افتراءات النمنم وزير الثقافة السابق على العلامة القرضاوي

وزير الثقافة المصري الأسيق حلمي النمنم

 يظل العلامة القرضاوي مؤرقا ومزعجا حتى في شيخوخته، وحتى بعد انقطاعه لإتمام مشروعه العلمي وأعماله الكاملة، ورغم عدم ظهوره في الإعلام منذ سنوات، يظل مادة ثرية لكل من يريد التقرب من الطغاة والأنظمة المستبدة. ومن الشخصيات التي تولت منصب وزير الثقافة في مصر الصحفي: حلمي النمنم، وقد أمسك بالوزراة وتركها ولم يشعر به أحد، أراد أن يضع اسمه على بعض إصدارات الهيئة العامة للكتاب، وظن أن هذا الصنيع سيبقيه أو يبقي ما يكتب، بحكم المنصب، ولكن صاحب القلم يبقى ما كتبه، سواء نال منصبا، أم تركه، وخير نموذج لوزراء الثقافة الذين تركوا بصمتهم فيما تركوا من كتابات: ثروت عكاشة صاحب القلم السيال، والكتب التي لا تزال تقرأ، رغم وفاته.

عودة النمنم:

المهم، أن النمنم أراد أن يعود للحياة العامة، فظهر في برنامج على قناة تن، في حوار فوجئت به يزج باسم القرضاوي، حينما واجهه المذيع بأنه استضاف القرضاوي في دار الهلال، فرد بأن من استضافه هو مكرم محمد أحمد، ثم راح يدعي عنترية أنه واجه القرضاوي بأسئلة محرجة، وأنه غضب، ثم استشهد باسمي في الحادث، وأن القرضاوي مال علي وسألني عن النمنم، وأنه متربص به، ومعظم ما ذكره النمنم في اللقاء غير صحيح، بل ملأ كلامه بالافتراء على القرضاوي، والقصة كما تلي.

اتصل بي الأستاذ حمدي رزق، طالبا ترتيب لقاء مع شيخنا القرضاوي، يكون على غرار لقاء المصور مع المرحوم الأستاذ عمر التلمساني، ويكون غلافا للمجلة كما حدث مع التلمساني، وأن هذه رغبة دار الهلال، وتوسط كذلك لقبول الدعوة الأستاذان: محمد عبد القدوس، وصلاح عبد المقصود وزير الإعلام السابق، وكنت وقتها مديرا لمكتب الشيخ وسكرتيرا خاصا به، وبالفعل كلمت الشيخ، وقبل الدعوة.

رتبت اللقاء مع حمدي رزق بحكم أنه كان المتابع للموضوع من دار الهلال، وحضر معنا اللقاء عبد القدوس وعبد المقصود، في سيارة الأول، وكان في استقبالنا على البوابة حمدي رزق، وفي انتظارنا مكرم محمد أحمد، دخلنا في قاعة في دار الهلال، وكان من حضروا اللقاء من دار الهلال: مكرم محمد أحمد، وحمدي رزق، وشخص لم نكن نعرفه كانت أول مرة نراه، هو حلمي النمنم، فكان مجموع الحضور سبعة، ثلاثة من المصور، والشيخ وعبد القدوس وعبد المقصود والعبد الفقير (عصام تليمة). سألت عن الضيف الذي لا نعرفه، فأخبروني عن اسمه (حلمي النمنم).

أسئلة مكرم:

كان اللقاء طويلا امتد لما يقرب من ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات، كانت معظم الأسئلة توجه من مكرم محمد أحمد، والقرضاوي يجيب، وبعض الأسئلة من حمدي رزق، وبعيض الأسئلة من حلمي النمنم، كان الجميع محتفيا بالقرضاوي، وكانت الأسئلة تدور بين الهادئة والساخنة بعض الشيء، إلا أن بعض الأسئلة كان مستفزا من النمنم، ولم تكن كما ادعى أنها تتهم القرضاوي بالتكفير، بل مصدر الاستفزاز أن أسئلة النمنم معظمها كان هجوما على السعودية، في ثوب الهجوم على السلفية والوهابية، بأسئلة تنم عن موقف متشنج، وكان الذي ينهره ويقول له: اسكت يا حلمي، هو مكرم محمد أحمد، ولما لاحظ القرضاوي هذه اللهجة من مكرم، قال متلطفا للنمنم: أرأيت أسئلة السيد النقيب (إشارة لمنصب مكرم السابق كنقيب للصحفيين)، وكيف أنها تؤدي نفس الغرض لكن بلطف وهدوء؟!

هل هو القعيد؟

مال علي القرضاوي، وسألني: هل هذا هو القعيد؟! قلت له: لا، ليس القعيد، فالقعيد أسمر البشرة، وهذا أصفر البشرة، لقد أخبروني أن اسمه: حلمي النمنم، وكان صوت الشيخ خافتا لم يسمعه غيري. وبعد انتهاء الحوار، فوجئ الجميع أن الشيخ لم يترك سؤالا بدون إجابة، رغم حساسية بعض الأسئلة، ومنها سؤال: عن علاقته بتنظيم الإخوان المسلمين، وأسئلة أخرى، وجدنا أن الحوار المنشور لم يغطها جميعا، فما نشر لم يكن كل ما في الحوار.

بعد انتهاء الحوار، أصر مكرم على استضافة الشيخ في مكتبه، ودار حوار آخر لطيف ودود، تمثل في طلب نشر كتاب من كتب الشيخ في سلسلة دار الهلال، فوافق الشيخ، وأعطاهم كتابه: فقه الصيام، وكان قد طبع من قبل، فأضاف إليه بعض الإضافات البسيطة، وجعل عنوانه: فقه الصيام والقيام. وترك لي الشيخ الحديث في تفاصيل الاتفاق.

ذهب الشيخ مع الأستاذين: عبد القدوس وعبد المقصود، وجلست بدعوة من حمدي رزق لنتحدث في حديث ودي مع النمنم في مكتب رزق، وقلت له: لقد سألني الشيخ عنك، وقد كان يظنك القعيد، فضحك وقال: يا عم أنا غلبان، أنا فين بس والقعيد فين؟! وكان النمنم فرحا بظن الشيخ به أنه القعيد، فهذا أشعره بأن الشيخ معجب بأسئلته وحواره، أو أن أسئلته لفتت انتباهه.

الشيخ يترك نسبته في التأليف

اقترحت على الشيخ وقد كان تعاملنا مع دار الهلال تعامل الكبار ذوي العزة والأنفة، أن يترك نسبته كمؤلف من الكتاب، شريطة أن يكون ذلك لصالح القارئ في سعر الكتاب، فوافقت دار الهلال على ذلك، وبالفعل نزل الكتاب في شهر رمضان، وبهذا العنوان، وجاءتنا نسخ هدية لمكتب القرضاوي.

بعد حوار المصور، الذي نزل بغلاف المجلة بصورة كبيرة للشيخ، والغلاف كله عناوين الحوار معه، طلب مني حلمي النمنم خدمة شخصية له، تتمثل في أنه يطمع بعد هذا التعارف بالشيخ، أن يتحفه بإجابة على بعض أسئلة له، ينشرها في مقال له، وأعطاني الأسئلة مكتوبة بخط يده، ووعدته بأن أقنع الشيخ بإجابتها، وأرسلها له، وأعطاني رقم هاتف بيته الخاص، ورقم الفاكس، لأرسل له على المنزل إجابات الشيخ، وبعد عودتنا لقطر، أجاب الشيخ عن أسئلته، وكانت كلها أسئلة تدور عن العنف وجماعات العنف، بحكم أنها كانت بعد أحداث 11 سبتمبر.

كتب الشيخ إجابة الأسئلة، واتصلت برقم النمنم الذي أعطاه لي، فردت السيدة حرمه، ولم يكن موجودا، ثم رجعت كلمته مرة أخرى، فأعطاني رقم الفاكس، وأرسلت له الأسئلة والأجوبة، ثم وضعها في مقال له، نشره في مجلة المصور، حسب كلامه لي وقتها، وأذكر أني قابلته بعدها في مكتب حمدي رزق، وأعطاني نسخة من المجلة لأعطيها للشيخ، مشددا في إبلاغ تحياته له، وتقديره وتقدير السيدة حرمه للشيخ، ووسطيته.

كلام المعجب:

كان حديث النمنم وقتها عن القرضاوي حديث المعجب، والذي يطمع في إقامة صلة أكثر من هذا الحوار، فقد كان متحاملا على الإخوان، بينما يرى القرضاوي ليس في التنظيم، وأنه رجل معتدل ووسطي، وفقيه كبير، هذا ما كان يبديه النمنم بعد حوار الشيخ مع المصور، وإجابته عن  أسئلته التي أرسلها، ولم يأت الحوار بيننا بأي صيغة أو شكل ينتقد فيه الشيخ، أو يبين مخالفته له.

وجاءت ثورة يناير واتضحت المواقف، فالنمنم كان منحازا لدولة مبارك، وكذلك مكرم محمد أحمد، وهو ما أعلنه مكرم، بعد أن أعلن القرضاوي تأييده لثورة يناير، صرح  مكرم قائلا: أنا نادم على صداقتي مع القرضاوي، وهو ما يؤكد كلامي، فقد كان موقف مكرم والنمنم من الشيخ موقف المعجب، والفرح بالحوار الذي تم في المصور، وبإكرام الشيخ لدار الهلال بكتاب من مؤلفاته دون مقابل مادي، وكل ما عدا ذلك مما يذكره النمنم عن هذه المرحلة، فهو كذب صراح لا أساس له من الصحة، ولو امتلك الشجاعة النمنم فليخرج تسجيل الحوار مع القرضاوي في دار الهلال كاملا، وسيرى ويسمع الجميع كذب ما يدعيه النمنم من عنتريته أمام القرضاوي.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه