية من الغاز أكدت فيه كثيراً أن الاحتياطي المؤكد من الغاز الموجود في مصر يكفيها تصديراً واستغلالا لمدة 28 عاما، إذن فما الذي حدث وجعل مصر تتحول في عام واحدة من دولة مصدرة إلي دولة مستوردة تعاني فقراً من الغاز الطبيعي ؟!

يبدو أن قراراً ما  قد صدر فعلاً يؤكد تصريح وزير مبارك للبترول سامح فهمي بأن يتم تجميد جميع أنشطة التنقيب في مصر براً وبحراً من أول 2005، وهو التصريح الذي  تمت ترجمته علي أرض الواقع بتراجع شركة “شل” عن بياناتها المبشرة لمصر عام 2004  بأنها ستصبح واحدة من أغني دول العالم في الطاقة بتجميد نشاطاتها في الكشف والتنقيب حتي جاء رئيس جديد للشركة في مصر وقال أن مهمته هي التخلص من كل العمليات الغير مربحة لشركته وكان واضحاً – كما يقول نائل الشافعي – أنه جاء خصيصاً لكي يقوم بتصفية اعمال “شل” في مصر.

نعم لا يمكن فصل تصريح سامح فهمي عن قرار “شل” تصفية أعمالها في اليوم التالي لإعلان حسني مبارك تنحيه عن الحكم، وهو القرار الذي سبقته حالة من التجميد لأنشطتها الاستكشافية والإنتاجية منذ إعلانها في 2004 أن مصر ستصبح خلال 3 سنوات واحدة من أغني دول العالم في الطاقة حتي إعلانها الثاني عن تصفية أعمالها بمصر في اليوم الذي أعلن فيه مبارك تنحيه عن الحكم، ما يؤكد فعلاً بأن قراراً ما بتجميد جميع أنشطة التنقيب في مصر استمر خلال الفترة من  العام 2004 وحتي إسناد منطقة الامتياز إلي الشركة الإيطالية قبل عامين.

الكشف الجديد برغم ما يحمله من بشائر بالخير إلا أنه يكشف عن فساد  من نوع خاص جداً في قطاع البترول المصري، فلم يقل لنا مسئول واحد في هذا القطاع لماذا أوقفت “شل” فجأة، وتراجعت عن استثماراتها طوال السنوات الماضية، ولم يقل لنا آخر لماذا لم تعلن “إيني” الإيطالية أيضاً عن المناطق الأخرى التي يقول الشافعي أنها أكثر بشارة من بئر” شروق” في منطقة الامتياز بالبحر المتوسط، خاصة في منطقة “شمال ليل” و منطقة “شمال بور فؤاد”  فالاحتياطي فيها من الغاز أكثر ضخامة من الكشف المعلن مؤخراً حسب تأكيدات ذلك الرجل- نائل الشافعي-  الذي تأكدت كل تنبؤاته بالخير المدفون بالبحر المتوسط بعد سنوات من تصريحاته، وقبل هذا وذاك نحن في حاجة إلي إجابة عن السؤال الأخطر في قطاع الطاقة : كيف تحولت مصر في العام 2012 فجأة من دولة مصدرة للغاز  لديها احتياطي يكفيها للإنتاج والتصدير مدة 28 عاماً حسب تأكيدات “وود ماكينزي” إلي دولة فقيرة في الغاز ؟

أعرف إنها أسئلة محرمة في هذا القطاع الغامض، لكن ستظل علامة الاستفهام حاضرة في الأذهان حتي يظهر من يجيب.

________________________

*كاتب وصحفي مصري 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه